بعد حقبة بيل كلينتون / باراك التي انتهت بفشل التوصل إلى تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وحقبة دبليو بوش / شارون التي انتهت إلى كوارث . هل تكون الحقبة القادمة الأمريكية الإسرائيلية كسابقاتها فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل والنظرة للصراع العربي الإسرائيلي عموما ، في ضوء أجواء عالمية وإقليمية تبدو مختلفة تماما ؟ يصعب على أي محلل سياسي أن يتنبأ بثقة مطلقة بنتائج الانتخابات في أي دولة، خصوصا إذا تعلق الأمر بإسرائيل أو بالولاياتالمتحدة . ولكن كل الدلائل الواردة من إسرائيل تشير إلى فوز حزب «الليكود» بزعامة نتانياهو وتشكيله الحكومة الجديدة . وأن أوباما سيصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة ما لم يقع حدث يخرج عن المألوف. وإذا صح ذلك فإن السؤال الكبير يدور حول شكل ومضمون العلاقات الأميركية الإسرائيلية في حقبة أوباما / نتانياهو . وهنا يمكننا القول ، أن أي مراقب دقيق لتطور السياسة الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط يدرك أن هناك خطا متواصلا منذ بداية الحرب الباردة وحتى اليوم من تنامي التعاطف مع إسرائيل والمزايدة في دعمها في البيت الأبيض . ومن المؤكد أن هذا التنامي في الدعم القوي لإسرائيل مرتبط هو نفسه بصعود جيل من الدبلوماسيين والأطر والمحللين المؤيدين لإسرائيل في الإدارة الأمريكية ، كما هو مرتبط بتراجع الأفراد الذين كانوا يحسبون بشكل أو بآخر من دعاة القضية العربية ، أو من أنصار سياسة أكثر توازنا في الشرق الأوسط وذلك يعود للثقل المتزايد في الحياة الإعلامية والسياسية والاقتصادية والثقافية للأمريكيين اليهود أو المتعاطفين معهم في الدولة الأمريكية . والمسالة هنا ليست نفوذ أو ضغط يقوم به لوبي إسرائيلي ، ولكنه التطابق المستمر بين إسرائيل وبين الولاياتالمتحدة المعبر عنه بوحدة المصالح والارتباط المصيري . والتعبير الأعمق عن هذا التطابق ووحدة المصالح هو نظرية التحالف الاستراتيجي الذي أصبحت توصف به العلاقة بين الطرفين . فإسرائيل ضرورة للولايات المتحدة لضمان مصالحها في الشرق الأوسط ، أو هكذا تبدو الأمور بالنسبة لمعظم الأمريكيين . والتطابق مع أمريكا هو ضرورة أيضا لبقاء الدولة بالنسبة للرأي العام اليهودي في إسرائيل . وهذا يعني أن من المستحيل على العرب أن يراهنوا اليوم ، وحتى أشعار آخر ، على التناقض المحتمل بين مصالح أمريكا الوطنية ومصالح إسرائيل الخاصة في الشرق الأوسط . وكل رهان على مثل هذا التناقض في غير محله . إن وراء التحالف الأمريكي الإسرائيلي الاستراتيجي إدراك متماثل للمصالح المشتركة ، قائم على تقاطع جدي وحقيقي بين الإستراتيجية الأمريكية والإستراتيجية الإسرائيلية . وكلاهما يهدف بشكل مباشر وعلني إلى تحقيق السيطرة في الشرق الأوسط . فالولاياتالمتحدة التي تعتبر أنها موجودة في منطقة لا تكن لها المودة ، لا ترى وسيلة لضمان حصولها على الطاقة النفطية والتحكم بآثارها ومضاعفاتها المحلية والدولية أفضل من إبقاء شعوبها العربية تحت ضغط دائم ومستمر . وإسرائيل بدورها تعتقد أن هيمنتها هو شرط بقاءها كدولة . ولا يغير من هذا التفكير عند الدولتين المتحالفتين واقع حل الخلافات بالطرق السلمية عند العرب . إن المراهنة على تناقض بين سياسة نتنياهو واوباما تظل محدودة ، فإذا كان من المؤكد أن سياسة نتنياهو لا ترضي كثيرا الأوساط الأمريكية المعتدلة ، وخصوصا تلك التي تؤمن بالتحالف الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب ولا تفكر إلا بضمان مستقبل إسرائيل ، ولكنها تخشى عليها من خطئها ، فهذه الأوساط لا تميل بالضرورة إلى التدخل في السياسة الإسرائيلية . وإذا حصل لها واتخذت مواقف متميزة نسبيا عن إسرائيل ، كرؤية بوش لحل الدولتين وخطة خارطة الطريق التي وضعت إسرائيل عليها 14 اعتراض مثلا ، ولم يكن ذلك حبا بالفلسطينيين والعرب ولكن خوفا من المخاطر التي تقود إليها سياسة متطرفة وغير محسوبة ، أي تجنبا لردود الأفعال السلبية من قبل المحيط العربي . لكن بشكل عام ، ليس هناك في الإدارة الأمريكية السابقة واللاحقة جمهورية كانت أو ديمقراطية من يريد أو يفكر في خلق المشاكل أو السعي إلى إفشال سياسات تل أبيب ، بما فيها تلك التي لا ترضي أوساط الإدارة كثيرا . إن سياسة الولاياتالمتحدة في منطقتنا تعتمد الحفاظ على الوضع القائم طالما كان هذا الوضع لا يهدد مصالحها ، ولا يخلق متاعب كثيرة لها ، أي طالما كان من الممكن السيطرة عليه . والوضع في منطقتنا ، بالرغم من المأزق في العراق والتوترات المتزايدة والتشنجات التي يظهرها بعض العرب ، لا يزال في نظر واشنطن تحت السيطرة ، ولا يتطلب تدخلا دبلوماسيا أو استراتيجيا من نوع استثنائي يستدعي تغيير منهج التعامل الأمريكي السياسي والدبلوماسي الراهن . ومنهج التعامل الأمريكي في قضية السلام بين العرب وإسرائيل حدده المسؤولون الأمريكيون بأنه يقوم على دفع الإطراف إلى التوصل لتسويات عن طريق المفاوضات المباشرة ، وان دور الولاياتالمتحدة في هذه المفاوضات هو كما يصفونه دور المسهل ، أي الطرف الخارجي الذي لا مصلحة له ، ولكنه يقدم تسهيلات للإطراف المعنية كي تصل إلى تفاهم كما حدث في مؤتمر انابوليس . وجميع المساعي العربية لدفع الولاياتالمتحدةالأمريكية لتأدية دور يتجاوز هذا التسهيل بقيت حتى الآن من دون نتيجة . فالحياد الأمريكي الظاهري في المفاوضات هو الضمانة الوحيدة لتفوق الطرف الإسرائيلي فيها وحصوله على أفضل التنازلات والامتيازات الممكنة . فمن خلاله تفاوض إسرائيل باعتبارها جزءا من تحالف استراتيجي مع أمريكا ، وفي الوقت نفسه لا تتحمل أمريكا في هذه المفاوضات أي مسؤولية عن ضغوطات وتصرفات إسرائيل . إن أي تغيير في موقف واشنطن لا يرتبط بموقف إسرائيل ، ولكن بموقف العرب والفلسطينيين تحديدا . فإذا كانت واشنطن تعتقد انه ليست هناك ضرورة ملحة لتغيير منهج تعاملها في قضية السلام ، فذلك لأنها لا تعتقد إن رد الفعل العربي والفلسطيني قد وصل أو يمكن أن يصل إلى درجة تهديد الاستقرار القائم . وتبديل إدارة بأخرى أو رئيس ابيض بآخر اسود لا يغير في واقع الأمر شيئا . ------------------------------------------------------------------------