استغلال الإحصائيات السكانية المبرمجة سبتمبر المقبل الاقتصاد الرقمي ضمن أولويات التسيير اللامركزي تعتبر البلدية الحجر الأساس لأي بناء مؤسساتي، كما أنها نقطة انطلاق لأي مشروع تنموي، اجتماعي أو اقتصادي.. هذه الخصائص تمنح للبلدية مكانة محورية في العلاقة التي تربط المواطن بالدولة وتجعل من فقرها أو ثرائها ومدى استيعابها لمختلف المشاريع، مؤشرات لتقييم السياسة التنموية. ويقع على المسؤول الأول عن تسييرها مسؤوليات بالغة الأهمية، تقابلها صلاحيات تبقى «هزيلة»، حيث غالبا ما تصطدم مبادرات رئيس المجلس الشعبي البلدي، في اقتراح المشاريع وتبني المخططات والاستراتيجيات التنموية بسلطة الوالي. اعتبر الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي، إشراك المواطنين وفواعل المجتمع المدني في تسيير شؤون البلدية من خلال مجلس تأسيسي يتكون من شركاء على المستوى المحلي لتحديد النظرة المستقبلية للبلدية، وإثراء الإستراتيجية المتعلقة بالتنمية المحلية والاجتماعية والاقتصادية للبلدية، ضرورة من اجل إحصاء شامل ودقيق لاحتياجات البلدية من جهة وإمكاناتها من جهة أخرى. وأكد على ضرورة تعزيز سبل التواصل بين مختلف أفراد المجتمع المحلي، من أجل إرساء دعائم الديمقراطية التشاركية، من خلال منظومة إعلامية تسمح بتحقيق ديمقراطية محلية في إطار التسيير الجواري للبلديات بإشراك وإبراز الطاقات الشبانية التي ستكون نخبا، من شأنها المشاركة في مداولات المجلس الشعبي البلدي من خلال اقتراحات قوية واتخاذ قرارات تسمح بتنمية وترقية الجماعات المحلية. وينطبق طرح الخبير الاقتصادي، تماما على ما نصت عليه المواد 11/ 12 و13 من قانون البلدية، رقم 11-10 المؤرخ في 20 رجب عام 1432 الموافق 22 ماي سنة 2011. فحسب المادة 11: «تشكل البلدية الإطار المؤسساتي لممارسة الديمقراطية على المستوى المحلي والتسيير الجواري. يتخذ المجلس الشعبي البلدي كل التدابير لإعلام المواطنين بشؤونهم واستشارتهم حول خيارات وأولويات التهيئة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حسب الشروط المحددة في هذا القانون. ويمكن في هذا المجال استعمال، على وجه الخصوص، الوسائط والوسائل الإعلامية المتاحة، كما يمكن المجلس الشعبي البلدي تقديم عرض عن نشاطه السنوي أمام المواطنين». وورد في المادة 12: «قصد تحقيق أهداف الديمقراطية المحلية في إطار التسيير الجواري المذكور في المادة 11 أعلاه، يسهر المجلس الشعبي البلدي على وضع إطار ملائم للمبادرات المحلية التي تهدف إلى تحفيز المواطنين وحثهم على المشاركة في تسوية مشاكلهم وتحسين ظروف معيشتهم». كما جاء في المادة 13: «يمكن رئيس المجلس الشعبي البلدي، كلما اقتضت ذلك شؤون البلدية، أن يستعين بصفة استشارية، بكل شخصية محلية وكل خبير و/أو كل ممثل جمعية محلية معتمدة قانونا، الذين من شأنهم تقديم أي مساهمة مفيدة لأشغال المجلس أو لجانه بحكم مؤهلاتهم أو طبيعة نشاطاتهم». رهانات... مسؤوليات وصلاحيات محدودة وبرأي تيغرسي، ثقل المسؤولية والصلاحيات المحدود تحول دون تمكن المنتخب المحلي من الوفاء بالوعود التي طرحها أثناء الحملة الانتخابية، خاصة بسبب الصلاحيات المحدودة التي كرسها قانون البلدية لسنة 2011. خاصة ما تعلق بصلاحيات المنتخب باعتباره ممثلا لمنتخبيه. وقد تلخصت صلاحياته المتضمنة في المواد 77/ 78/ 79/ 80/ 81/ 82 و83 في المهام التالية، تمثيل البلدية في جميع المراسم التشريفية والتظاهرات الرسمية، إلى جانب تمثيلها في الحياة المدنية والإدارية، وفق الشروط والأشكال المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بهما. كما يترأس رئيس المجلس الشعبي البلدي، هذا الأخير ويستدعيه من أجل عرض المسائل الخاضعة لاختصاصه. بالإضافة إلى سهره على تنفيذ مداولات المجلس الشعبي البلدي وميزانية البلدية، باعتباره الآمر بالصرف. ويقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي وتحت رقابة المجلس الشعبي البلدي باسم البلدية، بجميع التصرفات الخاصة بالمحافظة على الأملاك والحقوق المكونة للممتلكات البلدية وإدارتها ويجب عليه، على وجه الخصوص، القيام بالمهام التالية، التقاضي باسم البلدية ولحسابها، إدارة مداخيل البلدية والأمر بصرف النفقات ومتابعة التطورات المالية البلدية، إبرام عقود اقتناء الأملاك والمعاملات والصفقات والإيجارات، القيام بمناقصات أشغال البلدية ومراقبة حسن تنفيذها، اتخاذ كل القرارات الموقفة للتقادم والسقوط، ممارسة كل الحقوق على الأملاك العقارية والمنقولة التي تملكها البلدية بما في ذلك حق الشفعة، اتخاذ التدابير المتعلقة بشبكة الطرق البلدية، السهر على المحافظة على الأرشيف، إلى جانب اتخاذ المبادرات لتطوير مداخيل البلدية. مرافقة المبادرات توقف النائب السابق، عند النقطة المتعلقة باتخاذ المبادرات من أجل تطوير مداخيل البلدية، حيث قال إنها تبقى محدودة بالمقارنة مع فرص الاستثمار التي تتوفر عليها البلديات والانجازات التي تتطلع إليها الساكنة، خاصة ما تعلق بتهيئة الإقليم والتنمية المستدامة، حسب ما جاء في المادة 108 من ذات القانون والمتمثلة في التزويد بالمياه الصالحة للشرب وصرف المياه المستعملة، صيانة الطرق وإشارات المرور، الإنارة العمومية، الأسواق المغطاة والأسواق والموازين العمومية، الحظائر ومساحات التوقف، المحاشر، النقل الجماعي، المذابح البلدية،الخدمات الجنائزية وتهيئة المقابر وصيانتها بما فيها مقابر الشهداء، الفضاءات الثقافية التابعة لأملاكها، فضاءات الرياضة والتسلية التابعة لأملاكها، إلى جانب تهيئة وتسيير المساحات الخضراء. واعتبر تيغرسي، لجنة الاقتصاد والمالية والاستثمار، أهم لجان البلدية، المتمثلة في لجنة الاقتصاد والمالية والاستثمار، الصحة والنظافة وحماية البيئة، تهيئة الإقليم والتعمير والسياحة والصناعات التقليدية، الري والفلاحة والصيد البحري، الشؤون الاجتماعية والثقافية والرياضية والشباب. حيث تجسد هذه اللجان، دور البلدية في مراقبة الاستثمارات، خاصة ما تعلق بصلاحيات المنتخب المحلي في الاستثمار، خاصة وأن رئيس الجمهورية كان قد منح مؤخرا صلاحيات فيما يخص العقار المتواجد على المستوى المحلي وإنشاء مناطق نشاط صناعية على المستوى المحلي، لإرساء حركية اقتصادية بإمكانها استحداث مناصب شغل وتحقيق تنمية محلية ترقى بالمستوى المعيشي للمواطن حيث ننتظر - حسب المتحدث- انطلاقة فعلية لمناطق النشاط الصناعي على المستوى المحلي. مشاريع عالقة وتطرق الخبير الاقتصادي، إلى إشكالية التداخل في الصلاحيات بين قطاع المالية ومصالح الجماعات المحلية فيما يخص التحصيل الجبائي على المستوى المحلي، مشيرا إلى محدودية صلاحيات رئيس المجلس البلدية فيما يخص عملية حوكمة الاستثمارات على مستوى بلديته، وإقامة شراكات بين القطاع العام والخاص. فعلى سبيل المثال، فقد تم بناء 650 سوق وطنية مجهزة من طرف القطاع الوزاري لم تنطلق فعليا إلى يومنا هذا. كما أضاف، أن قانون الصفقات العمومية هو الآخر يشكل حاجزا أمام مبادرة رئيس المجلس الشعبي البلدي، حيث سيتم إعادة النظر في هذا المحور على مستوى البرلمان من أجل حماية المنتخب المحلي بجملة من القوانين تشجعه على المبادرة، مشيرا إلى أن حوالي 500 منتخب محلي متابع قضائيا بسبب عدم التحكم في قانون الصفقات العمومية والوقوع في فخ التجاوزات القانونية. الصحة وحماية البيئة أولويتان فيما يخص الشطر التنموي المتعلق بالصحة والنظافة والبيئة، كأهم المؤشرات المعتمدة في تحديد المستوى المعيشي للمواطن، يقول تيغرسي إن دور البلدية في هذه المجالات هامشي فقط ولا يساهم في عملية ترقية قطاع الصحة. كما تأسف لنقص الإمكانات الموجودة على مستوى البلديات. ومن اجل تدارك هذا العجز، فرضت الدولة بعض الرسوم لتشجيع البلديات على ترقية وحماية البيئة، وإعطاء فرص للمؤسسات الناشئة في مجال البيئة. كما أكد على الدور الذي يجب أن تؤديه البلدية في إنشاء مؤسسات سياحية لاستغلال المقومات الطبيعية التي تتميز بها كل منطقة عن الأخرى والاستفادة من التنوع الجغرافي القاري لبلادنا. كما أشار إلى نقص الخبرة الموجودة في تسيير قطاع الري، خاصة مع ندرة المياه المسجلة مؤخرا، نتج عنها سوء توزيع لشبكة المياه، في حين تحتاج أغلب البلديات إلى إنشاء مؤسسات ناشطة في القطاع الفلاحي للرفع في مستوى النمو الفلاحي الذي يشهد هو الآخر نقصا في اليد العاملة الخبيرة وتقصير في الإرشاد الفلاحي. وأضاف، أن هناك غياب في الاستثمارات التي تخص المرافق والهياكل الرياضية من ملاعب ومسابح للشباب، مؤكدا على ضرورة التقرب من الفئات الشبانية وجرد حاجياتهم، حيث ستكون عملية إحصاء السكان المقررة في سبتمبر القادم، فرصة للتعرف على النسيج الديموغرافي المحلي واحتياجاته من المشاريع التنموية. حرية المبادرة إطلاق العديد من الاستثمارات، يستطرد المتحدث، نجاحها مرهون بتكوين ومرافقة المنتخب المحلي، حيث قامت وزارة الداخلية والجماعات المحلية بدورتين تكوينيتين لصالح المنتخبين الجدد في مارس وجوان. وشمل التكوين عدة محاور أساسية متعلقة بتسيير الشأن العام للبلدية، أهمها المهام وصلاحيات البلدية، المالية المحلية، الصفقات العمومية، مخططات التنمية المحلية، الحالة المدنية والمنازعات، تسيير الموارد البشرية، تسيير المخاطر والوقاية منها، الاتصال المؤسساتي بأبعاده الثلاثة، الاتصال داخل البلدية، بين المنتخبين والاتصال مع المواطن، سواء كان فردا أو منظمات المجتمع المدني، والاتصال مابين الإدارات والمحيط المؤسساتي للبلدية، بالإضافة إلى مبادئ الديمقراطية التشاركية التي جاء بها دستور 2020، وطريقة إشراك المواطن في عملية اتخاذ القرار على المستوى المحلي. إلا أن تكوين المنتخب ليس كافيا لتحقيق التنمية المحلية والاقتصادية، المسطرة ضمن استراتيجية الدولة الرامية إلى تحقيق الانتعاش الاقتصادي. بل لابد من تعزيز هذا الإجراء بجملة من التعديلات التنظيمية والتشريعية، كان أهمها حدث السنة، المتمثل في قانون الاستثمار وما يحمله من مزايا وتحفيزات، تشجع المبادرة وتعيد الثقة للمستثمر. كما قوبل قرار رفع التجريم عن التسيير، بارتياح من طرف المسؤول الذي لطالما طاردته تهم الرسائل المجهولة. ويبقى الإفراج عن قانون البلدية الجديد، الذي بلغ مرحلة متطورة تقترب من المصادقة النهائية، خطوة مهمة تضاف إلى جملة الإجراءات التي اتخذتها الدولة من أجل تحقيق التنمية المحلية.