ثلاث سنوات مرّت على افتتاح المعبر الحدودي مصطفى بن بولعيد الرابط بين الجزائر وجمهورية موريتانيا، هذا المعبر الذي عزّز من قوة العلاقات البينية بين البلدين في شقها الاقتصادي والديبلوماسي والثقافي، شكّل قيمة مضافة في تثمين وتقوية العلاقات ورجوعها بالفائدة على شعبي البلدين. أحدث افتتاح المعبر الحدودي البري بين الجزائروموريتانيا حركية اقتصادية من كلا الجانبين، وتدفّق واسع للسلع الجزائرية باتجاه موريتانيا عكست مدى اهتمام البلدين بالتجارة البينية بينهما رغم غياب طريق معبدة بين مدينتي تندوف والزويرات. إن الشروع في بناء المعابر الحدودية بشكلها الرسمي وافتتاح المعبر الحدودي البري قبل ثلاث سنوات،والتفكير في إعادة موسم المقار باعتباره علامة تجارية مميزة لولاية تندوف، كلها مؤشرات تؤكد نية في تنمية المنطقة وجعلها قطباً اقتصادياً وتجارياً مفتوحاً على دول غرب افريقيا. ولاية تندوف باتت اليوم قاب قوسين أو أدنى من نهضة اقتصادية حقيقية وطفرة تنموية ستضع الولاية في أجندة محادثات التجارة الخارجية الجزائرية مع افريقيا، فكل الظروف مهيّأة لتصبح ولاية تندوف عاصمة اقتصادية لدول غرب افريقيا عبر موسمها التجاري المقار، ليبقى غياب طريق معبدة بين مدينة تندوف ومدينة الزويرات الموريتانية على مسافة 800 كلم عائقاً أمام تحقيق هذه الرؤية، وحاجزاً أمام تدفق المزيد من السلع والبضائع الجزائرية باتجاه موريتانيا، ومصدر تخوف من طرف المصدرين الجزائريين الراغبين في ولوج الأسواق الإفريقية. المعبر الحدودي ومنذ افتتاحه بتاريخ 18 أوت 2018، شكّل أداةً للتنمية وتنشيط المنطقة الحدودية لكلا البلدين، من خلال تسهيل تنقل الأشخاص وتكثيف التبادلات التجارية بين الجزائروموريتانيا، ووسيلة هامة لترسيخ الروابط الاجتماعية والثقافية وجسر تجاري استراتيجي يعود بالمنفعة المتبادلة إلى كل دول غرب إفريقيا التي تعتبر من الأهداف الإستراتيجية للترويج للمنتوج الجزائري. ترتبط ولاية تندوف بالجارة موريتانيا بعلاقات تاريخية، ثقافية وتجارية عريقة، باعتبار تندوف حاضرة من حواضر إقليم بني حسّان الذي يمتد ليشمل موريتانيا، الصحراء الغربية، شمال مالي والنيجر وجنوب المغرب وأجزاء من جنوبالجزائر، بالإضافة الى وشائج قربى وعلاقات اجتماعية تربط بين سكان هذه المناطق مجتمعةً، شكّلت لبنة لتأسيس مجتمع بني حسّان. ولاية تندوف ولأهميتها الجغرافية والإستراتيجية، شكّلت نواة هذا المجتمع ومحج للتجار والعلماء عابري الصحراء الكبرى، فكانت مقصداً للتجار من دول المنطقة ولموسمها التجاري السنوي «المقار» الذي توقف تنظيمه سنة 1975 غداة اجتياح المغرب لأراضي الصحراء الغربية، وما تبع هذه الخطوة من هزات ارتدادية ألقت بظلالها على دول المنطقة. موعد مع التنمية افتتاح المعبر الحدودي مصطفى بن بولعيد جعل الولاية حاضرة في نقاشات المستثمرين، وفتح للمنطقة مجالات واسعة في المبادلات التجارية والتحصيل الجبائي الذي يرجع بالفائدة على ميزانية الولاية المحلية، كما ارتفعت عائدات العملة الصعبة منذ افتتاحه يوم 18 أوت 2018 لتبلغ 06 مليون أورو، كما سمح المعبر الحدودي للإخوة في موريتانيا بالتعرّف على جودة المنتوج الجزائري وتنافسيته من خلال النوعية والسعر، حيث ساهم في تنظيم معرض تجاري في العاصمة الموريتانية نواكشوط سنة 2019، وهو أكبر معرض تجاري تقيمه الجزائر خارج حدودها على مساحة تمتد ل05 آلاف متر. تشير الأرقام والإحصائيات أن حركة السلع الجزائرية باتجاه موريتانيا مستمرة رغم بعض العراقيل، ومن المتوقّع أن ترتفع وتيرة التصدير أكثر في حال تم إنجاز وتعبيد الطريق الرابط بين مدينة تندوف والزويرات في شقها الموريتاني، كما أن فاتورة التصدير من الجزائر إلى دول غرب إفريقيا عبر موريتانيا قد ارتفعت بشكل كبير بفضل المعبر الحدودي مصطفى بن بولعيد، ناهيك عن تقليص المدة الزمنية اللازمة لوصول المنتجات الجزائرية من أقصى نقطة في الشرق الجزائري إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط من شهر في بعض الرحلات إلى 10 أيام حالياً كأقصى تقدير. افتتاح المعبر الحدودي الرابط بين الجزائروموريتانيا، جعل السلطات المحلية والوطنية تفكر في إنشاء منطقة نشاطات ومنطقة تبادل حرة بولاية تندوف، كما عجّل في إنشاء غرف تبريد بسعة 05 آلاف متر مكعب الأكبر على مستوى الولاية استعداداً لاستقبال المواد الغذائية الموجهة للتصدير. وعلى مساحة إجمالية مقدرة ب30 هكتار، سيتم إنشاء منطقة تبادل تجاري حرّ بالقرب من المعبر الحدودي مصطفى بن بولعيد الذي يدخل في إطار تطبيق اتفاقية الاتحاد الإفريقي، الخاصة بمناطق التبادل التجاري الحر. إنشاء منطقة تبادل تجاري حر بولاية تندوف، سيحول المنطقة الى قطب اقتصادي وتجاري بامتياز، وسيساهم في جلب كبار المستثمرين الى المنطقة، لتتحوّل ولاية تندوف بذلك إلى وجهة تجارية ومنطقة عبور كل التجارة الخارجية الجزائرية المتجهة إلى دول غرب إفريقيا. هذه الخطوة الاقتصادية المهمة، ساهمت في إحداث حركية في سوق العقار بالولاية، فالعديد من المستثمرين والمصدّرين باتوا يبحثون عن موطئ قدم بولاية تندوف لتسهيل نشاطاتهم التجارية باتجاه موريتانيا، كما ساهم افتتاح المعبر الحدودي في ظهور بعض النشاطات المهنية التي لم تكن معروفة لدى شباب المنطقة ودفعهم إلى التكوين واكتساب المزيد من المهارات في التصدير والتخزين والتصريح الجمركي. ترسيم النوايا الصادقة كشف أحمد باب العياش رئيس المجلس الشعبي الولائي لولاية تندوف عن الغلاف المالي المخصّص لإنشاء المركزين الحدوديين مصطفى بن بولعيد وحاسي 75 من طرف مؤسسة وطنية عمومية. دعا محيوت يوسف والي تندوف الى العمل على تقليص مدة إنجاز المعبرين الحدوديين الثابتين الرابطين بين الجزائروموريتانيا من 24 شهراً إلى سنة واحدة بغلاف مالي ناهز 350 مليار سنتيم، هذه الخطوة هي رسالة واضحة الى الإخوة في موريتانيا من الجانب الجزائري، مفادها أن الجزائر على استعداد لترسيم المعبر الحدودي البري كشريان اقتصادي يربط البلدين ويرجع بالفائدة على الطرفين، ويفتح آفاقاً واسعة أمام المستثمرين الجزائريين للولوج إلى الأسواق الإفريقية التي تتطلّع لمنتجات الجزائرية. إنجاز المركز الحدودي الجزائري مصطفى بن بولعيد والموريتاني حاسي 75 بشكلهما الرسمي والنهائي، سيعزز ثقة المستثمرين الجزائريين ويزيل عامل الشكّ الذي خيّم على بعضهم، و يقطع الطريق أمام المشككين في مقدرة الجزائر على غزو الأسواق الإفريقية من بوابة ولاية تندوف، وفي عدم مقدرة السلع الجزائرية على المنافسة خارج حدود الوطن. ترسيم المركزين الحدوديين، يضع ولاية تندوف في واجهة التجارة الخارجية نحو افريقيا الغربية، ويساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية للمنطقة بعدما ضلّت ولعقود من الزمن آخر منطقة في الجنوب الغربي من الوطن.
بوابة على إفريقيا الغربية كشفت الأرقام والإحصائيات المقدمة من طرف مديرية التجارة لولاية تندوف عن حجم التبادلات التجارية المعتبرة التي تمّت بين البلدين خلال السنوات الثلاث الماضية عبر المعبر الحدودي مصطفى بن بولعيد. وعكست الأرقام تنامي متزايد لنشاط المعبر الحدودي البري الرابط بين الجزائروموريتانيا، فقد شهدت سنة 2019 ارتفاعاً ملحوظاً في عمليات التصدير إلى موريتانيا إلى 176 عملية تصدير نهائي و06 عمليات إعادة تصدير بوزن إجمالي للسلع بلغ 5044 طن بقيمة مالية بلغت 2.3 مليون أورو، مقارنةً ب49 عملية تصدير منها 39 عملية تصدير مؤقتة بوزن إجمالي بلغ 270 طن بقيمة 1.6 مليون أورو. في مقابل ذلك، سجّلت مصالح الجمارك بتندوف دخول 2040 شخص إلى التراب الوطني خلال سنة 2019، منهم 709 من جنسية جزائرية والبقية موزعين على جنسيات من موريتانيا، مالي، إسبانيا، المغرب، تونس، الصحراء الغربية، ليبيا وفلسطين، مقارنة ب289 شخص فقط دخلوا الجزائر خلال سنة 2018، كما ارتفع عدد الأشخاص الذين اجتازوا المعبر الحدودي البري باتجاه موريتانيا خلال سنة 2019 إلى 1845 شخص مقارنة ب277 مسافر خلال سنة 2018. أثرت جائحة كورونا سنة 2020 على التجارة الخارجية الجزائرية عبر المعبر الحدودي البري مصطفى بن بولعيد، فقد شهدت هذه السنة تراجعاً واضحاً في حجم الصادرات باتجاه موريتانيا لتسجل انخفاضاً في عمليات التصدير النهائي من 176 عملية خلال سنة 2019 إلى 53 عملية تصدير نهائي سنة 2020 مُحصّلةً من العملة الصعبة حوالي 388 ألف أورو كقيمة للبضائع التي تمّ تصديرها. جملة التدابير والتسهيلات التي اتخذتها السلطات لمجابهة الوباء والتقليص من انعكاساته الاقتصادية خاصةً ما تعلّق منها بالتجارة الخارجية، أرجعت للمستثمرين الثقة وانتعشت حركة التصدير نحو الجارة موريتانيا خلال السداسي الأول من سنة 2021. شهد السداسي الأول من السنة الجارية تسجيل 238 عملية تصدير باتجاه الأسواق الموريتانية، وهي عمليات فاقت في مجموعها ما تمّ تسجيله من عمليات تصدير مجتمعة منذ افتتاح المعبر شهر أوت 2018، الى غاية أواخر ديسمبر 2020. حصة الأسد من عمليات التصدير خلال السداسي الأول من نفس السنة كانت خلال شهر أفريل المنصرم، فقد سُجلت 74 عملية تصدير نهائي خلال شهر أفريل لوحده بقيمة مالية من العملة الصعبة تجاوزت نصف مليون أورو، لتتجاوز بذلك ما تمّ تحقيقه من مداخيل خلال سنة 2020 كاملة. سنة 2021 كانت سنة انتعاش اقتصادي للمنطقة وللمعبر الحدودي الذي سجل 238 عملية تصدير نهائي بعائدات مالية من العملة الصعبة فاقت 02 مليون أورو خلال ستة أشهر فقط. تشير التوقعات إلى إمكانية ارتفاع عدد عمليات التصدير النهائي عبر المعبر الحدودي مصطفى بن بولعيد بتندوف، وتعزّز هذه التوقعات بتنامي الطلب على المنتجات الجزائرية في الأسواق الموريتانية. ومؤشرات تجعل من المعبر الحدودي مصطفى بن بولعيد والمنتجات الجزائرية محط أنظار المستثمرين الموريتانيين، وفرصة لإنعاش الأسواق المحلية في موريتانيا من خلال عقد اتفاقيات شراكة وتعاون بين المتعاملين الاقتصاديين الموريتانيين ونظرائهم الجزائريين بما يعود بالفائدة على شعبي البلدين، خاصة سكان المناطق الحدودية. تخوّف بالرغم من التطمينات على عكس ما يشهده المعبر الحدودي البري بين الجزائروموريتانيا من تسارع في وتيرة تصدير المنتجات الجزائرية، لا تزال عمليات الاستيراد ضعيفة بالرغم من النقائص المسجلة في السوق المحلية لولاية تندوف، خاصةً ما تعلق منها بالمنتجات البحرية التي مصدرها الأسواق الموريتانية. بُعد الولاية عن مراكز التموين بالمنتجات البحرية الوطنية وتجاوزها لحدود القدرة الشرائية للكثير من المواطنين، دفع ببعض المستثمرين إلى التفكير في جلب أسماك المحيط الأطلسي إلى موائد مواطني الولاية، وهي الأسماك التي تحظى بإقبال كبير لتنوعها ووفرتها في السوق الموريتانية، ولأسعارها المنخفضة جداً مقارنةً بمثيلتها في مدن الشمال. عمليات الاستيراد من موريتانيا التي تهدف إلى إنعاش الحركية التجارية في المنطقة وتعويض النقص الحاصل في المنتجات البحرية بالولاية، لا تخلو من صعوبات جمّة، فالطريق البالغ طولها 1600 كلم من نواذيبو إلى تندوف، منها 800 كلم مسالك ترابية، لم تثني من عزيمة المستثمرين الذين تحملوا صعوبة التضاريس وتقلبات المناخ وإمكانية تعرض السلع للتلف من أجل فكّ العزلة عن المنطقة وتوفير حاجيات سكانها من أسماك المحيط الأطلسي. غير أن شهادة «الرخصة الصحية لاستيراد الحيوانات والمنتوجات الحيوانية أو ذات مصدر حيواني» التي تصدر عن المديرية العامة للمصالح البيطرية تشكل أكبر مخاوف المستثمرين. فهذه الوثيقة المحدّدة المدة والوزن المسموح باستيراده، تصدر من الجزائر العاصمة ويتم تجديدها كل 06 أشهر على مستوى المديرية العامة للمصالح البيطرية التابعة لوزارة الفلاحة، وعدم استيفائها للمعايير القانونية يضع المستورد تحت طائلة العقوبات وحجز السلع وغرامة مالية تصل إلى 400 ألف دينار. طالب بعض المستوردين بضرورة إيجاد حلول موضوعية للإشكالات القانونية المتعلقة بهذه الوثيقة، ومنح تفويض خاص لمديرية المصالح الفلاحية لولاية تندوف والمصالح البيطرية التابعة لها إقليمياً من أجل استصدار هذه الوثيقة وتجديدها محلياً. تنقّل المستوردين من تندوف الى الجزائر العاصمة من أجل استلام رخصة استيراد من طرف المصالح المختصة وتجديدها كل 06 أشهر على مستوى نفس الهيئة، شكّل عائقاً كبيراً لعمليات الاستيراد التي بلغت إلى حدّ الساعة ثلاث عمليات فقط منذ افتتاح المعبر شهر أوت من سنة 2018، وهو ما يرهن واقع تنمية المنطقة وربطها بأسواق الدول المجاورة. (عن مجلة التنمية المحلية)