وفي اجتماع عام حضره نخبة من أبناء تبسة ومثقّفيها اتفقوا أن يطلقوا عليه بالإجماع اسم (نادي الشّبّان المسلمين)، كما تم انتخاب مكتب مسيّر لهذا النادي، ضم: جويني محمد الأخضر (رئيس) مكي امحمّد (نائب الرئيس) رويقي مبروك (كاتب عام) بوصبيعة محمد الشريف (نائب الكاتب العام) لزغلي عبد الحميد (أمين المال) زمرلي مصطفى (نائب أمين المال) مسقالجي عبد الحفيظ (المفقد) أما الأعضاء المستشارون فكانوا: سلطاني عيسى، بوقصّة زين العابدين، كُش يونس، طقوق محمود، فاتح أحمد، فيما مُنِحت الرئاسة الشرفية إلى العلاّمة الشيح العربي التبسي، وإلى: دعاس حسين، بوذراع الصادق، حوّاس حوّاس، ميدة مصطفى، حسب البصائر (ع 67/ 14 ماي 1937) التي وثّقت مجريات هذه الجمعية العامة. وبعدها بسنة تقريبا وتحديدا بتاريخ 20 ماي 1938 انعقد اجتماع عام آخر لتجديد الهيئة القيادية للنادي، والتي تشكّلت بعد الانتخاب من: امحمّد المكي (رئيسا) مبروك رويقي (نائبه) عبد الحميد لزغلي (أمين المال) مصطفى زمرلي (نائبه) خالد إبراهيم (كاتب عام) يونس كُش (نائبه) مصطفاي عبد الباقي (مراقب) أعضاء مستشارون: أحمد نقريشي، عيسى سلطاني، الصديق قزوم، شريط التليلي، زين العابدين بوقصة، بوصبيعة محمد الشريف، كما نقل ذلك المراسل مصطفى زمرلي في جريدة البصائر (ع 117/ 10 جوان 1938). وبالرغم من النّشاط التربوي والثقافي والأدبي والديني والفني المتميز الذي قام به النادي في تلك الفترة، إلى جانب مساهمته الفعّالة في نشر الوعي السياسي والفكر التحرري، حتى أضحى من الفضاءات الرئيسة للشّبّان المصلحين والمثقفين، إلا أننا نجد القائمين على شؤونه وإدارته كثيري تجديد مكتبه، ممّا أثّر سلبا على نشاطه النضالي وأدائه الوطني، حيث عمدت مرة أخرى هيئته المسيرة وبعد حوالي عام من تجديد المكتب إلى عقد جمعية عامة لانتخاب مكتب جديد أرّخت له جريدة (البصائر) في عددها 176 الصادر 28 جويلية 1939، حيث انتخبوا مكتبا جديدا لتسيير النادي، احتوى على: امحمد المكي (رئيسا) لزغلي عبد الحميد (نائبه) مقراني الوردي (كاتب عام) السيد سنّي محمد (نائبه) بوقصه زين العابدين (أمين المال) حركات محمد (نائبه) نقريشي أحمد (مراقب عام) فيما شملت قائمة الأعضاء المستشارين نقلا عن البصائر (ع 176/ 28 جويلية 1939): مصطفاي عبد الباقي، عبد الملك الصغير، شريط التليلي، صخري مسعودي، علي معمر، شامخ إبراهيم. ويذكر الأستاذ الدكتور أحمد عيساوي في كتابه (أعلام الإصلاح الإسلامي في الجزائر، ج 2،. ص 221 222) أن نادي الشبان المسلمين بتبسة كان يضم نخبة من المثقفين والأدباء والشعراء والكُتّاب بتبسة، أمثال: الشيخ إبراهيم مزهودي، ومصطفى الزمرلي، ومحمد الشبوكي، والعيد مطروح، وعلي الساسي، وعيسى سلطاني وإبراهيم روابحية، ومحمد محفوظي، والشاذلي المكي، وحامد روابحية، والطيب قواسمية، ومحمد السّحيري. دون أن ننسى رئيس النادي الوطني الصميم امحمد الشاذلي أخ المناضل الرمز الشاذلي المكي، وقد تواصل نشاط النادي إلى غاية اندلاع ثورة نوفمبر 1954، حيث التحق الكثير من أعضاء النادي بها. وعاصر المفكر الكبير مالك بن نبي نادي الشُبّان المسلمين بتبسة وأثنى على نشاطه المتميز وعمله الدّؤوب في بثّ الأفكار الثورية والقيم النضالية، فوصفه في كتابه (مذكرات شاهد القرن، ص 185) بما يلي: " في المدينة أضحى النادي القلب الذي تنظم نبضاته جريان الأفكار وانتشارها. فالتبسّيون كانوا يجتمعون فيه في الظروف التي تهم الناس جميعا. وكان رجال القبائل اليحياوية واللموشية يتردّدون عليه أيضا حين يؤمّون سوق المدينة، وكانوا يحملون معهم الأفكار التي ينشرونها، ليبذروها في الدواوير خلال السهرات تحت الخيمة كما تنقل أسراب النّحل رحيق الأزهار حين تمتصها.." جمعيات إصلاحية أخرى بتبسة: كما تأسّست في تلك الفترة خلال ثلاثينيات القرن الماضي بتبسة عدّة جمعيات شبّانية ثقافية وتربوية ودينية ورياضية فاعلة، التي كانت إحدى روافد الحركة الوطنية والإصلاحية. وقد أرّخت للكثير منها جريدة (البصائر) لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.. وغيرها من الجرائد التي كانت تصدر في تلك الفترة، ووثّقت لبعض أنشطتها وفعّالياتها، ومن تلك الجمعيات: - الجمعية الدينية الإسلامية لمدينة الشريعة: التي تأسّست خلال عام 1937، وكان صاحب التغطية الصحفية لها بالبصائر (ع 77/ 30 جويلية 1937) المصلح الوردي بن عمارة. - الجمعية الدينية بالعوينات: التي تأسست في أواخر عام 1937، وقد انتخَب أعضاؤها مكتبا ضم: كنوش عمار (رئيسا). عوادي مسعود (نائبا له). دبّز محمد الصغير (كاتب عاماً). دزيري أحمد بن النّوري (نائبا له). حشاني محمد (أمينا للمال). عبد اللطيف محمد (نائبا له). عبد اللطيف عيسى (مراقبا أولا). قدادرة عبد الله (مراقبا ثانيا). ومن الأعضاء المستشارين: قيديش الخميسي، مومني عبد الله، يوسفي الربيعي، هَوّام علي بن الحسين، بودهانة عمار، آيت يوسف رابح، بن رحال رابح. وقد برع في التغطية الصحفية لحفل التأسيس عبر أسبوعية البصائر (ع 94/ 7 جانفي 1938) المصلح علي رحومة المعلم بالعوينات أنذاك، وقد كان لهذه الجمعية نشاط ديني وثقافي واجتماعي مشهود، معتمدة على ما تجود به جيوب المحسنين، فيما كان اجتماعها الأول بعد التأسيس الرسمي في الفاتح من جانفي 1938، بناء على ما ورد بجريدة البصائر (ع 99/ 11 فيفري 1938). جمعية الوتر الجزائري: من أوائل الجمعيات الفنّيّة والموسيقية التي تأسّست على المستوى الوطني جمعية الوتر الجزائري بمدينة تبسة، وهذا في نهاية عام 1937 بهدف إحياء الموسيقى الأصيلة وخدمة اللغة العربية والفن الإسلامي والتكوين في مجال المسرح والأناشيد والأغاني الوطنية، لا سيما التلاميذ والطلبة والكشّافين، وكان مقرّها بنادي الشبان المسلمين بمدينة تبسة. وقد حمل العدد 110 من جريدة (البصائر) الصادر بتاريخ 22 أفريل 1938، بتوقيع المصلح مصطفى زمرلي قائمة أعضاء مكتبها، الذي توزّع على: كُشْ يونس (رئيسا للجمعية) علي بن جدي (نائبا له) الهادي مُغْلي (كاتبا عاما) مصطفى زمرلي (نائبا له) أحمد نقريشي (أمينا للمال) عبد الكريم بن الطاهر (نائبا له) إلى جانب أعضاء مستشارين، وهم: حسين مخلوفي، عبد القادر بن مصباح، مزون كافي، علي جلول، محمد بن عمر، قدور سلماني. ويعود الفضل للمصلح مصطفى زمرلي في توثيق حفل هذا التأسيس من خلال عدد أسبوعية (البصائر) المشار إليه آنفا. جمعية دينية بمدينة يوكس الحمامات: استمر عطاء أبناء تبسة وإقليمها في تأسيس الجمعيات العاملة إلى قُبيل اندلاع ثورة نوفمبر 1954 بسنة واحدة، حيث ازدانت الساحة المحلية عام 1953 بتأسيس جمعية دينية بمدينة يوكس الحمامات أوردت جريدة (البصائر) في عددها (215/ 30 جانفي 1953) أعضاء مكتبها، والذي يتشكل من: إبراهيم مزهودي (رئيسا). إبراهيم بوقصّة (نائبا له). البشير بوقصّة (كاتبا عاما). العربي مزهودي (كاتبا ثانٍ). المولدي طاجين (أمينا للمال). الطاهر عبد الدايم (أمينا ثانٍ للمال). الأزهر جدواني (مراقبا أول). محمد بوقصّة (مراقبا ثان). تأسيس فوج الأمل للكشافة الإسلامية بتبسة 1939: الكشافة الإسلامية الجزائرية مدرسة تربوية وطنية كان لها الدور الأبرز في تكوين النشء وتأهيلهم، ليكونوا رجالا ضمن الصفوف الأولى في معركة التحرير التي قادها شباب آمنوا بعدالة قضيتهم الوطنية ضد المسخ الثقافي وتشويه الشخصية الوطنية وفرْض الفرْنَسَة والتنصير والتفقير وفي وجه الغطرسة والظلم والقتل والتشريد والتّهجير القسري الذي مارسه الفرنسي في بلادنا لمدة فاقت أل 130 سنة. ومعلوم أن الجمعيات الأولى لأفواج الكشافة الإسلامية الجزائرية بعد انسلاخ بعض أفرادها عن الأفواج الكشفية الفرنسية قد تأسست ما بين 1935 إلى 1940، بما فيها فوج الأمل للكشّافة الإسلامية لتبسة. فبعد تأسيس الشهيد محمد بوراس لفوج الفَلاَح للكشافة الإسلامية عام 1935 بالجزائر العاصمة، وقبله فوج ابن خلدون لمؤسِّسه الكشّاف الصادق الفول بمدينة مليانة (بولاية عين الدفلى حاليا) سرعان ما أخذت دائرة تأسيس الأفواج الكشفية تتسع ونشاطها يمتدّ عبر الوطن. وبالنسبة للكشافة الإسلامية بتبسة ومن خلال ما وصل إلى أيدينا من وثائق معتمدة وجرائد أرّخت للحركة الكشفية، على غرار جريدة (البصائر) تحديدا فإنّ أول فوج للكشافة الإسلامية رأى النور على مستوى تبسة هو فوج (الأمل)، الذي شُرع في تأسيسه عمليا في نهاية عام 1938، وقد وثّقت لنا جريدة البصائر ضمن عددها 151 الصادر بتاريخ 4 فيفري 1939 وبتوقيع المصلح مصطفى زمرلي أنه تأسّس رسميا يوم 15 ذي القعدة 1357 ه الذي وافق 06 جانفي 1939. وقد تكون هناك محاولات أخرى لتأسيس الكشافة الإسلامية بتبسة وبإقليمها قبل هذا التاريخ، لكنّها غير موثقة، وبالتالي يصعب اعتمادها، إذْ لا مكان للظن في التّأريخ، وحتى بعض الشهادات الحيّة لبعض قدماء الكشافة نجدها متضاربة، فلا تشترك في معلومة واحدة، وبالتالي فهي لا تُغْني شيئا في ميدان البحث التاريخي، رغم أنّه يمكن الاستئناس بها، وبمقابل ذلك يكون اعتماد المؤرّخ والباحث على الوثائق الرسمية التي أُنجزت في تلك الفترة، وكذلك المجلاّت والجرائد الصادرة في ذلك الزمن وواكبت ظهورها، فهي التي تؤرّخ للأحداث وتوثّق للوقائع. وقد كتبت البصائر في ذات العدد حول هذا التأسيس الرسمي: "لقد كان يوم الجمعة 15 ذي القعدة 1357 ه أول اجتماع لجمعية الكشافة، بعد أن وافقت الحكومة على قانونها الأساسي طبعا". وقبل انتخاب الرئيس وأعضاء مكتب الفوج ألقى الرئيس الذي هو إبراهيم خالدي خطابا "بيّن فيه أهمية الكشافة ودورها وواجبها وواجب أعضائها وما ينتج منها من الثّمار التي يقطفها المجتمع والآباء خصوصا" فوجد خطابه آذانا صاغية لدى الحاضرين، وتعاهدوا على النشاط الكشفي. وقد انبثق عن هذه الجمعية العامة انتخاب مكتب مسيّر لفوج الأمل ممثلا في: - إبراهيم خالدي (رئيسا). - محمد سنّي (نائبًا أولا). - محمود زمرلي (نائبًا ثانيا). - الهادي مُغْلي (كاتبًا عامًا). - محمود بوصبيعة (نائبًا له). - عامر لخضيري (أمينًأ للمال). - الصادق قصري (نائبًا له). محمد بوترعة (مراقبًا). - علي كافي (ممرّنًا). أما الأعضاء المستشارون فهم: محمد حركات، عبد المجيد حشيشي، أبو القاسم راشدي. وقبل هذا التاريخ كان شوق أهالي تبسة وأعيانها ومصلحيها وأبنائها إلى تأسيس أفواج الكشّافة الإسلامية عبر كامل تراب المنطقة وتطلّعهم إليها كبيرا، لتكون معينا للحركتين الإصلاحية والوطنية ولتسهم في نشر التربية الإسلامية والخِلاَل الكريمة في أوساط المجتمع، لا سيما فئة الشباب والأطفال، بعدما عمل الاحتلال الفرنسي طيلة عقود من الزمن على نشر الرذائل والانحلال الخلقي، ليصرف الشباب عن قضيتهم الوطنية المحورية. وقد عبّر عن ذلك مراسل (البصائر) آنذاك مصطفى زمرلي بقوله: "علم الله كم كان مبلغ سرورنا عندما تنبّأنا بالبصائر الغرّاء – مذياع الصدق وصوت الحق ولسان حال الجزائر المسلمة- بتسابق إخواننا المصلحين في تأسيس (جمعيات الكشّافة الإسلامية) على اختلاف أسمائها. ويزيدنا اغتباطا قيامهم بتلكم السّياحات في أنحاء القطر لاكتشاف خبايا الأرض والاطلاع على أسرارها وعلى ما خلفه الأولون الراحلون من آثار هي عبرة للاحقين. وكذلك الاحتفالات في عدة مناسبات، حيث يُظهرون ما بذله قُوادهم من المجهودات في تمرينهم ليمثّلوا دور الكشّاف أحسن تمثيل ويقوموا بواجبهم أحسن القيام. وليكونوا مظهر القوّة والجمال. وفعلا رأيناهم في أعظم احتفال أقيم بالجزائر لختم القرآن الكريم (بابي الجزائريين) يسيرون كالجند المنظّم وينشدون أغنية الكشّاف التي مطلعها: كَشّافُ هيّا طلْقَ المُحَيَّا ** أَدِّ إلى الهُدَى رسالةَ الفدَى ولا شك أن هذه الزيارة التي قام بها بعض من أبناء تبسة ومصلحيها، وحضورهم هذه المسيرة الكشفية بعاصمة القطر الجزائري، قد ألهبت مشاعرهم وشحنت عزائمهم ودفعت فيهم الرّغبة لتأسيس الكشافة الإسلامية بمدينتهم وبمحيطها، وهذا الذي تجسّد فعلا في الميدان. وفي ذات الوقت يتأسّف المراسل المصلح مصطفى زمرلي لتأخّر وصول الكشافة الإسلامية إلى تبسة، ويتحسّر عن عدم تأسيس أفواج كشفية بها لتكون في مصاف الأفواج الأخرى العاملة عبر الوطن، وفي ذلك يقول: "وبقدر سرورنا واغتباطنا لإخواننا كان تأسّفنا وحسرتنا على تأخّرنا نحن مصلحي تبسة على القيام بهذا الواجب وتأسيس (جمعية الكشّافة الإسلامية) التي لا تقل أهميّة عن بقية المشاريع. بيد أن الفكرة كانت حديث الجماعات والمجتمعات منذ سنة ونصف، إلا أنّها لم تبرز إلى الوجود حتى هذه الأيام كان فعلا تأسيسها تحت اسم (كَشّافة الأمل)" إلا أن هذا الفوج الكشفي الذي كان الشيخ العربي التبسي أبا روحيا له لم ينطلق من فراغ بل كان تتويجا لمؤسسات أخرى وإنجازات في إطار نشاط الحركة الإصلاحية التي عرفتها تبسة خلال ثلاثينيات القرن الماضي؛ من خلال تأسيس مدرسة تهذيب البنين والبنات ونادي الشبان المسلمين وبعض الجمعيات، وفي ذات الإطار يضيف المراسل: "فبحمد الله وإرادة الشباب تم ما كان ينقص تبسّتنا من المشاريع الإصلاحية، فبعد مدرسة تهذيب البنين جاء نادي الشُّبّان المسلمين، ثم جمعية الموسيقى (الوتر الجزائري) ثم كشّافة الأمل، فما بقي إخواني إلا العمل وأي عمل للقيام بأربعة مشاريع" ولذلك فقد عنون المراسل مصطفى زمرلي مقاله ب (هيّا بنا إلى العمل.. كشّافة الأمل). إلا أن الملفت للانتباه في هذه التغطية الصحفية التي أرّخت لميلاد أول فوج كشفي بتبسة بيوم 6 جانفي 1939 أن صاحبها تنبّأ لفتيان وأشبال وجوّالة فوج الأمل بأنه سيكون لهم شأن عظيم، وسيصبحون في طليعة الأمة، بل هم من ينقذها ويقودها إلى التّقدم، واصفا تحيته لهم ب (الجندية)، إيحاء منه إلى كشّافي فوج الأمل للاستعداد لليوم الأغر ليكونوا في طليعة الجنود وفي مقدّمة محرّري البلاد، وهذا في قوله: "وأختم كلمتي بتوجيه نداء إلى كل جمعيات الكشافة الإسلامية الجزائرية وفي مقدّمتهم جمعيتنا الفتيّة أن يعتنوا كل الاعتناء بهاته النّشأة (أصلها الناشئة) التي صلاحها بأيديهم، والذين هم تحفة اليوم ورجال الغد القريب، وسيكونون في يوم ما قادة الأمة وبأيديهم زمام هاته البلاد ومستقبلها.." ثم يختم مقاله ب: "تحيتي الجندية إلى الكشافة الإسلامية" ولفظ الجندية هنا يحمل أكثر من دلالة في الجزائرالمحتلة آنذاك. وفعلا تحقّقت نبوّته واستشرافه المستقبلي، حيث كان الكثير من شهداء الجزائر وشهداء ولاية تبسة ومجاهديها قد انتموا وتربّوا ونشأوا في أحضان الكشافة الإسلامية، ثم أضحوا في طليعة قادة ورموز ثورة نوفمبر 1954 المجيدة، بعدما قاموا بحلّ فوجهم من تلقاء أنفسهم ولبوا نداء الواجب الوطني. وقبل ذلك كان لفوج الأمل للكشّافة الإسلامية دور طلائعي في التحضير وتأطير مظاهرات 8 ماي 1945 بمدينة تبسة وتنظيم صفوفها التي جابت الشوارع الرئيسة للمدينة، كما اعتقل الكثير منهم عقب المظاهرات. مالك بن نبي ممثلا لتبسة في فيدرالية الكشافة 1948: خلال عام 1948 تم تأسيس فيدرالية شبيبة كشافة المسلمين الجزائريين بالجزائر العاصمة (BSMA)، برئاسة الكشّاف الكبير الطاهر التّجيني. واستنادا إلى الدكتور بوعمران الشيخ والأستاذ محمد جيجلي في كتابهما (الكشّافة الإسلامية الجزائرية 1935 1955، ص 91) فإنّ المفكّر الكبير الأستاذ مالك بن نبي كان ممثّلا لتبسّة في مجلس إدارة هذه الفيدرالية الذي توزع كالآتي: الرئيس: الطاهر التجيني الجزائر. نائب الرئيس: محمد جيجلي قسنطينة. الكاتب العام: أبوعمران الشيخ الجزائر. نائب الكاتب العام: الصادق الغول مليانة. أمين المال : يوسف قصد علي مليانة. المساعدون: مصطفى علون سوق اهراس. بن محمود محمود سطيف. أحمد بن مشطة برج منايل. مالك بن نبي تبسة. الأخضر دومي سطيف. بن علي قاضي فرندة. عبد القادر ميموني الجزائر. محمد مراوي بسكرة. محمد تكفة مليانة. انعدام جريدة بتبسة! بالرغم من ازدهار نشاط الحركة الوطنية والإصلاحية وتنوّع أذرعها وتعدّد أنشطتها وما صاحبها من نهضة ثقافية وتربوية وكشفية عاشتها تبسة في تلك الفترة، إلا أنّنا لم نسجّل بها أيّة محاولة لإصدار جريدة أسبوعية أو حتى شهرية ذات بُعْد وطني، سواء باللغة العربية أو باللغة الفرنسية، تكون لسان حال أبنائها وتعبّر عن آلامهم وآمالهم، على غرار عديد المدن والحواضر الجزائرية التي كانت سبّاقة لإصدار كم هائل من الصحف والمجلات الوطنية التي كانت إحدى روافد الحركة الوطنية والإصلاحية، كمدن: العاصمة، قسنطينة، وهران، بسكرة، عنابة، سطيف، البليدة... بالرغم من العراقيل التي كانت تضعها إدارة الاحتلال الفرنسي في وجه هذه المنابر الوطنية وضد أصحابها من الوطنيين فقد ظلّت صامدة ردحا من الزمن. ابن باديس يدعو الجزائريين أن يحذوا حذو أبناء تبسة: أعود إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي ساءه الوضع الإصلاحي والتربوي الذي كانت عليه تبسة عام 1929، خلال رحلته إليها كما أشرنا إلى ذلك آنفا لكنه لمّا عاد إليها بعد ما يقرب من 10 سنوات، وتحديدا عام 1937 فوجئ بنهضة إصلاحية وبحركة علمية دؤوبة وبعمل دائم، فغيّر رائد النهضة الجزائرية رأيه في تبسة وفي مصلحيها، بل طلب من الجزائريين جميعا أن يحذوا حذو هذه المدينة ويهتدوا بعمل مصلحيها ونشاط شبابها، وهذا الذي نَشَره بالبصائر (ع 55/ 12 فيفري 1937) في قوله: "ونشهد شهادة العالِم بما يشهد، المنصف فيما يؤدّي أو أنّ التبسّيين هم المثال الذي يجب على الجزائريين أن يحتذوه في بُعد الهِمّة والسّبق إلى الصالحات والإقدام على العظائم.. إلى أن يقول: فحيَّ الله شباب تبسة وسدّد خطاه". الحلقة الثانية والأخيرة