المعارض ستسمح لنا بإبراز قدراتنا الإنتاجية وفتح آفاق للتصدير    انطلاق الطبعة 2 لحملة التنظيف الكبرى للجزائر العاصمة    عودة الأجواء المستقرة والطقس الحار بداية من الغد    عدم شرعية الاتفاقيات التجارية المبرمة مع المغرب.. الجزائر ترحب بقرارات محكمة العدل الأوروبية    رئيس الجمهورية: الحوار الوطني سيكون نهاية 2025 وبداية 2026    العدوان الصهيوني على غزة: وقفة تضامنية لحركة البناء الوطني لإحياء صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته    للحكواتي الجزائري صديق ماحي..سلسلة من الحكايات الشعبية لاستعادة بطولات أبطال المقاومة    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: فيلم "ميسي بغداد" يفتتح المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة    البليدة..ضرورة رفع درجة الوعي بسرطان الثدي    سوق أهراس : الشروع في إنجاز مشاريع لحماية المدن من خطر الفيضانات    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يعود بعد 6 سنوات من الغياب.. الفيلم الروائي الجزائري "عين لحجر" يفتتح الطبعة ال12    الجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية : ندوة عن السينما ودورها في التعريف بالثورة التحريرية    الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف، مولودية قسنطينة ونجم التلاغمة في المطاردة    اثر التعادل الأخير أمام أولمبي الشلف.. إدارة مولودية وهران تفسخ عقد المدرب بوزيدي بالتراضي    رئيس جمهورية التوغو يهنئ رئيس الجمهورية على انتخابه لعهدة ثانية    رئيسة المفوضية الأوروبية تهنئ رئيس الجمهورية على انتخابه لعهدة ثانية    بيتكوفيتش يعلن القائمة النهائية المعنية بمواجهتي توغو : استدعاء إبراهيم مازا لأول مرة ..عودة بوعناني وغياب بلايلي    تيميمون: التأكيد على أهمية التعريف بإسهامات علماء الجزائر على المستوى العالمي    بداري يعاين بالمدية أول كاشف لحرائق الغابات عن بعد    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7 بإيطاليا: مراد يتحادث مع المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 41825 شهيدا    حوادث المرور: وفاة 4 أشخاص وإصابة 414 آخرين بجروح خلال ال48 ساعة الأخيرة    لن يغفر لنا أهل غزّة    شنقريحة يلتقي وزير الدفاع الإيطالي    يوم إعلامي لمرافقة المرأة الماكثة في البيت    مرسوم رئاسي يحدّد تشكيلة الهيئة    بلمهدي يشرف على إطلاق بوابة الخدمات الإلكترونية    لبنان تحت قصف العُدوان    البنك الدولي يشيد بالتحسّن الكبير    تنظيم مسابقة وطنية لأحسن مرافعة في الدفع بعدم الدستورية    إحداث جائزة الرئيس للباحث المُبتكر    أسماء بنت يزيد.. الصحابية المجاهدة    دفتيريا وملاريا سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل القاطنين    مجلس الأمن : الجزائر تعرب عن "قلقها العميق" إزاء التدمير المتعمد لخطي أنابيب الغاز نورد ستريم 1 و 2    الأمم المتحدة: نعمل "بشكل ثابت" لتهدئة الأوضاع الراهنة في لبنان وفلسطين    العدوان الصهيوني على لبنان: الاستجابة الإنسانية في لبنان تحتاج لجهود "جبارة"    سايحي: الشروع قريبا في تجهيز مستشفى 60 سرير بولاية إن قزام    بوغالي يشارك في تنصيب رئيسة المكسيك    الجزائر حاضرة في مؤتمر عمان    استئناف نشاط محطة الحامة    طبّي يؤكّد أهمية التكوين    افتتاح الطبعة ال12 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف, مولودية قسنطينة و نجم التلاغمة في المطاردة    صحة: تزويد المستشفيات بمخزون كبير من أدوية الملاريا تحسبا لأي طارئ    رابطة أبطال إفريقيا (مرحلة المجموعات-القرعة): مولودية الجزائر في المستوى الرابع و شباب بلوزداد في الثاني    الجزائر-البنك الدولي: الجزائر ملتزمة ببرنامج إصلاحات لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة    ديدوش يدعو المتعاملين المحليين للمساهمة في إنجاح موسم السياحة الصحراوية 2025/2024    طاقات متجددة : إنتاج حوالي 4 جيغاوات بحلول 2025    سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل قاطني المناطق التي شهدت حالات دفتيريا وملاريا بالجنوب    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    كأس افريقيا 2025: بيتكوفيتش يكشف عن قائمة ال26 لاعبا تحسبا للمواجهة المزدوجة مع الطوغو    توافد جمهور شبابي متعطش لمشاهدة نجوم المهرجان    منتخب الكيك بوكسينغ يتألق    هذا جديد سلطة حماية المعطيات    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واقع معرفيّ أم بهتان نقديّ؟!
نشر في الشعب يوم 14 - 09 - 2022

لم نجد ناقدا للأدب غربيا يتحدّث عن «التّجريب في الرّواية»، إلا وينسبه إلى إميل زولا، فهو الذي أصدر كتابا تحت عنوان: «الرّواية التّجريبية» عام 1880، ووضع فيه الأسس التي يعتمدها في كتابة روايته، بناء على ما استلهمه من عمل كلود بيرنار الموسوم بعنوان: «مدخل إلى دراسة الطبّ التجريبي»، فجاء كتاب زولا عبارة عن «بيان روائي»، يؤسّس للمذهب الطبيعي، ولقد أثار زولا وقتها نقاشا لا بأس به، واختلفت الآراء بين مناصر يعتقد بحصافة آراء زولا، ورافض لا يرى إمكانية للأدب كي يحقّق مطمحه في بلوغ الدّقة التي تتحقّق لمناهج العلوم الطبيعية.
أمّا «النّقد» بحاضنتنا العربية، فإنّه لا يترك مناسبة تمرّ دون أن «يمضغ» مفهوم «التجريب»، بل إن هذا المفهوم صار مركبا لكلّ روائي يأتي بالخطأ الشنيع في منتجه السّردي، فيدّعي أنّه «يجرّب» شيئا جديدا»، بمعنى «يختبره»، ليرى إن كان سيحظى بالقبول، مع أنّ الأعمال التي توكّأت على ذريعة التجريب، في مجملها، لا يمكن أن تأمل تحقيق إبداع يرقى إلى البروز على اللائحة الأجناسية ل «الرواية» في عمومها، ولقد تضاعفت أعباء هذا المفهوم مع الأعمال الأكاديمية الكثيرة التي تراكمت، والملتقيات التي انعقدت عبر كامل الأقطار العربية، ويكفي أن نشير إلى أن موقع «أطروحات جزائرية» وحده، يحتفظ بما يتجاوز ألف مذكرة ماستر، وأكثر من مائتين وتسعين أطروحة دكتوراه، إضافة إلى أعداد لا بأس بها من رسائل الماجيستير ومذكرات الليسانس، تتفق جميعها، مع أضعاف أضعافها من الكتب المنتشرة عبر المكتبات العربية بكل الأقطار، في التّوصل إلى وجود «التجريب» في الروايات التي تتناولها بالدّرس والتّحليل، مع أن هذه الرّوايات لا تمتّ بصلة إلى واقعية إميل زولا، ولا إلى طبيعيته، ولهذا، نرغب في إلقاء الضّوء على المفهوم ومؤسِّسَاته النّقدية، ونعالج سؤال: هل «التّجريب» – كما يدرس بالحاضنة العربية – حقيقة أم وهم نقدي؟!
عن الرّواية التّجريبية..
افتتح إميل زولا كتاب «الرّواية التّجريبية» بالحديث عن ضرورة تطبيق المنهج التجريبي على الأدب في عمومه، وقال إنّه تحدّث في كثير من أعماله عن أهميّة تحوّل الأدب إلى منطق العلم، بحكم أنّ «الطبيعية» هيمنت على الفكر الإنساني في زمانه، فالانسان الميتافيزقي – في حكم زولا – مات، ولم يتبق من مكان سوى للإنسان الفيزيولوجي، أما الأعمال الأدبية الكبرى السابقة تاريخيا، فإنّها ستبقى جميلة إلى الأبد، غير أنّ حاجة العصر ماسّة إلى تحليل العواطف التي شكّلت تلك الأعمال الجميلة، ما يعني أن النّظرة الجديدة (بداية من القرن التاسع عشر) تتوجّه إلى التّجربة، عوضا عن البقاء في حضن الفلسفة، فالمنهج التجريبي له كفاءته في الأدب، كمثل ما هي كفاءته في العلوم، ويمكن له أن يحلّل الظّواهر الطبيعية، الفردية والاجتماعية، وهذه ظواهر لم تمنحها الميتافيزيقا سوى شروحات لاعقلانية، أو شروحات متعالية عن الطبيعة.
ولم يكن زولا في حاجة إلى تحديد خطوات منهجه الإجرائية، فهذه قد تكفّل بوضعها كلود بيرنار الذي انتقل بالطّب من الممارسة الحدسيّة إلى الممارسة التجريبية (المخبرية)، ولم يكن على زولا سوى تكييف واقع الرّواية، كي يحدّد له مسوّغات «العلمية»، ويضع للعمل الأدبي ما يؤهّله كي يكون علميا خالصا، يتناول مختلف الظّواهربالدراسة، ولقد لاحظ أنّ الاشتغال على الرواية لا يخلو من ركنين هامين من أركان المنهج العلمي، وهما «الملاحظة» و»التجربة»، ف «الرّوائي» يلاحظ، ويؤسّس، وفق ما سجّل من ملاحظات للأرضية الصّلبة التي تسير عليها شخصياته، وتتطوّر بها مختلف الظّواهر، ثم يأتي دور «المجرّب» كي يحرّك الشّخصيّات في إطار الحتميّات التي تفرضها الظّواهر موضوع الدّراسة؛ ذلك أنّ «الرّوائي المجرّب» يبحث عن «حقيقة معيّنة»، ويختبرها كي يقدّمها لقارئه، وإن كانت لا تبلغ صدقيّة التجربة في «الكيمياء» مثلا.
ويحرص زولا على تنبيه الرّوائي إلى ضرورة «امتلاك آلية اشتغال الظّواهر عند الانسان» و»تبيين تجليات الفكر والعاطفة كما تشرحهما الفيزيولوجيا، تحت تأثير «علم الوراثة» والظروف المحيطة، ثم إظهار الإنسان في واقعه الاجتماعي المعيش الذي أنتجه هو نفسه، والذي يغيّره كل يوم، والذي يحس فيه بدوره بتغييرات متواصلة»، وهذا – وفق زولا – ما يسمح للرّوائي بأن يدعم «الفيزيولوجيا»، فيقدّم حلولا علمية للإشكاليات المطروحة، ويستوعب سلوك الإنسان حين يكون في المجتمع.
ولعلّنا لا نحتاج إلى التفصيل أكثر في موضوع يعود إلى نهايات القرن التاسع عشر، وقد يكون كافيا أن نقول مع إميل زولا إنّ «الرواية التجريبية هي نتيجة التطور العلمي الذي شهده القرن التاسع عشر، وهي مكملة للفيزيولوجيا التي تعتمد على الكيمياء والفيزياء، (وهذه الرّواية) تستبدل بدراسة الانسان المجرد، وبدارسة الانسان الميتافيزيقي، دراسة الانسان الطّبيعي الخاضع لقوانين فزيائية كيميائية، ويتحدّد بتأثيرات الوسط، وهي، أي الرواية التجريبية، تمثّل الأدب في عصر العلم، تماما مثلما كان الأدب الكلاسيكي والرّومانسي متوافقين مع «السكولائية» و»اللاهوت».
الأدب التّجريبي المحدث..
وهذا نقصد به ما استحدث بعد الرواية التجريبية، وهو طبعا لا يرتبط بأيّة علاقة مع الأسس التي وضعها إميل زولا، غير أنّه، في جانب ما، يمثّل «التجاوز» و»الابتكار» على المستوى الأجناسي، أو الإضافات المحتملة التي يقترحها كاتب أو فنان بعينه، ومنه ما خصّصت له مجلة Itinéraires (مسارات) العدد الثالث من موسم 2017-2018، وهو العدد الذي وصف فيه ميشال ميتايي (Michel Métayer) ما هو «تجريبي في الأدب» بأنّه «ما يُفهم منه أنّه شكل غير تقليدي، وغير قابل للتّصنيف، وفق نموذج أو نوع أو نمط (ويكون) محافظا على علاقة وثيقة بالأساليب التي تصطنع القطيعة، بغضّ النّظر عن الوسائل المستخدمة»، فيكون - بالتالي - عملا طلائعيا بالضرورة؛ وهو نفس ما تقول به ناتالي ماغترغايل (Magali Nachtergael) في تقديم عدد «مسارات»، حيث تذهب إلى أن الأدب التجريبي هو مرادف «الأدب الطلائعي» أو «المبتكر»، وهذا ما يحيلنا مباشرة إلى طبيعة «الإبداع في ذاته»، ويعود بنا إلى الفيلسوف البوركينابي محامدي سافاغودو (Mahamadé Savadogo) الذي أوضح أنّ «الإبداع» ينقسم إلى: «عادي»، و»ظاهر»، ف «الإبداع العادي» هو ما تدرج عليه الساحة عموما، ولا يمكن أن يختصّ به مبدع معيّن، والإضافات التي يقدّمها لا تكون لها أهميّة قصوى، بحكم أنّها متاحة ضمن النموذج العام، أما «الإبداع الظاهر» فهو ما تتجاوز قيمته حياة الفرد على المستوى التاريخي، كي تكون نموذجا مرجعيا لأجيال كثيرة من بعد المبدع الأول؛ ولهذا، لم تهتم مجلّة «مسارات» إلا بالأعمال التي توسّمت منها أنّها يمكن أن تكون طلائعية، وتؤسّس لمرجعيات جديدة ضمن المنظومة الأجناسية كلّها، مع اعتراف ماغتر غايل بأنّ الحديث عن «التجريب» قد يكون صعبا في الشعر والقصة والرّواية، وأنّه يختص ببعض الأنواع الشّكلية (شفاهية، رقمية وبصرية)، ولهذا اشتغلت كليمانتين هوغ (Clémentine Hougue) على «خلفيات المقطوعة في أغنية الروك»، واشتغلت ماري فوكي (Marie Fouquet) على الفوارق بين الأعمال الخيالية والنصوص التّشعبية، بينما اختار مارتان رانغو (Martin Ringot) دراسة التغيّرات التي طرأت في أثناء الانتقال من الأدب إلى ألعاب الفيديو، ليتحدّث عن طيف مفترض للسّرد التفاعلي، ودرس إيمانويل بولار (Emmanuelle Pelard) القصائد الرّقمية اللّمسية (Poésies numériques tactiles).
ويمكن لنا، بناء على ما سبق، أن نخلص إلى القول إنّ مفهوم «التجريب» في النقد الغربي، يبحث عمّا هو من الإبداع الظاهر، ولا ينشغل كثيرا بالإبداع العادي، لهذا لم يطرق الأنواع الكبرى للمنظومة الأجناسية الأدبية إلا من جانب التّغيرات العميقة التي استحدثتها التقنيات الجديدة، كمثل ما هي الحال مع ما يعرف ب «الرواية السّائلة» (Le Roman-Fleuve) في الواقع الرقمي الحديث.
التّجريب في النّقد العربي..
ليس من عمل نقدي عربي يشتغل على ما يسمى «التجريب» إلا ويستقي من مقولة صلاح فضل: «التجريب قرين الإبداع»، غير أنّ الأعمال كلّها لا تجد حاجة في شرح مفهوم «الإبداع»، وإنّما تحتفظ به على أساس أنّه «واضح بالضرورة»، على عكس ما سبق وقدّمنا عند سافاغودو، وعلى هذا، يجترح الناقد العربي مجموعة من المفاهيم غير الواضحة، كي يؤسّس لما هو غير واضح أصلا، فيتوهّم أنّه جاء ب «رؤية جديدة» تتجاوز ما راكم الجهد الإنساني في هذا الجنس الأدبي منذ عهد فرانسوا رابليه وميغيل دي سيرفانتيس، ف «التجريب» – كما يلخّصه خليفة غيلوفي – هو «الخروج عن السّائد ورفض التقاليد والقواعد المستقرة».
وقد يكون كافيا أن نتوقف عن التعريف الذي قدّمه غيلوفي، لنتساءل: ماذا يمكن أن يضيف «الخروج عن السائد» و»رفض التقاليد والقواعد المستقرة» إلى جنس أدبي هو في أصله – كما يصفه ميخائيل باختين – جنس غير مكتمل؟! ألا يمكن أن نرى في مقولة باختين أن كل اجتهاد في «الرّواية» يبقى اجتهادا داخل الطبيعة الأجناسية للرواية، وليس إضافة لها؟! وإذا قدّرنا مع صلاح فضل أن «التجريب» ليس سوى قرين للإبداع، فهل يمكن أن تقدم الساحة العربية التي أنتجت روايتها الأولى في القرن التاسع عشر (إن صدّقنا النقاد الذين ينتصرون لرواية «غابة الحق» لفرانسيس مراش، الصادرة عام 1865)، أو بدايات القرن العشرين (إن صدّقنا النقاد الذين يميلون إلى رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل، الصادرة عام 1914)..قلنا..هل يمكن أن تقدم الساحة العربية إضافة لها أهميتها إلى هذا الجنس الأدبي؟! ما هي التقنيات التي استحدثها الروائي العربي، ولم تطرقها الرواية في بقية العالم؟!
على كلّ حال..كل ما يطرح النّقاد العرب حول «التجريب المفترض» في «الرّواية العربية» لا يتجاوز ما وصفه غيلوفي في أعمال جرجي زيدان، فهو يرى أن صاحب الرّوايات التاريخية، استخدم «جملة من التقنيات المستحدثة (منها) تقديم الحكاية في إطار قصة حبّ تمتزج فيها النزعة الرومانسية الساذجة بالاهتمام برسم الشخصيات والتركيز على المسائل التفصيلية»، وهذا لا نرى فيه شيئا استحدثه زيدان، وإنّما هو ما درجت عليه «الرواية» بأنواعها في باقي اللّغات التي سبقت، تاريخيا، إلى هذا الجنس الأدبي.
وهناك في النّقاد من يرى في استغلال «التراث» نوعا مفترضا من «التّجريب»، ولو فرضنا جدلا أن هذا «الاستغلال» يصلح ليكون تجريبا، فإنه يختص بأوّل من خطرت الفكرة على باله فقط، فاستغل التّراث، ولا يصلح أبدا القول بأن كل من يقحم (لونجة بنت الغول) – على سبيل المثال – في رواية، يكون مجرّبا..هكذا يصبح «التجريب» مجرّد عبث، وهو لا يقترب من تجريب زولا الواضح، ولا من تجريب المحدثين المرتبط حصرا بالجديد الذي استحدثته الرقمنة.
مشكلة النّقد العربي..
ويبدو لنا أنّ مشكلة النقد العربي مع «التجريب»، (ومع مفاهيم أخرى كثيرة تقتحم الدراسات العربية دون خلفيات معرفية واضحة)، هي اعتبار المادة الأدبية العربية، ومنظومتها الأجناسية، جزيرة متفرّدة، لا ترتبط بأيّة علاقة مع المنظومة الأجناسية على المستوى الإنساني، فيبدو الناقد الأدبي العربي وكأنه يكتشف الأوكسيجين من جديد، ومن ذلك قول غيلوفي: «كانت هذه الروايات، وهي تعلن ميلاد جنس أدبي جديد في الأدب العربي...إلخ»، والواقع أن الروايات التي نسميها «عربية» بحكم اللغة وليس بحكم الطبيعة الأجناسية، لم تعلن ميلاد جنس جديد، وإنما أعلنت عن اكتمال سيرورة انتقال تاريخية نحو الرواية، ف «الرواية» ليست عربية ولا فرنسية ولا صينية، إلا بحكم اللغة التي تكتب بها، وهي في المنظومة الأجناسية «رواية» فقط، وتعتمد، في كلّ اللّغات، على نفس التقنيات والإجراءات السردية التي تحدّد طابعها الأجناسي، وطبيعتها غير المكتملة التي تستوعب كثيرا من الأنواع.
وعلى هذا، نرى أن «التجريب»، كما قدّمه صلاح فضل، وغيره كثيرون من النّقاد العرب، ليس سوى وهم نقدي عربي، لا يختلف عن باقي الأوهام التي اصطنعت مفاهيم لا وجود لها، ومع ذلك تأسّست عليها قراءات أنتجت الوهم هي الأخرى، وهي في مجملها، لا تمت للنقد، باعتباره مادة إنسانية، بأيّة صلة..
أما الإبداع الظاهر، كما عرّفه سافاغودو، فهذا يحتاج إلى إنتاج فلسفي يمتلك من العمق ما يمنحه القدرة على الإضافة التي يحتاجها الصّرح الإنساني، وهذا – في رأينا – مستبعد عن واقعنا المعيش، وعن روايتنا التي لا تتطور إلاّ بأثر رجعيّ في التاريخ.
للمقال مراجع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.