لماذا تراجعت الأحزاب التقليدية في البلاد، ولماذا «ذاب» مناضلوها في الزحام، ولم تعد مظاهر التحزب موجودة، أو على الأقل مرئية قرب مقرات الأحزاب أو بجوارها؟ لماذا استقال الناس من الحياة السياسية؟ وهي ظاهرة عالمية، وليست لصيقة بالجزائر. الأحزاب التقليدية تصارع في الانتخابات في العالم ولا تجد طريقا لإثبات وجودها، مع التحولات الاجتماعية والسياسية والإقليمية والعالمية، التي تحرك في العقول ما لا تراه الأحزاب و»زعماؤها»، وحتى فكرة الزعامة غيرت عكازها وشكلها، تبحث عن أفكار جديدة، تصل بها إلى أجيال، التكنولوجيا عندهم أهم من الخطابات السياسية والإصلاحية والاجتماعية والنفسية، المخلوطة ببهارات ماض، لا يعرفونه أو لا يهتمون به، أو لا يفهمونه. الأجيال الجديدة، التي تتلاعب بالتكنولوجيا، تبتعد عن التجمعات التقليدية، مهما كانت طبيعتها، وتفضل التفاعل مع التجمعات الافتراضية، التي تسجل فيها وبها أعلى المشاركات و»التضامن» والتفاعل، بعيدا عن الواقع الذي تجهله، أو لا تريد التعامل معه، ليس تعاليا، ولكن اختصارا لطريق التعب والبحث عن شيء أو أمر هو فعلا متاح في الفضاء الأزرق وبكل ألوان الطيف. لفهم لماذا انسحب الأفراد من محيط الأحزاب، ومن محيط الملاعب، ومن محيط الأسرة، ومن محيط العمل التطوعي الكبير، مثلما حصل في الثورة الزراعية، ينبغي فهم ما الذي يشدهم في العوالم الجديدة التي تتيح لهم ما لا تملكه الفضاءات التقليدية، ولو كان ذلك في باب القراءة والمطالعة العمومية.. والبحث عن آخر وصفات الطبخ! نتائج الانتخابات في العالم تؤكد حقيقة واحدة، وهي أن الإجماع عن برنامج وشخص لا يصل في أحسن الأحوال نصف عدد المغازلين في السياسة. وهي نفس الملاحظة التي تقول، إن ميسي لن يجمع حوله في ميدان كرة قدم ما كان يجمعه مارادونا، في لحظة نشوة بانتصار، وأن إمام مسجد وداعية ودكتور أصول دين لن يجتمع له في الواقع، ما كان يُحققه خطيب قبل عقود من الخليج إلى المحيط!