عندما فُككت المستثمرات الفلاحية ب»منطق الامتياز الفلاحي» أواسط ثمانينات القرن الماضي، أنتجت الفكرة التي روّج لها أصحابها على أنها فكرة ثورية، تفكيكا للمقدرات الفلاحية، وزيادة مريعة في عدد المسؤولين على هذا المستوى، مع زيادة في عدد المنتفعين من الامتياز الفلاحي، ليس فقط من حيث عدد المستفيدين إداريا، بل ببيع وشراء هذه الورقة السحرية، التي ساهمت بشكل كبير في تكريس الاحتكار، وفرض مضاربة ألعن، من خلال تكريس وظيفة الوكيل (mandataire)، الذي يتحكم في الأسعار، ويفرض منطقة على ما سواه في حلقة الفلاح - الزبون - المستهلك. الصعود غير المبرر في أسعار الخضر والفواكه والتسقيف الذي عرفته بعض المنتجات منذ تلك الفترة، أصبح «واقعا» لا يزعزعه أحد، وإذا سألت أيّ كان - في هذه الحلقة - عن السبب، تأتيك الإجابة في شكل «تبرير»، وهروب من «مسؤولية الإجابة»، التي يلاحظها كل من يهتم بهذا الجانب، علما أن تقاذف المسؤولية ليست حكرا على الفئة التي نتحدّث عنها، طالما أن رد الفعل هذا يُصبح «طبيعيا» متى كان مربوطا بالتبرير، لا بالبحث عن أصل المعضلة والسعي لحلها، أو العمل على حلها بالطرق القانونية والتجارية والمعاملاتية، ولو تطلب الأمر إعادة النظر في طريقة تسيير أكبر وسيط احتكاري في الأسواق، وهو الوكيل الذي يجمع ما ينتج، بالجملة، ويفرض أرقاما على تجار التجزئة، حسب «الأحوال الجوية» مثلما يقال، كناية على ما يمكن أن نسميه «ميزاجا تجاريا» يستهدف تركيز الفعل التجاري في يد واحد، على الأقل في نظر طرفي المعادلة في أسواق الجملة، وهما الفلاح والتاجر البسيط.. هل نعيد النظر في دور الوكيل، الذي يدفع ضرائب كبيرة لمصالح الجباية، بالنظر إلى أنه أصبح بمثابة زائدة دودية مقلقة في العملية التجارية، أو شبيها بدور الدائرة في الجماعات المحلية، التي لطالما انتقدت على هذا الأساس، وقيل إنها زائدة دودية بين المجالس البلدية المنتخبة والوالي..؟ من يفكرون في إصلاح التجارة قد يطرحون السؤال من زاويا أخرى، على اعتبار أن زوائد أخرى موجودة في حلقة المنتج والمستهلك، سواء كانت هذه الحلقة جزائرية أو مرتبطة باستيراد مواد، هي الأخرى، واقعة تحت شكل من أشكال الاحتكار.. ورفع الأسعار