[Image]يستعرض هذا الكتاب صفحات مجهولة من تاريخ سرقة ونهب وتهريب آثار مصر وتراثها في القرنين الأخيرين. مما أدى إلى وجود أكثر من نصف الآثار المصرية في الخارج في ظل حماية قانونية أحيانا، ارتضت نظام “اقتسام الآثار” التي قامت البعثات الأجنبية باكتشافها، إضافة إلى عرض بعضها للبيع بشكل رسمي، وسماح بعض الحكام والمسؤولين لأنفسهم بإهداء المئات من القطع الأثرية النادرة لملوك وقادة أوروبا.. ! والمؤلف يعمل قاضيا بمحكمة استئناف القاهرة، وكان مستشارا قانونيا للمجلس الأعلى للآثار في السنوات العشر الأخيرة، وتولى مسؤولية ملف استرداد الآثار المصرية المهربة، ونجح مع آخرين في استعادة أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية حتى عام 2011، وأتاح له هذا العمل الاطلاع على الكثير من الملفات والأوراق والقضايا، وهو ما ساعده على إعداد هذا الكتاب. النظام القانوني يتكون الكتاب من أربعة فصول، يتناول الأول نشأة النظام القانوني في مصر لحماية الآثار ابتداء من صدور أول مرسوم في عام 1835 ينظم التعامل مع الآثار، في عهد محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة، وكذلك إنشاء أول متحف للآثار، وإسناد مهمة الإشراف عليه للشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، الذي نجح في إصدار قرار بمنع التهريب والاتجار في الآثار. ويشير المؤلف، إلى أن القنصليات الأجنبية في مصر كانت ترسل الآثار المصرية إلى أوروبا قبل عام 1835 بلا أي ضابط قانوني، كما أن البعثات الأجنبية كانت تطلب امتيازات كثيرة من محمد علي باشا، وأولاده بعد ذلك، عند الحفر والتنقيب، أبرزها طلب قسمة ما يتم اكتشافه من آثار. وفي عهد الخديوي إسماعيل (1869)، صدرت لائحة جديدة بوضع قواعد تنظيمية للحفائر، ولائحة أخرى في عام 1874 سمحت بنظام قسمة الآثار التي يتم اكتشافها، استجابة لضغوط القناصل الأجانب في مصر، وأصبحت الآثار المكتشفة، بموجب هذه اللائحة، تقسم إلى قسمين متساويين، أي 50٪ لكل طرف.. ! والتساؤل هنا: كيف سمحت الدولة بأن تعطي الأجانب جزءا من حضارتها وتاريخها وتراثها القومي كمكافأة.. ؟ وماذا لو كانت انتظرت سنوات أخرى دون حفر أو تنقيب، حيث لم تكن هناك ضرورة لاستخراج هذه الآثار بهذه السرعة.. ؟ وفي عام 1880 صدر مرسوم بحظر تصدير الآثار “نظرا لتزايد أعداد الأجانب الذين يغادرون مصر محملين بأجزاء انتزعوها من حضارتنا على شكل قطع أثرية”، وفي عام 1902 تم البدء في إنشاء المتحف المصري (بميدان التحرير الآن) في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني بهدف الحفاظ على الآثار المصرية وحمايتها وعرضها على جمهور الزائرين. وفي عام 1912 صدر القانون رقم 14، وهو أول قانون متكامل بالمعنى المتعارف عليه اليوم، يتضمن تعريفا للأثر وضوابط تداوله وعقوبات لمخالفة أحكامه، واستبعد المشرّع منها كافة الآثار الإسلامية من التصدير للخارج، لأن الاتجاه العام وقتها كان يهدف إلى الحفاظ عليها بدلا من الفرعونية، التي كان إقبال الأجانب عليها أكثر بكثير من الآثار الإسلامية. تشجيع التهريب وفي عام 1951 صدر القانون رقم 215 بغرض وضع إجراءات عملية حاسمة للقضاء على تجارة الآثار غير المشروعة، لكنه مع الأسف كان أكثرها تشجيعا على التهريب والسرقة والاتجار، بل وصل الأمر إلى أن سمح القانون في بعض الأحيان، وبموافقة رسمية، بأن تصل نسبة “قسمة الآثار” مع البعثات الأجنبية إلى 100٪، والأغرب أن هذا القانون بقي معمولا به طوال عهدي عبد الناصر والسادات، ولم يتغير إلا في عام 83، حيث تم إلغاء تصدير الآثار إلى الخارج تماما. وفي عام 2010 صدر القانون رقم 3 الذي منع الاتجار والتصرفات بالبيع والشراء نهائيا، وألغى نسبة 10٪ التي كانت البعثات الأجنبية تستطيع الحصول عليها من الآثار المكتشفة، وأقر حقوق الملكية الفكرية والعلامة التجارية لصور الآثار، ولكنه لا يزال يحوي ثغرات في حاجة إلى أن تسد في أقرب وقت. ويتناول المؤلف في الفصل الثاني صفحات مثيرة من تاريخ نظام القسمة، والملكية الخاصة، وتجارة وإهداء الآثار المصرية، فيقول: “عندما تتجول بالجناح المصري بمتحف “المتروبوليتان” بنيويورك، أو تدخل متحف “اللوفر” بعاصمة النور باريس، سوف تتملكك الدهشة من كم الآثار المصرية المعروضة، التي يفوق عددها بالمتحف البريطاني بلندن ما هو موجود لدينا ببعض متاحفنا، فإذا ما اتجهت جنوبا إلى “تورينو” بإيطاليا فسوف تتأمل في دهشة مماثلة أجنحة المتحف المصري هناك بطوابقه الثلاثة، وإذا ما قررت أن تتجه غربا إلى “برشلونة” فسوف تشاهد نموذجًا مصغرا للمتحف المصري مرة أخرى، وإذا أردت أن تقوم بجولة ببعض دول أوروبا دون تحديد فسوف تجد أثارا متناثرة بمتحف صغير بالقرب من المدينة القديمة في “جنيف”، وأخرى مماثلة بالعاصمة السويدية “ستوكهولم”، ومتحف كامل “بفيينا” عاصمة النمسا، ومعبد بالعاصمة الإسبانية الشهيرة “مدريد”، الذي أنقذته هيئة اليونسكو من الغرق فحملوه إلى بلادهم.. ! ويوجد بمدينة “روما” وحدها أكثر من ستة وثلاثين مسلة فرعونية، فكيف خرجت كل هذه الآثار من مصر.. ؟ والسؤال ليس له إجابة شافية، ولكنها السياسة التي تتغير من عصر إلى عصر وتتحكم في مجريات الأمور، وما كان يستخدم من أساليب، ويقنن من تشريعات، يعد سببا رئيسيا في خروج أغلب هذه الآثار إلى الخارج، وعلى مدى قرن كامل خرجت مئات الآلاف من القطع الأثرية، بعضها نادر ومتفرد ولا مثيل له، وغالبيتها ذات قيمة فنية وتاريخية عالية. استرداد الآثار ومع إدراك المجتمع الغربي لأهمية الآثار المصرية منذ سنوات بعيدة، وابتكاره وسائل متطورة لعرضها وحمايتها، تعالت أصوات من داخل مصر تنادي بعدم عودة هذه الآثار.. ! وكأننا نملك حق استردادها حتى نرفض أو نقبل، فوفقًا لاتفاقية باريس عام 1970، التي انضمت إليها مصر عام 73، أصبحت هذه الآثار ممتلكات ثقافية أجنبية تبعا للدولة التي تحوزها، فأثار مصر في متحف “اللوفر” هي مقتنيات ثقافية فرنسية، وتلك المستقرة في بريطانيا هي ممتلكات ثقافية إنكليزية، وهكذا. ويتناول المؤلف في الفصل الثالث جانبا من تاريخ استرداد آثار مصر المهربة، ومنها مثلا “مخزن جنيف” الذي حوى 400 قطعة، واتهم في قضية التهريب أكثر من ثلاثين شخصا من ذوي النفوذ في مصر، وعادت القطع إلى مصر في نهاية عام 2003، أيضا سرقة مجموعة من الآثار كانت في مخزن تابع لكلية الآداب بالمعادي، وتعتبر من أقدم الحفائر المصرية، ووصلت في النهاية إلى ضابط استطلاع أمريكي (79 قطعة من بين 370 تمت سرقتها)، وبالفعل تم تسليمها إلى مصر في نهاية 2008. ويشير المؤلف إلى أن مشكلة عودة آثار سيناء من “إسرائيل” كانت تحتل مكانة بارزة في التفاوض بين الجانبين منذ عام 1980، وكانت حفائر البعثات الإسرائيلية في المواقع الأثرية بسيناء، التي تبلغ أكثر من 35 موقعا في الفترة من عام 1967 وحتى 1982، والتي قامت بها المتاحف والمعاهد والجامعات ومراكز الأبحاث الإسرائيلية، إلى جانب عدد من الشخصيات العامة والجيش، مما تسبب في طول فترة التفاوض مع هذه الجهات، قبل اتخاذ القرار بشأن عودتها كاملة إلى مصر. حيث توصل الجانبان إلى اتفاقية في جانفى 1993 يتم بموجبها إعادة كافة الآثار المصرية على أربع دفعات، انتهت في ديسمبر 1994، ضمت الدفعة الأولى 28 صندوقا و10 لوحات يونانية ورومانية، والثالثة 415 صندوقا، بينما ضمت الدفعة الأخيرة 838 صندوقا بأحجام كبيرة ومتوسطة، تحوي آثارا فرعونية ويونانية وإسلامية. اتفاقية اليونسكو ويشير المؤلف إلى الأهمية الكبيرة للاتفاقية الصادرة عن منظمة اليونسكو بشأن منع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، وما تفرضه من حماية للقطع الأثرية بالبلدان المختلفة، في استرداد الآثار المصرية المهربة للخارج. ومن بين مئات حالات استرداد الآثار المهربة على مدار السنين الماضية، كانت لمصر ثلاث تجارب مع دول عربية، هي الأردن وتونس والسعودية، وكانت هذه التجارب الثلاث ناجحة ومثمرة، واللافت أن الدول العربية هي التي كانت تبادر بإخطارنا بوجود الآثار لديها، وربما دون هذا الإخطار كان من الصعب أن نتصور وجود جانب من الآثار المصرية في السعودية مثلا. أما الفصل الرابع والأخير فقد تناول فيه المؤلف استعادة الآثار من داخل مصر، حيث يشير إلى أن حوادث سرقة الآثار طوال فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، كانت تتركز في المتحف المصري بميدان التحرير، ففي عام 1959 تم جرد المتحف بالكامل، وظهر أن هناك أكثر من 300 قطعة أثرية قد اختفت، وهناك آلاف القطع الأخرى غير مسجلة بالدفاتر. أيضا تعرض المتحف في أعوام 79 و87 و93 و1997 إلى السرقة بذات الأسلوب، وهو مغافلة الحراس، وجمع ما يرى اللص أنه ذو قيمة ويسهل حمله، وكان تمثال “سيتي الأول” من أشهر القطع الأثرية التي تعرضت للسرقة بهذا الأسلوب في عام 1987، ولولا ضبط اللصوص فيما بعد، لظل الفاعل مجهولا كالمعتاد، وربما طريقة السرقة أيضا. وتعد سرقة المجوهرات الملكية لأسرة محمد علي باشا، خاصة مقتنيات الملك فاروق الأول، من أشهر السرقات وأخطرها على الإطلاق في تاريخنا الحديث، وأكثرها تدليلا على طريقة السرقة المنظمة، بدأت بتشكيل لجان عديدة للقيام بأعمال الجرد، مرورا بالتجريد، حتى انتهت فصول القصة بضبطهم، وعرض المسروقات في متحف المجوهرات بالإسكندرية، بعد استعادة ما تبقى منها. أما آخر عملية مسجلة لسرقة المتحف المصري فكانت مساء يوم 28 جانفى 2011 (جمعة الغضب)، واستولى فيها خمسة أشخاص على نحو 27 قطعة من إحدى القاعات، ومثلها من قاعة أخرى، وقاموا بكسر ثلاث عشرة واجهة زجاجية، وبعثروا أغلب محتوياتها. حان الوقت إذن لوضع قانون موحد للتراث الحضاري في مصر لمواجهة جميع جرائم البيئة الثقافية والأثرية من ناحية، وفرض قواعد تنظيمية لحماية وتداول المقتنيات الثقافية من ناحية أخرى، بصورة تشجع على الارتقاء بالذوق الفني والثقافي لمقتنياتنا العامة والخاصة.