تستهدف الندوة الوطنية حول الإنعاش الاقتصادي، إرساء رؤية استراتيجية عن الصناعة وما يدور حولها من نشاطات قد تتحول إلى حشود من الفاعلين المنتجين للثروة والقيمة المضافة. فتحت الندوة الوطنية حول الإنعاش الصناعي أبواب حوار كبير بين المؤسسات الصناعية وشركائها في قطاعات قريبة من الصناعة أو لها علاقة بها بشكل أو آخر، مثل الفلاحة والمحروقات والتجارة والمالية والابتكار والبحث العلمي وغيره من المجالات التي قد تقترب أكثر فاكثر من الفواعل الصناعية في مراحل لاحقة. آليات الإنعاش الاقتصادي، التي نوقشت في الندوة الوطنية قرّبت حاملي المشاريع من المؤسسات الصناعية وأوجدت أواصر تلاقي بينهما للاستفادة من تجارب هؤلاء وأولئك، من خلال ورشات مكيفة بشكل يوحي ان منظميها قصدوا "حوارا خاصا" بين مكونات المشهد الصناعي والابتكاري، وعليه جرى الاتفاق على: دعم المؤسسات وترقية الإنتاج الوطني، وخصوصا ما يتأتي منه في باب الصادرات، ثم تحسين بيئة الاستثمار وتوفير العقار، كشرط أساسي لانجاح الفكرة والمبادرة، ومنه حوكمة المؤسسات العمومية الاقتصادية ودور الدولة كمساهم في العملية برمتها، وأخيرا بلوغ الادماج المنشود، مع تنويع وتطوير كل ما له علاقة بالتنافسية التجارية والاقتصادية. خمس خطوات... تظهر الدراسات الاستقصائية التي أجريت بشأن المشاريع المُوطّنة في المناطق الصناعية، ان جزءا لا يستهان به من العقارات الصناعية التابعة لأملاك الدولة، مخصصة للاستثمار في اطار عقود الامتياز، لكنها غير مستغلة، والأدهى انه يتم تحويلها الى أغراض أخرى، مثلما تؤكد وثيقة وزعت على الصحافيين في الندوة الوطنية حول الإنعاش الصناعي. وتقترح الدولة حلا مباشرا لمعضلة العقار تنفذه من خلال خمس خطوات هي: أولا، مراجعة الأطر القانونية والتنظيمية المتعلقة بالعقار الصناعي. ثانيا، انشاء هيئة وطنية وحيدة تتكفل بتنظيم العقار الصناعي. ثالثا، اطلاق برنامج انشاء 50 منطقة صناعية على الأراضي الخاصة بأملاك الدولة، التي ستسلم الحصص الأولى منها قريبا. رابعا، إجراءات قانونية تسمح بإنشاء واستغلال المناطق الصناعية من متعاملين اقتصاديين خواص على أراض غير فلاحية. خامسا، إحصاء العقار الصناعي للشركات العمومية المحلة بهدف إعادة توزيعها على المشاريع الاستثمارية الجديدة. طرق التمويل حتى الآن، ترتبط المشاريع التي يجري أصحابها خلف التمويل أو يسعون للحصول عليه، بحالتين، أولهما مشاريع تحتاج عقارات صناعية، وثانيهما مشاريع حاصلة على عقار صناعي. معضلة التمويل التي درستها الندوة الوطنية حول الإنعاش الصناعي ركزت على ثلاثة طرق في التمويل هي: التمويل المباشر من البنوك، وهو تمويل تقليدي معروف. التمويل من البورصة وهو تمويل غير مباشر، والتمويل من خارج البورصة. والتمويلات الثلاثة تبقى متاحة لمؤسسات كبرى وغير متاحة لأصحاب المشاريع من فئة الحاضنات، على الأقل في صيغتي التمويل من البورصة والتمويل من خارج البورصة. دور البنوك تطرح البنوك نفسها، في هذه الدائرة، بديلا رئيسيا للاستثمار المنتج، من النفقات المادية الى النفقات غير المادية (تأهيل، بحث، ابتكار)، ويطرح بشأن هذه النقطة سؤال حول من قادر على "تقييم التمويل المولد للثروة"، أي البحث عن مؤشر اقتصادي في هذا الاتجاه، في غياب رقمنة كفيلة بتقييم وزن الاستثمار المنتج في التمويلات المقدمة من البنوك. ..و البورصة تكاد تكون بورصة الجزائر غائبة تماما عن تمويل الاستثمار، في تنظيمها الحالي، مع انها قادرة على تمويل استثمارات إنتاجية، ولو من خلال الزيادة في رأسمال المؤسسات المسجلة لديها، سندات تصدرها هيئات استثمار جماعي لتمويل الاستثمارات المنتجة، بمبادرة من وسطاء البورصة، او سندات تصدرها المؤسسات المسجلة في البورصة، او الدولة لتمويل المشاريع المبرمجة. ويطرح التمويل المباشر من خارج البورصة تساؤلا عن وجود قنوات تمويل مباشرة أخرى، والمقصود هنا هو التمويل عن طريق الاقتراض من الجهات المانحة المشاركة او غير المشاركة في عوائد الاستثمار. مؤثرات جانبية تناولت الندوة الوطنية حول الإنعاش الصناعي عوامل أخرى مؤثرة على الاستثمار، في مناخ أعمال، لا ينبغي له ان يبقى محكوما بآليات تقليدية تمنعه من الظهور بفعالية أكبر من مجرد كلمات مدبجة في سياسة عامة مطلعها "مناخ الأعمال".. الأسئلة المطروحة في هذا الجانب تبدأ من الإجراءات التي ينبغي اتخاذها، في إطار إعادة إطلاق الاستثمار، من خلال نظرة مشتركة وتأطير مؤسساتي مستقر وجذاب، وهي نظرة وترتيب يحتاج ان يكون مرافقا من المستثمرين، عن طريق خدمات عمومية حيادية وسريعة وفعالة، مع وفرة في العقار الصناعي، وسلسلة إمداد مكيفة وفعالة متى طلبها طرف من اطراف المعادلة الصناعية، وموارد تمويل مباشر وغير مباشر، فضلا عن دعم من نظام معلومات وقدرات خبراتية مؤهلة، وكل هذا وسط ثقافة مقاولاتية مشجعة على مزيد من التفاعل والإنتاج والمشاركة في صناعة المستقبل. لعنة الهيكلة يظهر تحليل الهيكل التنظيمي وظروف العمل في القطاع العمومي، التجاري والصناعي بالخصوص، وجود نقص ظاهر في اعتماد معظم المؤسسات الاقتصادية العمومية على أنفسها، ذلك انها عاجزة عن المنافسة من حيث تكاليف المنتوج وجودته، وهو ما أوصلها الى تموقع ضعيف جدا في السوق المحلية، ومنه تشكل عبئا كبيرا على الخزينة العمومية. إعادة هيكلة القطاع العمومي في العشرين سنة الماضية، انتج شركات مساهمات في 2001، ألحقت بالوزارات في 2008، ثم جرى تحويلها الى مجمعات في 2015، لكن دون إيلاء اهتمام كبير ب«استراتيجية المؤسسة وتسييرها"، وطبيعة العلاقة مع ممثلي "الدولة المساهمة"..