قبل نحو ثلاثة أسابيع، قام وفد من مفوضية السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي يقوده السيد «بانكول أديوي» بزيارة عمل إلى مؤسسات الجمهورية الصحراوية. الزيارة لقيت ترحيبا صحراويا كبيرا واستقبالا رسميا وشعبيا بارزا، وجاءت في إطار اهتمام الإتحاد الإفريقي بمناطق النزاع المشتعلة في إفريقيا، وبوضعية السلم والأمن في القارة، وعكست حرص المنتظم القاري على متابعة تطورات القضية الصحراوية; خاصة منذ استئناف الكفاح المسلّح، والبحث عن تسوية عادلة لها. وإذ كناّ اليوم نعود إلى هذه الزيارة الهامة ونتائجها، فلكي نقف عند الدور الذي يلعبه الإتحاد الإفريقي في الدّفع باتّجاه التسوية السياسية لآخر قضية تصفية استعمار في القارة، والتحدّيات التي تواجهها المجموعة الإفريقية بسبب العراقيل التي يفرضها الاحتلال المغربي وأساليب المكر والخداع التي ينتهجها منذ أن قرّر العودة للمنتظم القاري في 2017. تعود العلاقة التي تربط الاتحاد الإفريقي بالجمهورية العربية الصحراوية، إلى أزيد من 47 عاما، أي عندما كان يطلق على المنتظم القاري اسم «منظمة الوحدة الإفريقية « فمنذ تأسيسها، اتّخذت المنظمة الإفريقية من مناهضة الاستعمار ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها واستقلالها مبدأها الذي لا تحيد عنه، وفي نوفمبر من سنة 1975 اعترفت لجنة التحرير التابعة للمنظمة القارية - وكانت مكونة من 15 دولة- بالجبهة الشعبية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الصحراوي وحركة تحرير إفريقية. ومباشرة بعد إعلان قيام الجمهورية الصحراوية في 27 فيفري 1976 بدأت اعترافات الدول الإفريقية بها تتوالى، وسارع مجلس وزراء المنظمة ليصادق بالإجماع في اليوم الموالي، أي في 28 فيفري 1976 على قرار ينص على « أن الشعب الصحراوي أعلن دولته المستقلة: الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية; وبذلك مارس حقه في تقرير المصير والاستقلال». وظلّت المنظمة الإفريقية حريصة على متابعة تطورات الوضع في الإقليم الصحراوي المحتل، ومتمسكة بالدعوة لوقف المواجهات العسكرية والبحث عن حل سياسي للنزاع على ضوء قرارات المنظمة ولوائح الأممالمتحدة التي نصّت منذ 1963على أن أرض الصحراء الغربية تدخل ضمن الأقاليم المعنية بالاستقلال وتقرير المصير، وخلصت خلال القمة المنعقدة في 1978 إلى إنشاء لجنة حكماء من خمسة رؤساء أفارقة ضمت كل من رؤساء السودان وغينيا ومالي ونيجيريا وتنزانيا، لدراسة معطيات نزاع الصحراء الغربية بقصد تقديم اقتراحات وتوصيات محددة لمؤتمر القمة الإفريقية اللاحق. وخلال القمة اللاحقة المنعقدة بالعاصمة الليبيرية مونروفيا سنة 1979، أوصت منظمة الوحدة الإفريقية ب «ممارسة شعب الصحراء الغربية حقه في تقرير مصيره من خلال استفتاء حر، عادل وشفاف». وتمسّكت بنفس الطلب في القمة التي احتضنتها العاصمة السيراليونية، فريتاون سنة 1980، وهو ما جعل المغرب، يرضخ للأمر الواقع ويعلن قبوله إجراء الاستفتاء بالصحراء الغربية، وذلك خلال القمة المنعقدة سنة 1981 بالعاصمة الكينية نايروبي. عضو كامل العضوية في فيفري من سنة 1982 تم الإعلان عن قبول طلب «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» كعضو كامل العضوية في المنتظم الإفريقي، وهو ما يسمح لها بحضور القمم الإفريقية والتمتع بنفس الحقوق والواجبات أسوة ببلدان القارة الأخرى. هذه الخطوة العملاقة التي قطعتها القضية الصحراوية قاريا، جنّ من خلالها جنون المغرب، وبعد أن فشلت كل خططه ومؤامراته في ضرب الوجود الصحراوي، قرّر هو الانسحاب، وكان ذلك في نوفمبر 1984. لقد أدار المغرب ظهره للمنتظم الإفريقي معتقدا بأنه غير ذي أهمية مقارنة بمجلس الأمن الدولي الذي راهن عليه وعلى ما تتمتع به حليفته فرنسا من نفوذ، والتي ظلّت ولازالت تبارك احتلاله وتتستّر على خروقاته وتحول دون محاسبته أو معاقبته. ولمّا تأسّس الإتحاد الإفريقي; سنة 2002، كانت الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية من مؤسّسيه، وقد استبشرت هذه الأخيرة خيرا باعتماد التكتل الجديد على قانون تأسيسي ينصّ على احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، ويقرّ الدفاع عن سيادة وحدود الدول الأعضاء بالإضافة إلى إقرار ميثاق لحماية حقوق الإنسان والشعوب الإفريقية. منعرج تاريخي ميلاد الإتحاد الإفريقي منح زخما للقضية الصحراوية، التي باتت مطروحة في كلّ قمّة واجتماع، وقد دخل المنتظم القاري على خط الجهود الأممية للبحث عن تسوية عادلة تحرّر آخر مستعمرة في إفريقيا، وبالموازاة تبنّى المنتظم إستراتيجية للدفاع عن حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، والتي كان شعبها ولا يزال، يواجه انتهاكات مريعة من طرف الاحتلال الذي أطلق العنان لممارسة كلّ طقوس القمع والبطش والتنكيل، وفي السياق طالبت المجموعة الإفريقية بتوسيع مهام بعثة الأممالمتحدة من أجل الاستفتاء بالصحراء الغربية «مينورسو» لتشمل مراقبة وحماية حقوق الإنسان، وعينت مبعوثًا خاصًّا مكلفًا بملف الصحراء الغربية، والذي أصبح يقدّم تقريره إلى مجلس الأمن الدولي، كما اتّخذ الإتحاد الإفريقي قرارات ومواقف مندّدة بإمعان المغرب في انتهاك الشرعية الدولية، حيث رفضت المجموعة الإفريقية تعمّد الاحتلال إقامة أنشطة ذات بُعد دولي، سواء سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو حتى رياضية بالأراضي الصحراوية المحتلة، ونجحت المواقف الإفريقية في إجهاض الكثير من الملتقيات والمناورات العسكرية والأنشطة الرياضية، بالإضافة إلى ذلك، لم يكن الاتحاد الإفريقي يترك مناسبة أو فرصة تمرّ، إلاّ ويستغلّها للتعريف بالقضية الصحراوية والتّرويج لاستفتاء تقرير المصير، كما شنّ حملات ضدّ نهب المغرب وحلفائه للثروات الصحراوية. مع هذه الضغوط، كانت قائمة الدول المعترفة بالجمهورية الصحراوية في القارة السمراء تتوسّع، الأمر الذي جعل الحبل يضيق حول عنق الاحتلال المغربي، الذي بدأ يبحث عن مخرج من هذا المأزق، فكان قراره بالعودة إلى الإتحاد القاري بعد أن فشلت كلّ جهوده في إنهاء أو تجميد العضوية الصحراوية. الخديعة المكشوفة الانضمام من جديد إلى المنتظم الإفريقي الذي تمّ في 2017، لم يكن بريئا، بل وراءه كان يخفي المغرب نوايا مبيّتة لنسف الموقف القاري الداعم للقضية الصحراوية وعدالتها. لقد قدّر الاحتلال المغربي بخبث ومكر، أنه وهو داخل البيت الإفريقي يمكنه أن يحقّق ما عجز عن تحقيقه وهو خارجه، ومثل التلميذ الذي لا يستوعب الدروس ولا يستفيد منها، أعتقد بأن الإتحاد الإفريقي بالضعف الذي يمكنه أن يطرد منه من يشاء ويفعل داخله ما يريد، لهذا أطلق العنان لمؤامراته التي ترمي إلى منع حضور الجمهورية الصحراوية في أي اجتماع أو لقاء تعقده القارة بين أعضائها أو مع مجموعات دولية خارجية، وكان في أغلب الأحيان يحدث جلبة وتشويشا لإفشال مختلف القمم والاجتماعات القارية، فقط، لأنها تجدّد دائما تمسّكها بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. وللتذكير لا الحصر، يمكننا أن نعود إلى محاولته عرقلة أشغال مؤتمر التنمية في إفريقيا الذي احتضنته دولة السنغال، وذلك بعد أشهر معدودة من عودته إلى الإتحاد الإفريقي، ثم لجوء وفده لاستعمال العنف والقوة ضدّ الوفد الصحراوي لمنعه من حضور أشغال مؤتمر «تيكاد» في الموزنبيق، وقد فشل مسعاه، حيث شارك الوفد الصحراوي في القمة كغيره من الوفود الإفريقية. ونفس الموقف اتّخذه المغرب لعرقلة المشاركة الصحراوية في القمة الإفريقية الأوروبية المنعقدة في خريف 2017، لكن النتيجة كانت عكس ما تشتهيه سفنه، كما عمل على تغييب القضية الصحراوية عن كلّ الاجتماعات القارية، وذلك من خلال التأثير على بعض الدول، وشراء الذمم، وكان يصطدم في كلّ مرّة بتلاحم إفريقي متزايد مع القضية الصحراوية العادلة. وبضغوط يفرضها الإتحاد الإفريقي، الذي قرّر تفعيل دوره وتنسيق جهوده مع الأممالمتحدة لأجل إطلاق مفاوضات مباشرة ودون شروط بين الجمهورية الصحراوية والمغرب، تقوم أساسا على مبدأ تقرير المصير. وبما يتماشى مع المادة 4 من القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، وما يتصل بذلك من أحكام بروتوكول مجلس السلم والأمن. كما حرّك المنتظم القاري ورقة حقوق الإنسان المنتهكة في الأراضي الصحراوية، ودعا في كلّ مرّة مجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف للتدخّل العاجل لإنقاذ الشعب الصحراوي من الفظائع التي يرتكبها الاحتلال المغربي في حقّه. مناورات تنتهي بالخيبة في الواقع، لم يترك المغرب وسيلة أو حيلة إلاّ واستخدمها لإخراج الجمهورية الصحراوية من التكتّل الإفريقي، أو على الأقل لانتزاع الدعم لطرحه الاستعماري، لكن الخيبة كانت دائما بالمرصاد، حيث شارك الصحراويون عام 2019 في اجتماع وزراء خارجية الإتحاد الأفريقي والإتحاد الأوروبي الذي انعقد في بروكسل، كما شارك ذات الوفد في قمة الشراكة بين الإتحاد الأفريقي واليابان (تيكاد) في يوكوهاما باليابان في نفس السنة، ولوضع حدّ للعبث المغربي ومحاولاته المتكرّرة عرقلة الحضور الصحراوي في اجتماعات التكتل الإفريقي، قرّر هذا الأخير أن يحدّد للاحتلال الخطوط الحمراء، وذلك من خلال المصادقة سنة 2020 على مقرّر يؤكد الحق السيادي لجميع الدول الأعضاء في حضور اجتماعات الشراكة التي يكون الاتحاد الإفريقي طرفا فيها. وبعد استئناف الكفاح المسلّح، منح المنتظم القاري مجلس السلم والأمن الإفريقي تعليمات بالعمل على إيجاد اتفاق جديد لوقف إطلاق نار، والبحث عن حلّ يقوم على احترام الحدود الموروثة غداة الاستقلال. عود على بدء لا شك أنّ الإتّحاد الإفريقي لم يدّخر يوما جهدا في سبيل تمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره، وبالرغم من التواطؤ الذي تفرضه بعض الدول الوازنة حتى لا تحلّ القضية الصحراوية، فإن المجموعة الإفريقية ساهرة وعازمة على مواجهة كلّ الدسائس المغربية، ومصمّمة على الدّفع باتّجاه استقلال آخر مستعمراتها، وفي هذا الإطار تدخل زيارة مفوض السلم والأمن بالإتحاد الإفريقي، بانكول أديوي، إلى الصحراء الغربية قبل أسابيع، والذي أكّد بأنّ الهيئة القارية «تبذل قصارى جهدها لضمان حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير». وكان مجلس السلم والأمن الإفريقي، شدّد على «ضرورة وقف الأعمال القتالية على الفور والدخول في حوار»، ملتمسا «خلق بيئة مواتية لإجراء مفاوضات بين الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية»، وذلك في بيانه الختامي الذي اعتمده حول اجتماعه بشأن الصحراء الغربية، الذي عقد في 9 مارس 2021 في إطار متابعة تنفيذ الفقرة 15 من مقرر الدورة الاستثنائية 14 للاتحاد الإفريقي حول إسكات البنادق. وطلب المجلس من مفوضية الاتحاد الإفريقي، اتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة فتح مكتب الاتحاد الإفريقي في العيون بالصحراء الغربية المحتلة «على وجه السرعة»، موضحا أن «ذلك سيمكن الاتحاد الإفريقي من إعادة إحياء دوره في البحث عن حل سياسي للصراع». كما قرر المجلس، أن تقوم ترويكا الاتحاد الإفريقي «بتنشيط اتصالاتها» مع المملكة المغربية والجمهورية الصحراوية، «على وجه السرعة»، مبرزا أن الهدف من وراء ذلك يكمن في «التوصل إلى حل دائم للأزمة»، داعيا في الأخير إلى القيام بزيارة ميدانية بأسرع ما يمكن للحصول على معلومات مباشرة عن الوضع. ومؤخرا، جدّد رئيس الجمهورية الصحراوية، ابراهيم غالي، التأكيد على مسؤولية ودور الاتحاد الإفريقي في إيجاد حل عاجل للقضية الصحراوية، باعتبارها قضية إفريقية بامتياز. ودعا إلى ضرورة التحرك العاجل لحل النزاع بين الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية، بما ينسجم مع القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي وميثاق الأممالمتحدة، وخاصة منح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة، واحترام الحدود الموروثة غداة الاستقلال. الصحراويون سيحضرون قمة «تيكاد» بتونس مرّة أخرى، فشل المغرب في إقناع المجموعة الإفريقية بضرورة استبعاد الجمهورية الصحراوية من المشاركة في أشغال القمة الثامنة لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا (التيكاد)، المقررة يومي 28 و29 أوت الجاري بتونس. واعتمد المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي في دورته 41 بزامبيا قبل أسابيع، قرارا يطالب فيه بإشراك كافة الدول الإفريقية في الموعد المرتقب. وقد حاول ممثل المغرب في هذا الاجتماع جاهدا، إقناع بقية الوفود الإفريقية بضرورة استبعاد الجمهورية الصحراوية، متعللا بحجج واهية مفادها أن «الشراكة التي تربط الدول الإفريقية باليابان لا تندرج في إطار الاتحاد الإفريقي». غير أن تلك المحاولة باءت بالفشل، حيث لم تقم أي دولة، وحتى تلك المتحالفة مع المخزن، بمساندة الموقف المغربي، بل بالعكس، إذ شدد الوزراء الأفارقة على مطالبة الشريك الياباني بتوجيه الدعوة لكل الدول الإفريقية بما فيها الجمهورية الصحراوية. تجدر الإشارة إلى أن مؤتمر «التيكاد» يعد من أهم وأبرز المحافل الدولية للتعاون التنموي بين الدول الإفريقية واليابان والمؤسسات الدولية. في الأخير، وجب التّأكيد، بأن أحدا لا يمكنه التشكيك في الموقف الإفريقي الداعم للقضية الصحراوية، لكن المنتظم الإفريقي مطالب ببدل مزيد من الجهود لتمكين الصحراويين من حقهم في تقرير المصير والاستقلال.