مرّة أخرى وكما دأب عليه منذ ثلاثة عقود، لجأ المغرب إلى عرقلة وإفشال مهمة المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية «ستافان دي ميستورا»، مؤكّدا بذلك أنه متمسّك باحتلاله للإقليم الصحراوي، وبأنه لا يملك أي إرادة سياسية للانخراط في عملية السلام التي ترعاها الأممالمتحدة في الصحراء الغربية، والتي تقوم على مبدأ تقرير المصير وليس على فرض الخيار الذي فصّله الاحتلال على مقاسه لترسيخ سيطرته وهيمنته على الأرض الصحراوية التي تقرّ كل القرارات واللوائح الأممية بأنها من الأقاليم المعنية بالاستقلال والتخلص من الاستعمار. كما حصل مع المبعوثين الأمميين السبعة الذين سبقوه، اصطدم الإيطالي ستيفان دي ميستورا، الذي تم تعيينه في 6 أكتوبر الماضي مبعوثا للأمين العام للأمم المتحدة إلى الإقليم الصحراوي بنفس سياسة العرقلة والمماطلة والضغط المغربية التي انتهت هذه المرة، وكما جرت عليه العادة، إلى تراجع المبعوث الأممي عن المضي قدما في زيارته المعلنة سلفا وبصفة رسمية إلى الصحراء الغربية، وبالتالي عدم تواصله مع الطرف الثاني في النزاع الصحراوي، ما يعني فشل جولته منذ بدايتها، إذ كيف يمكن التفكير في إعادة بعث عملية السلام في الصحراء الغربية مع إقصاء أحد طرفيها وعدم إعطائه فرصة لتقديم طرحه وللتعبير عن انشغالاته ووجهة نظره بخصوص قضية تعنيه بصفة مباشرة، وحلّها يمرّ عبره وليس عبر سياسة الأمر الواقع التي يصرّ الاحتلال المغربي على فرضها بدعم من مجموعة من المتواطئين يشاركونه نهب ثروات الإقليم المحتل، وهدر حقوق شعبه وتعمّد عرقلة عملية تصفية الاستعمار من آخر مستعمرة إفريقية. الصّحراويّون استنكروا السلوك المغربي الذي عرقل زيارة دي ميستورا إلى الأراضي المحتلة ولقاء قيادتهم، وطالبوا الأممالمتحدة بتوضيحات تكشف الأسباب التي وقفت وراء إلغاء زيارته إلى الإقليم المحتل، لكن الاعتقاد الكبير، أنّه، ومهما كانت الأسباب التي سيسوقها دي ميستورا، فهي لن تبرّر خطوته المبهمة والمحبطة التي لن تؤدي إلا إلى إمعان الاحتلال المغربي في سياسة التعنّت والمماطلة ورفض الامتثال لقرارات الشرعية الدولية، وهي السياسة التي يسعى من خلالها إلى تأجيل وتجميد القضية الصحراوية لقتلها بالتقادم. لما وقع الاختيار على دي مستورا ليتولى منصب المبعوث الاممي إلى الصحراء الغربية، استبشر الصحراويون خيرا، لاعتقادهم بأن هذا الرجل الذي يتمتع بخبرة تزيد على 40 عاما في الدبلوماسية والشؤون السياسية، سيكون قادرا على إعادة القضية الصحراوية إلى مسار حلّها الصحيح، وبأنّه سينجح فيما فشل فيه أسلافه، لكن يبدو بأنّ المغرب مصرّ على إفشال مهمة دي ميستورا كما فعل مع كريستوفر روس وهوريست كوهلر وغيرهما، إذ أرغم بسلوكه الاستعمار الاستفزازي، كل المبعوثين الأمميين السابقين على رمي المنشفة والمغادرة، وقد أكدها الدبلوماسي الأمريكي المخضرم كريستوفر روس صراحة عندما قال أنّ المغرب يعرقل عمل المبعوثين الأمميين إلى الصحراء الغربية، وبأنّ «استقالة المبعوث الأممي الأخير هورست كوهلر في 2019 من منصبه «لأسباب صحية» كانت «على الأرجح بدافع الاشمئزاز من عدم احترام المغرب والجهود المبذولة لعرقلة عمله «كما فعلوا معي». ورجح روس تردّد الكثير من الشخصيات في قبول منصب المبعوث الأممي للصحراء الغربية، إلى إدراكها بأنها ستشرع في «مهمة مستحيلة»، حيث أن «المغرب يريد شخصاً يكون مدافعاً عنه بدلاً من أن يظل محايداً». المغرب متمسّك إذن بسياسة إفشال مهام المبعوثين الأمميين إذا لم يزكّوا طرحه الاستعماري، لكن هذه الغطرسة يجب أن يوضع لها حدّ، وعلى الأممالمتحدة أن تفرض سلطتها، وتفضح على الأقل الضغوطات التي يمارسها المغرب على مبعوثيها.