لا يمكن أن نمر مرور الكرام على ظاهرة تشابه أسماء المناطق والأماكن في الجزائر التي احتضنت الجاليات الأندلسية مع أسماء المدن والقرى العتيقة في إسبانيا، ويصعب ردها إلى الصدف، فهي تعكس دون شكّ آثارا أصبحت تبدو اليوم بعيدة جدا، لحلول الطلائع الأولى للاجئين الأندلسيين بالبلاد ولشوقهم الكبير وحنينهم القوي لأندلسهم الضائعة. ارتباطهم الشديد بمسقط رأسهم اتخذ أشكالا تعبيرية تجسّدت في نقل أسماء مدنهم وقراهم وشوارعهم ووديانهم وجبالهم الأندلسية وإسقاطها على أوطانهم الجديدة، والظاهرة لم تكن اختراعا أندلسيا بل هي ظاهرة بشرية عالمية تحدث في جميع المجتمعات وفي جميع الحقب، وقد عرفها العالم الجديد في نفس الفترة تقريبا على أيدي المحتلين والمعمرين والمهاجرين الأوربيين. وعليه يصعب الاعتقاد أنه من باب الصدفة فقط يوجد الوادي الكبير في جيجل الذي تعيش على ضفافه منذ نحو خمسة قرون تجمعات بشرية أندلسية وموريسكية، والوادي الكبير المعروف حاليا في إسبانيا ب: «Cuadadalqivir»، ومن الصعب أيضا عدم الانتباه والتساؤل عن سر وجود أسماء مشتركة لأماكن في إسبانيا الحديثة والجزائر على غرار الكنار أو القنار والبريجة والحامة (كحامّة قسنطينة وبريجة سيدي فرج في العاصمة) إذ تقع الحامّة في إسبانيا قرب غرناطة وهي مدينة صغيرة عريقة أقرب إلى القلعة. وكانت بالفعل قلعة للناصريين آخر ملوك غرناطة، وهناك حامة أخرى تعرف ب: «Alhama de Murcia «(حامة مرسيّة) جنوب شرق البلاد، إضافة إلى»RioAlhama» وادي الحامّة في إقليم ريوخا، إضافة إلى الحامة الموجودة في المرية «Alhama de Almeria «. ومثلما توجد في آزفون عائلات لقبها إشبّودان يقال إنها أندلسية الجذور، نعثر على نفس الاسم في إسبانيا لكنه ليسا لقبا عائليا وإنما اسم منطقة جبلية، وفي منطقة بلنسية توجد محطة ميترو تحمل اسم ميسلاتة أو ميصلاتة (Mislata) وهو الاسم القديم لواحة المسيلة في جنوبالجزائر والتي كانت تربطها علاقات وطيدة بالأندلس الإسلامية خلال العصور الوسطى. وهل توجد علاقة بين اسم الزيامة المنصورية في جيجل والمدينة الصغيرة الواقعة جنوب إسبانيا، في منطقة ألمرية تحديدا، وتعرف باسم Río Almanzora أي وادي المنصورة حيث كانت مسرحا لانتفاضة موريسكية في نهاية عام 1500م بعد أشهر فقط من ثورة جبال البشرات (Alpujarras)؟ وهل من باب الصدفة أيضا أن يوجد حي يسمى العنصر في قلبِ مدينة شفشاون الأندلسية في شمال المغرب وقرية تحمل الاسم نفسه ويمر عبرها واد يسمى هو الآخر وادي العنصر في جيجل شمال شرق الجزائر حيث ينحدر الكثير من السكان المحليين من الجاليات الأندلسية اللاجئة إلى المنطقة قبل قرون.