تطمح إستراتيجية استغلال المياه غير التقليدية، إلى رفع حجم استغلال المياه المطهرة في السقي الفلاحي من 450 مليون متر مكعب سنويا في الوقت الراهن إلى 2 مليار متر مكعب سنويا آفاق سنة 2030، لاستغلالها في التزوّد بالمياه الصالحة للشرب أو الري الفلاحي، خاصة أمام تراجع مستوى المياه السطحية بسبب شحّ مياه الأمطار في السنوات الأخيرة نتيجة التغيرات المناخية. صحيح أن إعادة تطهير المياه المستعملة في الجزائر، له أثر إيجابي على البيئة، بحيث يخلصها من نفايات وفضلات بعضها سامة، ولكن يمكن أن يكون حلا دائما لإرواء آلاف المساحات الزراعية العطشى بسبب شحّ الأمطار، وانخفاض مستوى مياه الآبار، فيوميا تلقى 80 بالمائة من المياه المستعملة في البيوت والمصانع، والمحلات، والإدارات في قنوات الصرف الصحي، جزء منها يسترجع ويتمّ تطهيره وإعادته للطبيعة، أو استعماله ولكن بصفة محتشمة في سقي بعض المزروعات، والأشجار والمساحات الخضراء ، أو في تطهير الساحات العمومية. يمكن استرجاع كل الكمية التي تضيع يوميا، وإعادة استعمالها في ري المحيطات الزراعية، ولكن العملية تتطلّب تجنيد أكبر لمحطات المعالجة، وإدخال التقنيات، التي تسمح بتصفية المياه المستعملة، من جميع الشوائب، وقبل ذلك تغيير ذهنية الفلاح تجاه هذا المورد الدائم، فلحدّ الآن استعمال هذا المورد يتمّ في مساحات محدّدة لا تتجاوز محيطين، من مجموع 44 محيطا زراعيا، يستفيد من برنامج السقي التكميلي. وبالرغم من تطمينات القائمين على عملية تطهير المياه، بخلوها من أي تأثيرات سلبية على المزروعات، إلا أن التخوّف من استعمالها ما زال قائما، من قبل بعض الفلاحين، لكن في مفارقة عجيبة لا يتردّد بعض الفلاحين في سقي المزروعات بالمياه القذرة بالرغم من خطورتها وضبطت مصالح الأمن هذه التجاوزات في أكثر من مرة وموسم. استغلال المياه المعالجة، يحل إشكاليات متعدّدة، مرتبطة بالجفاف ونقص الموارد المائية السطحية والباطنية، فإلى جانب أنها تشكّل مورد دائم للسقي، تمنع استنزاف موارد باطنية وسطحية قد لا تتجدّد، وبالتالي إطالة أمدها سنوات أخرى، لتغطية احتياجات أجيال أخرى، من حقها أن نحافظ اليوم نحن حصتها من الماء والغذاء. الاهتمام بهذا المورد غير المستغل بشكل أمثل بات أكثر من ضرورة، في ظروف مناخية صعبة، تتميز بانحسار فترات التساقطات المطرية إلى شهرين، وتراجع معدلات التساقط، لمجابهة تغيرات مناخية، وعوامل خارجية، تحدّ من فرص ضمان الغذاء، ومحطات معالجة المياه منتشرة بكامل التراب الوطني، ولكن انتاجها لا يستفيد منه القطاع الفلاحي، لأن طريقة تصفية المياه تسمح له فقط باعادته الطبيعة حتى لا يلوثها، وتبقى المياه المستعملة التي تناهز 80 بالمائة، تضيع دون الاستثمار فيها. المياه المستعملة يمكن إعادة استخدامها لأغراض أخرى مفيدة، لا تشمل ري الحدائق العمومية، أو تطهير الساحات فقط، أو إعادتها للوديان لحماية الطبيعة من التلوث، بل تشمل المساحات الزراعية، ويمكن أن تلبي حاجيات السكان في المنازل والقطاعات الصناعية، والتجارية كالمصانع والفنادق، ومحطات غسل السيارات، ويمكن معالجتها بتقنيات عالية تجعلها صالحة للشرب، وهذه العمليات يمكن أن تحافظ على المياه التقليدية، وتقلل من الندرة والجفاف، ومن الضغط على المياه الجوفية أو السطحية.