تيمقاد تودّع جمهورها وتتفاءل بالقادم أعاد مهرجان تيمقاد الدولي في طبعته ال42، الحياة لعاصمة الأوراس باتنة ومدينة تيمقاد بالتحديد بعد انقطاع دام لعامين بسبب تداعيات جائحة كوفيد19، حيث تنفس سكان تيمقاد فنا وثقافة وسهرا طيلة 5 أيام، كان فيها المهرجان حيا في كل ركن من أركان مدينة تاموقادي الأثرية التي لم تنم فيها خلافا لباقي أيام السنة. تزيّنت مدينة تيمقاد بأبهى الحلل لاستقبال ضيوفها من فنانين مشاركين في سهرات المهرجان، وكذا الجمهور والعائلات المتوافدة إليها بقوة من كل ولايات الوطن، تزامنا وعطلة الصيف التي تميزت بارتفاع كبير في درجات الحرارة، جعلت من سهرات المهرجان ملاذا آمنا لها حيث «ترحل» كل مساء في حدود الخامسة مساء المئات من العائلات والألاف من الشباب إلى مدينة تيمقاد إيذانا بسهرة ساحرة خالدة مُهربة من الزمن الجميل. الجمهور نجم السهرات دون منازع وفي هذا الصدد، أشارت العديد من العائلات إلى أنها انتظرت هذا الحدث الثقافي بشغف منذ دخول فصل الصيف، وفضلت عدم الخروج من الولاية لقضاء عطلة الصيف لغاية حضور فعالياته المميزة، بالرغم من المخاوف من عودة إجراءات الحجر والوقاية من الفيروس التاجي الذي حرمها من سهراته طيلة عامين بسبب إجراءات الغلق. وأشارت إحدى العائلات المغتربة بفرنسا إلى أنها قدمت خصيصا لزيارة الوطن والالتقاء بالأهل والأقارب الذين لم تزرهم منذ 2019 بسبب الجائحة، وخصصت حيزا مهما من عطلتها لحضور سهرات تيمقاد، خاصة تلك التي يُحييها فنانو المنطقة الذين يسافرون بالحضور إلى عبق الماضي وسحر التراث الشاوي الخالد، في حين تكتفي بالبقاء خارج المسرح الروماني في باقي السهرات الأخرى للاستمتاع بالأجواء خارج المدينة الأثرية وسط إقبال كبير للعائلات، حيث تُفضل تناول وجبة العشاء التي غالبا ما تكون من الشواء بالفضاءات المقابلة لمدخل المدينة الاثرية والانتباه على أطفالها، وهم يلعبون بسعادة وأمن واطمئنان. نفس الأجواء تعيشها يوميا عائلة أخرى قادمة من الجنوب استأجرت سكنا بمدينة باتنة، لقضاء عطلة الصيف، والتي تفاجأت بالإقبال الكبير للعائلات على سهرات المهرجان، الذي بالرغم من تعثره في البداية وتواصل الإخفاق التنظيمي طيلة سهراته، إلا أنّ عشق الجمهور للمهرجان جعل من مدرجاته تمتلئ بسرعة وقبل انطلاق السهرة بساعات، الأمر الذي تطلب نقل أجزاء من سهراته ببعض المدن الكبرى للولاية لتمكين ساكنتها من الفرجة التي يصنعها نجوم المهرجان. واللافت في هذه الطبعة أيضا هو التفاعل غير المسبوق للجمهور مع الفنانين، فبمجرد انطلاق السهرات الفنية، تتعالى الهتافات والتصفيقات الحارة المعبرة عن استحسان الجمهور لأداء الفنانين الذين تجاوبوا بدورهم مع الجمهور من خلال التواصل معهم بالحديث عن امتنانهم لهم، وإعادة بعض الأغاني المميزة نزولا عند طلب الجمهور الذي أضاء كل الحفلات بهواتفه النقالة، وهو ما أضفى لمسة سحرية على السهرات. كما كان للحضور القوIي لمصالح الأمن وباقي الأسلاك الأخرى خاصة الحماية المدنية دوره في تشجيع العائلات على الإقبال على سهرات المهرجان، نظرا للجو العام من الأمن والسكينة الذي ميز سهرات تاموقادي، وحفز الشباب والجمهور على الحضور. وكانت بعض العائلات التي بدى من حديثها أنها تقطن خارج الوطن، قد استفسرت عن سبب غياب مؤسسة ثقافية قائمة بحد ذاتها خاصة بهذا الحدث الفني الدولي، على غرار ما هو معمول به بكل الفعاليات الفنية الضخمة عربيا وعالميا، مشيرة في حديثها مع بعض المنظمين إلى أنه ليس من المعقول والمهرجان يطوي طبعته ال42، لا يزال يواجه انتقادات المسؤولين والفنانين والجمهور على حد سواء، متأسفة أن يتحول المهرجان على عراقته لمجرد تقليد فني سنوي، يشرف عليه البعض من المحظوظين ويحضره البعض الآخر منهم. 3 آلاف عنصر في استعراض فني ضخم يحكي تاريخ الجزائر وبالعودة إلى برنامج الطبعة ال42، فقد تخللها تنظيم استعراض فني كبير بقلب مدينة باتنة، جاب شارع الاستقلال الرئيسي لعاصمة الولاية المعروف محليا باسم «طريق بسكرة»، وذلك بالقرب من ثانوية البشير الإبراهيمي، مرورا بساحة الشهداء بوسط المدينة، وصولا إلى المنصة الشرفية، تعاقبت 18 لوحة فنية تحكي تاريخ الجزائر وثرائه من منطقة لأخرى وبالأزياء التقليدية القديمة لتلك المناطق، وذلك بمشاركة 3 آلاف عنصر بينهم موسيقيين وفنانين صنعوا لوحات فسيفسائية رائعة نالت استحسان الجمهور الذي توافد بقوة لمشاهدة هذا العرض الضخم. استعراض مهرجان تيمقاد تميز أيضا بالحضور القوّي للراية الوطنية التي توشحها المشاركون الذين امتعوا الحضور بالقدرات الثقافية والفنية الكبيرة التي تكتنزها الجزائر، بحسب ما أكدت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي على هامش حفل الافتتاح واصفة المهرجان بأنه الموعد الفني والثقافي الأهم بالجزائر سنويا، كونه من أعرق وأقدم المهرجانات الوطنية والدولية ببلادنا، له أبعاد فنية وسياحية وثقافية واقتصادية، كان دائما جامعا للفنانين من داخل الوطن وخارجه. الحضور القوي والكبير للعائلات والجمهور بعد إقرار مجانية الدخول، أضفى تميزا على المهرجان، الذي تميز بمشاركة ماسينيسا، وحميد بلبش، ونعيمة الدزيرية، وياسمين عماري، ومحمد بوسماحة، ومهدي كباسي، وبلال الصغير، وسعاد الشاويّة، وموح ميلانو، وفلان، وديدين كانون 16، وجليل باليرمو، إضافةً إلى فرق «راينا راي» و»تيكوبايين» و»عيساوة» و»الداي»، في حين تقتصر المشاركات من خارج الجزائر على اللبنانية ميرا ميخائيل والفلسطيني هيثم خلايلي. الترويج السياحي أبرز ما ميّز التظاهرة ولعلّ الجديد في الطبعة ال42 الترويج السياحي للمعالم الأثرية والطبيعية والتاريخية التي تزخر بها الولاية لفائدة ضيوف المهرجان، عبر تنظيم عديد الرحلات السياحية إلى زيارة شرفات غوفي وضريح امدغاسن والمسرح القديم، تنفيذا لتعليمات وزارة الثقافة والفنون القاضية بجعل كل المهرجانات الوطنية الثقافية فرصة للترويج السياحي والثقافي للولايات التي تحتضنها في اطار الانخراط الفعلي في التنمية المحلية، والترويج السياحي. ونشير إلى أن وزيرة الثقافة أكدت أنها بصدد إعداد دفتر شروط جديد يضبط مهام محافظي المهرجانات، وكذلك طرق تسييرها، نظرا لحالة الفوضى الكبيرة التي تشهدها بعض المهرجانات الغارقة في الديون، الأمر الذي حال دون الترخيص لها بتنظيم النشاطات الفنية والثقافية. عقود من العراقة والتميّز يعتبر مهرجان تيمقاد الدولي، من بين أعرق المهرجانات الدولية التي تنظمها الجزائر، بل ويصفه المثقفون أنه عميد المهرجانات الجزائرية، نظرا لما له من سمعة تتجاوز حدود الوطن، من خلال مشاركة ألمع نجوم الغناء والطرب العربي والموسيقى العالمية في الطبعات السابقة، قبل ان يتراجع مُستواه في الطبعات الأخيرة من مهرجان بكل ألوان الطيف إلى مهرجان دون طيف. المهرجان كان قد توقف 10 سنوات لأسباب أمنية خلال العشرية الحمراء التي عاشتها الجزائر، غير أن إرادة الدولة في مواصلة التطلع إلى المستقبل بعين الأمل، سنة 1997 في ظل التطور والانفتاح الثقافي الذي شهدته الجزائر، ساهم في العودة القوية «لتاموقادي»، وكأنه ولد من جديد بعزيمة أكبر على الصمود والمقاومة والبقاء للتعريف بالتراث الثري للجزائر وموروثها الحضاري الضارب في أعماق التاريخ، ورغبة من الجزائر في إعادة التواصل فنيا وإنسانيا وإبداعيا مع الآخر. وكانت بداياته الأولى محلية، بمبادرة من مجموعة مثقفي وأعيان عاصمة الأوراس، الذين أردوا التعبير عن التنوّع والثراء الفني بالأوراس، وإنعاش الحركة الثقافية بالمدينة الأثرية تيمقاد على غرار الحاصل بالمدن الأثرية الأخرى بالدول العربية الشقيقة، وبعد مخاض عسير تحقق «الحلم» سنة 1967 بتقديم مجموعة من العروض المسرحية المتواضعة في العام الأول ثم موسيقية في العام الثاني. والحقيقة أن ركح تاموقادي كان في العهد الروماني فضاء لعدد من التظاهرات الرياضية والمسرحية والغنائية وحتى الاستعراضات الحربية والقتالية، كما هو معلوم في الثقافة الرومانية، ليتحول إلى تقليد سنوي عملت إحدى الجمعيات الثقافية سنة 1907على إحيائه، ليشهد الركح الأثري الروماني أولى تلك التظاهرات الثقافية عام 1939، والتي عرفت إقبالا جماهيريا منقطع النظير بالرغم من الظروف الصعبة التي كان الجزائريون يعيشونها أنذالك تحت وطأة الاستعمار الفرنسي. ليتحول بعدها إلى أيام ثقافية ثم مهرجان موسيقي سنة 1968 بمشاركة فرق وطنية وأجنبية، ثم مهرجان متوسطي فمهرجان للفنون الشعبية، سنة 1973 بمشاركة قوية لبعض الدول الشقيقة والصديقة، وأخيرا إلى مهرجان دولي يقام سنويا يحلم أشهر نجوم العالم بالتواجد فيه، لما لجمهوره الذواق من صيت تجاوز حدود الجزائر. ومن سنة 1998 إلى سنة 2006، يُشرف الديوان الوطني للثقافة والإعلام على التنظيم الأساسي لهذه التظاهرة الفنية والتي جعل منها جزءا من برنامج نشاطاته الثقافية والفنية، ليتردد عليها أسماء فنية ذات صيت عالمي، تداولت على ركح هذا المسرح العتيد، وبعدها تم تعيين محافظة له جعلت من الديوان شريكا أساسيا في تنظيمه بحكم خبرته في هذا المجال. والجدير بالذكر أنّه بالرغم من التطور الكبير للمهرجان وشهرته العربية والعالمية، لا يزال يواجه تحدي نقص الاستثمار الثقافي فيه من طرف رجال المال والأعمال لدفع عجلة التنمية السياحية والثقافية والمحلية والمساهمة في الإشعاع الثقافي والفني والسياحي بالمنطقة لمواكبة هذا الزخم الثقافي الكبير، كما هو معمول به في مختلف التظاهرات الثقافية الدولية. 11 طبعة بالمسرح الجديد تعتبر الطبعة ال42 من مهرجان تيمقاد الدولي الطبعة رقم11 التي احتضنها مسرح الهواء الطلق، بدلا عن المسرح الروماني العتيق، علما أنه أنشأ خصيصا للحفاظ على المسرح الأثري القديم، وأنجز بمواصفات عصرية دون إهمال شروط أصالة المسرح القديم وشكله، حيث يعتبر المسرح الجديد توأما حقيقيا للمسرح القديم استغرق بناؤه سنتين كاملتين بغلاف مالي هام فاق 352 مليون دج، يستفيد قبل كل طبعة من أشغال الصيانة للحفاظ عليه، كما أنه مُزود بأحدث التقنيات التي جعلت منه من بين أجمل المسارح الجزائرية، جاء أيضا لتدارك بعض النقص المسجل في المسرح الأثري القديم، على غرار ضيق مساحته، كما أنه يضم قاعتين شرفيتين كبيرتين وستة مقصورات، وكذا بعض المرافق الضرورية الأخرى التي كانت دائما هاجس ضيوف ومنظمي المهرجان في المسرح القديم.