بصدور التعديل الدستوري في الجريدة الرسمية، بعد توقيعه من قبل الرئيس عبد المجيد تبون، تكون الجزائر قد خطت خطوة أولى في مسار استكمال إقامة دولة حديثة لها أسس ومنطلقات ستجيب لتطلعات التغيير والإصلاح، تكيفا مع تحولات الراهن ومواجهة تحديات الآتي. انطلقت الجزائر في مسار البناء والتجدد، واضعة حدا لمضاربة كلامية ومغالطات تداولت عبر شبكات تواصل اجتماعي من ضعاف نفوس وضمائر دأبوا على هذا السلوك المناوئ لأي تغيير يعطي ديناميكية أكبر لمنظومة حكم يفتح المجال للتداول على السلطة من خلال برامج تنافسية تحكمها قاعدة الكفاءة والنزاهة والولاء للوطن لا الأشخاص. ظهر هذا جليا من خلال التزامات الرئيس وإصراره على إحداث التغيير الجوهري في دواليب الحكم والسلطات بصفة تضفي مرونة وشفافية في تسيير البلاد وإدارة شؤون الرعية، اعتمادا على حكامة تعزز الممارسة الديمقراطية التعددية وتقويها، دون احتكار أو انفراد بالقرار. أولى هذه الالتزامات، التعديل الدستوري المحدد بدقة لشكل الجمهورية الجديدة، نظامها الرئاسي، صلاحيات سلطاتها، الرقابة التشريعية التي تؤسس لمرحلة تسمح بتناغم مؤسسات وتباين دورها الوظيفي واستقلاليتها بعيدا عن وحدوية السلطة والتوجه ومركزية القرار. من هنا كان التأكيد على تحديد العهدة الرئاسية لرئيس الجمهورية، بفترة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة على الأكثر، وتحديد الحصانة البرلمانية وحصرها في النشاط البرلماني ومنح صلاحيات لرئيس الحكومة ضمن تقاسم وظيفي في الهيئة التنفيذية، حيث تقرر العمل بنظام رئيس الحكومة، عند حدوث أغلبية نيابية في الاستحقاق التشريعي، أو وزير أول في حالة الأغلبية الرئاسية. أعطت هذه المسائل أجوبة لانشغالات قائمة وحلول تعقيدات ظلت معلقة لحقب دون حسم أفضت إلى تراكم أزمات لم تخرج منها البلاد بسهولة قبل التعديل الدستوري الذي وضع قواعد تؤسس لحقبة سياسية جديدة، محدثة قطيعة مع ممارسات سابقة ولدت انحرافات. أكبر استحقاق مسجل في الجزائر الجديدة، اعتماد دستور دائم، يترجم بأمانة وصدق روح التغيير والإرادة في تجسيد مفهوم جمهورية تُؤسَّس على أخلقة حياة، حكم راشد وفصل حتمي بين المال والسياسة، جاعلة الكفاءة معيارا أساسيا في تقلد الوظائف وتحمل المسؤوليات.