كانت ليلة رمضانية بعد الفطور إلى ساعة متأخرة منها وحدث ذلك سنة 1975، أي بعد مسيرة الحسن الثاني «الخضراء»، كما انعتها لاحتلال الصحراء الغربية عام 1974 حيث كان فرانكو يحتضر وبعد انسحاب القوات الاسبانية. أقول في تلك الليلة دعا الرئيس بومدين رحمه الله مسؤولي الاعلام الى اللقاء بمقر الرئاسة وكان لي الحظ حضور ذلك اللقاء الذي كان فيه كل مسؤولي اجهزة الاعلام حينئذ المرئية منها والمسموعة والمكتوبة. من بين الحضور كان الدكتور احمد طالب الابراهيمي وزير الاعلام والثقاقة والمرحوم محمد الشريف مساعدية مسؤول قسم التوجيه والاعلام بحزب جبهة التحرير والرائد محمد علاق مدير المحافظة السياسية للجيش الوطني الشعبي ونائبه سي حمودة عاشوري وكذلك عبد الرحمان شريط ولزهر شريط ومدني حواس من الاذاعة والتلفزيون بالاضافة لمدراء الصحف آنذاك وكانت أربع 'الشعب، المجاهد، النصر والجمهورية وأسبوعية الجزائر الأحداث بالاضافة لوكالة الانباء الجزائرية. وكان الدكتور محيي الدين عميمور المستشار ومدير الاعلام برئاسة الجمهورية آنذاك على كرسيه في موقع استراتيجي. كل الحاضرين في مجال نظره. ولست أدري ما الذي جعل عبد القادر بن صالح يختارني للحضور معه ولم أكن مسؤولا كبيرا على مستوى جريدة «الشعب» فقد كنت مجرد رئيس قسم وكاتب افتتاحية. وازعم انه قد يكون لذلك بإيحاء من الصديق عميمور، لأنه كان أحيانا في لقاءات كهذه يطلب من مسؤولي أجهزة الاعلام إشراك أسماء معينة بحسب سلطته التقديرية. واليوم بعد ستة وأربعين سنة بقي من كل ذلك الحضور أحياء الدكتور احمد طالب والدكتور محيي الدين عميمور وزواوي بن حمادي ومخربش هذه السطور. بدأ الرئيس بومدين رحمه الله بالحديث عن الاوضاع الداخلية التي عرفتها البلاد في ذلك الصيف الساخن الذي انتشرت فيه الدعايات والاقاويل عنه وعن حالته الصحية بعد حوالي شهر من غيابه عن الظهور وقال لأول مرة آخذ عطلة. فإذا بالقيامة تقوم ومما زاد في إنتشار الأقاويل هو شعره الذي قصه وحلقه، وكانت الأقاويل تذهب مذاهب شتى، هناك من قال إنه تم إطلاق النار عليه وهناك من ذهب حتى للزعم أن زوجته التي ارتبط بها حديثا هي التي أطلقت النار عليه. وبعد لمحة وجيزة عن الحالة الداخلية انتقل إلى الموضوع الرئيسي وهو قضية الصحراء الغربية وتنصل ملك المغرب من الاتفاقيات الثنائية التي كانت تقضي بأن يمنح للشعب الصحراوي حق تقرير المصير بكل حرية ليس فقط بحسب الاتفاقات الثنائية ثم الثلاثية مع موريتانيا وإنما تطبيقا للقرارات الدولية المتعلقة بتصفية الإستعمار، والصحراء الغربية هي آخر مستعمرة في إفريقيا، كما تحدث عن معاهدة إفران ولقاء تلمسان مع العاهل المغربي ثم وصل إلى قضية الصخيرات، حيث هاجم طلبة الكلية العسكرية الملكية من أكاديمية أحرمومو على قصر الصخيرات الذي كان ممتلئا عن الآخر بالمدعوين من المغاربة والأجانب سفراء ومدعوين من أوروبا والخليج للإحتفال بعيد ميلاد الملك. حدث ذلك سنة 1971 وقال ما معناه:» أنا كنت أتابع الوضع وشريط الهجوم لحظة بلحظة وكنت ربما من القلائل في العالم آنذاك الذين يعرفون مكان الملك، فأحيانا هو مختبئ في تلك الحجرة وأحيانا هو في ذلك الحمام وأحيانا هو في تلك الغرفة.. وكان الراحل العقيد معمر القذافي يقلقني ويطلب مني السماح للطائرات الليبية بالمرور عبر الأجواء الجزائرية لمناصرة الثوار وإزالة الحكم الملكي .. وكنت أرفض ذلك بشدة وأقول له لا ليبيا تتدخل ولا الجزائر كذلك فهذا أمر يعني الشعب المغربي وحده وهو شأن داخلي ومع ذلك واصل العقيد القذافي مكالماته ومحاولاته وواصلت أنا الرفض... وانتهت المحاولة الإنقلابية بعد يومين أو ثلاثة، حيث إستطاع الجنرال أوفقير وزير الداخلية أن يفك حصار الصخيرات ويلقي القبض على الجنرالات المتورطين والذين تمت محاكمتهم بعد ذلك وتم إعدامهم يوم 10 جويلية 1971، وكان ذلك اليوم يصادف عيد الأضحى المبارك. وبعد هذه الحادثة بسنة حدثت محاولة ثانية حيث هوجمت طائرة الملك الذي عاد للمغرب بعد زيارة لفرنسا، وبالفعل هاجمت طائرة عسكرية من طراز ف4 الطائرة الملكية وأصابتها لكن الطيار استطاع الهبوط بها بسلام، وبدأ كل العالم يتحدث عن «بركة» الحسن الثاني الذي نجا للمرة الثانية ونفس الشيء بدأ القذافي يكرر مثل الحادثة السابقة ونفس الرفض قوبل به من قبل الرئيس بومدين، وهذه المرة بقساوة حيث ذكر أنه قال للقذافي: يا معمر أنت تستحق العصا على رأسك». ثم استرسل بومدين في الحديث عن العلاقة الجزائرية المغربية التي تعود إلى أيام ثورة نوفمبر 1954 وعن علاقة حسن الجوار بين البلدين والشعبين وقال إن الجزائر لم تهاجم يوما المغرب ولا يعنيها نظامه السياسي، وذكر أن الملك المغربي هو نفسه الذي هاجم بلادنا بعد الاستقلال مباشرة وحاول أن يحتل جزءا من ترابنا الوطني الذي تم سقيه بالدماء وبأرواح ألاف الشهداء. وبالنسبة لقضية الصحراء الغربية قال إن المغرب لا يملك أي سند قانوني ولا تاريخي فيها.. وقبل أن أختم هذه العجالة أود أن أذكر أن عملية الطائرة كان المتورط فيها هو الجنرال أوفقير رجل الملك القوي الذي تم اغتياله بعد ذلك على يد نائبه العقيد الدليمي، كما قام الملك بالإنتقام من كل عائلته، وعلى رأسهم زوجته فاطمة أوفقير وأطفالها الذين سجنوا في معتقل تازمامارت السيئ السمعة بدون أكل ولا شرب ولا عناية صحية، وبقوا عشرين سنة رغم الإستنكار الدولي الشديد وجمعيات حقوق الإنسان. وقبل أن أختم هذه المحاولة وهي مجرد سرد من الذاكرة والذاكرة أحيانا تخون أود أن أذكر بما قاله الرئيس بومدين حول الأراضي المغربية ولست أدري إن كان قد صرح بذلك للحسن الثاني أم قاله لأول مرة خلال تلك الليلة وأود أن أشير أنه يجب علينا أخذ ذلك الموقف بحسب ظروف الستينات والسبعينات وهو سياسة الجزائر الخارجية المعادية لكل أشكال الإستعمار، قال: «كنا مستعدين لمساندة المغرب ومساعدته لإسترداد سبتة ومليلة لأنها أرض مغربية بدون منازع»، وبالنسبة للوضع على الحدود بين البلدين، قال الرئيس بومدين «بعد عملية الهجوم على أفراد الخدمة الوطنية الذين كانوا يحملون مساعدات إنسانية للاجئين الصحراويين اتخذنا إجراءات وكنا مضطرين لإستيراد بعض «لافيراي» هكذا كان يسمى السلاح، لأننا كنا نوجه كل مداخيلنا للتنمية». كما ذكر الرئيس بومدين أن المطالب المغربية في أراضي دول مجاورة كانت تعبر عن أطماع ليس لها سندا قانونيا أو تاريخيا، وقال إن ملك المغرب لم يعترف باستقلال موريتانيا حتى سنة 1968 بوساطة جزائرية إبان المؤتمر الثالث لمنظمة الوحدة الإفريقية الذي احتضنته بلادنا وأمام كل الرؤساء الحاضرين حيث توصل الطرفان إلى تبادل التمثيل الدبلوماسي. وبعد ذلك طُلب من الحضور إن كانت لديهم أسئلة وكانت كثيرة ومتنوعة وشاملة تتعلق بالوضع الإفريقي والعربي وقد تأتي مناسبة أخرى للتذكير بها، انتهى اللقاء الذي استغرق حوالي أربع ساعات أو يزيد بعد منتصف الليل. رجاء أخير في ختام هذه العجالة من الصديق محي الدين عميمور الذي أُدرك أنه يحتفظ بالكثير ليس فقط عن هذا اللقاء ولكن كل لقاءات الرئيس الراحل بومدين إن أطلع على هذه «الخربشة» أن يوضح ما كنت قد نسيته وهو كثير ويصحح بعض النقاط إن كنت أخطأت فيها.