لا يختلف اثنان على أن التعديل الدستوري هو أهم حدث سياسي عرفته البلاد خلال سنة ,2008 بحيث ظل هذا الموضوع في صدارة الأحداث والمحطات السياسية رغم كثرتها وتنوعها، واستقطب القسط الأكبر من الاهتمام السياسي والإعلامي كونه متعلق بأسمى وثيقة قانونية في الهرم المؤسساتي للدولة وتزيد أهميته من خلال الأحكام الجديدة الواردة فيه والتي تؤسس لمرحلة جديدة وترسم صورة أخرى عن جزائر ما بعد عشرية الأزمة. التعديل الدستوري الشجرة التي غطت غابة الأحداث السياسية وطوال سنة 2008 كان موضوع التعديل الدستوري في صلب الخطاب السياسي والإعلامي بحيث شكل مادة دسمة لخطابات الساسة، ولبيانات الأحزاب الكبيرة منها والصغيرة المؤيدة منها والمتحفظة، كما طغى هذا الموضوع على الساحة الإعلامية تبعا لذلك وتصدر لشهور الصفحات الأولى لمختلف العناوين الصحفية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها، وهذا بالرغم من كونه ليس وليد سنة 2008 فهو يعود إلى سنة 1999 تاريخ تسلم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مقاليد الحكم، ومنذ ذلك الحين ظل هذا الأخير يبدي امتعاضه الصريح من التداخل الكبير في الصلاحيات بين مؤسسات الدولة الموجود في دستور ,1996 وبأنه يجد نفسه عاجزا عن ممارسة صلاحياته الدستورية كرئيس للدولة. وظل الموضوع يشهد مخاضا في الساحة كلما اقترب موعد سياسي أو انتخابي أو حتى عيد وطني، وهذا إلى غاية 4 جويلية ,2006 أين تم الإفصاح بشكل رسمي وصريح عن نية تعديل الدستور من قبل الرئيس بوتفليقة فكانت سنة 2006 سنة إبداء النية وسنة 2008 سنة التجسيد وتعديل الدستور، وستسجل كذلك على غرار سنوات 1976 و1989 و1996 . في 29 أكتوبر الماضي قرر الرئيس بوتفليقة وضع حد للجدل والانتظار وللغة ضرب الأخماس في الأسداس، ولكل أساليب التكهن السياسي، وكشف رسميا للرأي العام خلال افتتاح السنة القضائية بالمحكمة العليا عن الملامح الكبرى لهذا التعديل، الذي أراده في النهاية جزئيا وعبر غرفتي البرلمان، على أن يتبع بتعديل آخر أعمق وأوسع عبر استفتاء شعبي. ومس التعديل المقترح 5 مواد من دستور ,1996 رأى بوتفليقة أنه من الواجب تحيينها بما يتلاءم وظروف المرحلة، وتركزت بشكل عام في ثلاثة محاور رئيسية، وهي حماية التاريخ ورموز الثورة، وترقية الدور السياسي للمرآة من خلال استحداث نص دستوري خاص تمثل في المادة 31 مكرر، وأخيرا فتح العهدات الدستورية وترك أمرها للصندوق. وفي فحواها العام فقد كانت المعالم الأولى للنظام الرئاسي واضحة وجلية خصوصا في تنظيم اختصاصات السلطة التنفيذية، وحذف لأول مرة مصطلح رئيس الحكومة من الأدبيات الرسمية للدولة الجزائرية منذ ,1989 وكان هذا التعديل فرصة للعودة إلى تسمية منصب الوزير الأول، وألحقت السلطة التنفيذية كليا وبصفة نهائية برئاسة الجمهورية. وقد حضي هذا المشروع بتأييد واسع قبل وبعد الإعلان الرسمي عنه، مما وفر له غطاءا سياسيا وشعبيا كبيرا. وجاءت الجلسة المختلطة بين غرفتي البرلمان في 12 نوفمبر بقصر الأمم على نفس النسق، وفي اتجاه واحد ولم يعارض هذا المشروع سوى نواب الأرسيدي، بينما صوت له 500 نائب، وامتنع 8 نواب من حزب موسى تواتي. الحديث عن التعديل الدستوري كأهم حدث سياسي في سنة 2008 يجر حتما إلى الحديث عن الانتخابات الرئاسية التي كانت لصيقة في أغلب الأحيان بهذا الموضوع، وظلت العهدة الثالثة للرئيس بوتفليقة مقحمة بقوة طوال السنة وفي صلب كل خطابات السياسيين، وفي أعمدة الصحافة الوطنية خصوصا من أحزاب التحالف الرئاسي والأفالان تحديدا، الذي شن حملة قوية بلغت أوجها بداية هذه السنة، أما شريكيه فلم يتبين لهما الخيط الأبيض من الأسود بصفة رسمية إلا في نهاية النصف الأول من السنة الجارية، وأصبح موضوع التعديل الدستوري والعهدة الثالثة تحديدا محل إجماع ثلاثي أو بالأحرى محل إجماع علني، وتحركت بعد ذلك الترسانة الانتخابية والدعائية للتحالف لدعوة بوتفليقة للترشح لعهدة رئاسية ثالثة. سنة 2008 بقدر ما كانت سنة تعديل الدستور والتأسيس لمرحلة جديدة في عمر الدولة الجزائرية، كانت سنة الحديث عن الانتخابات الرئاسية والكلام عنها يمرعبرالتطرق لهوية الفرسان الذين طرحوا بقوة في الساحة، سواء الذين أبدوا رغبة في خوض غمارها شهر أفريل القادم، أو الذين تحفظوا وحتى الذين التزموا الصمت، وفضلوا الترقب وتمديد الغموض إلى آخر لحظة، وباستثناء الرئيس بوتفليقة الذي ظل اسمه مطروحا ولعدة اعتبارات لم تخرج القائمة الأولية عن لويزة حنون، وسعيد سعدي، وموسى تواتي، وفوزي رباعين، وماعدا هذه الأسماء لازالت بورصة الرئاسيات تنتظر التحاق المزيد خصوصا تلك التي توصف ب ''الكبيرة'' من الإسلاميين الذين لازالوا بدون فارس لحد الآن، أو هكذا يروج، وحتى تحركات جاب الله بين الفينة والأخرى ومغازلات مناصرة وأحمد بن محمد لم تحسم الأمر، يبقى أهم وعاء انتخابي بعد التيار الوطني ينتظر ممثليه إلى إشعار آخر، والمؤكد أنه سيكون خلال السنة القادمة.