بدأت المخاوف تنتاب الفلاحين الناشطين في عدد من الشعب الموسمية بسبب أزمة المياه وصعوبة إيجاد مصادر لإنقاذ محاصيلهم الزراعية، نظرا لتدني منسوب السدود الرئيسية وضعف طاقة استيعاب الحواجز المائية والمسطحات التي أنجزت في السنوات الأخيرة، حيث عرفت هذه السنة تراجعا كبيرا في كمية الجمع نتيجة شحّ الأمطار، بالخصوص بالمناطق الجبلية التي تنتشر فيها مساحات الكروم على نطاق واسع، مقابل توسّع ظاهرة السقي العشوائي غير المراقب حتى من نقاط تجمع المياه المستعملة. كل المؤشرات كانت تنذر بموسم فلاحي صعب خاصة بالنسبة للأراضي المسقية التي تعتمد بنسبة كبيرة على مياه السقي لاستكمال دورة نضج المحصول الموسمي يعلق أحد الفلاحين الذين استثمروا في شعبة إنتاج عنب المائدة التي تهيمن على النشاط الفلاحي بولاية بومرداس متحدثا ل «الشعب» عن شبح الجفاف وتراجع كمية الأمطار المجمّعة في الحواجز المائية وحتى الآبار التي كانت تشكّل مخزونا احتياطيا يستعمل عند الحاجة وإنقاذ المحاصيل مع بداية فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة. أمام هذه الوضعية الطبيعية التي بدأت تؤرق الفلاحين الذين اعتمدوا في السنوات الأخيرة على نظام السقي لتوسيع المساحات الزراعية المغروسة حتى بالمناطق المرتفعة التي تتطلّب كميات كافية ومنتظمة من المياه، انطلقت منذ أيام رحلة البحث عن مصادر التموين لدعم المحاصيل وإنقاذها من التلف الناجم عن قلة الأمطار وحاجتها إلى التغذية بهذه المادة الحيوية مع ارتفاع درجة الحرارة، وهو ما حتّم على المزارعين الاستنجاد بالصهاريج لنقل المياه لعدة كيلوميترات بالنسبة للأراضي المتواجدة بعيدا على الوديان والأحواض المائية في المساحات المسطّحة. وبغض النظر عن التكاليف الباهضة التي تتطلبها عملية السقي بالصهاريج التي تزيد عن 4 آلاف دينار لصهريج الشاحنات حسب تصريحات بعض الفلاحين الذين يتزوّدون من آبار وادي سيباو، وحالة الفوضى التي يعرفها نظام السقي بسبب غياب المراقبة من قبل ديوان السقي الفلاحي لمنطقة الوسط، يخشى الكثير من المتابعين والمختصين من بوادر أزمة ثانية أكثر خطورة وتتعلّق بلجوء بعض الفلاحين إلى عملية السقي بالمياه المستعملة التي تصبّ كلها في الأودية والمجاري الثانوية. رصدت «الشعب» لجوء عديد الفلاحين إلى نصب محركات ومدّ قنوات لسقي الأراضي من نقاط تجمّع المياه المستعملة، ما يستدعي تحرّك السلطات والمصالح المختصة لمراقبة التجاوزات التي قد تسبب كوارث بيئية وصحية. عمدت مديرية المصالح الفلاحية لبومرداس في السنوات الأخيرة إستراتيجية للرفع من المساحة المسقية إلى حدود 30 ألف هكتار، مع محاولة مرافقة الفلاحين لتنظيم العملية وتشجيعهم على إدخال التقنيات الحديثة والاقتصادية في طريقة السقي باعتماد تقنية الرش بالتقطير التي بدأت تنتشر محليا، لأسباب أملتها ظاهرة الجفاف والتغيرات المناخية، مع رفع الحظر عن رخص حفر الآبار الارتوازية لدعم شبكة الري. مع ذلك تبقى المهمة صعبة بسبب ضعف التحكّم في نظام السقي، وأزمة المصادر خاصة مع تراجع طاقة استيعاب السدود الثلاثة أهمها سدّ قدارة الذي يعرف حالة تدهور كبيرة نتيجة تراكم الطمي وغياب الصيانة الدورية، وكلها عوامل قد تؤثر مستقبلا على النشاط الفلاحي، وقبله على شبكة مياه الشرب، حيث لجأت السلطات الولائية إلى تبني مخطّط استعجالي لمواجهة الأزمة والاستنجاد بالمياه الجوفية ببرمجة مشاريع مستعجلة لإنجاز وتهيئة 66 بئرا لدعم المياه السطحية المتبخرة ما بين امتصاص الحرارة وظاهرة التسربات والهدر العشوائي لهذه المصادر الحيوية.