تتميز أعمال الفنانة التونسية مريم بن حسن بفلسفة عميقة تتجرد من خلالها مبادئ المنمنمة الإسلامية ممزوجة بخصائص هويتها التونسية. وتضفي عليها الروح الفنية الخالصة لتجعل قيمتها حية لروحي التسامح والانفتاح في تشخيص الواقع بأدوات تعبيرية تتماثل مع الحدث المحسوس الذي يدخل في تصنيف الحياة الفنية والمفردات التشكيلية التي توظفها لتصبح لغة جمالية يتفنن المتأمل فيها في قراءة مضامينها الروحية. أحيت مدرسة المنمنمات الإسلامية التونسية وجودها المعاصر، وعادت تنتزع حضورها دون تردد عبر المهرجان الثقافي الدولي للمنمنمات والزخرفة الذي احتضنته مدينة تلمسان مؤخرا. فالجزائر التي أسّس فيها الراحل محمد راسم هذا الفن ورسخه بكل شمال إفريقيا، وأصبح يدرس وتدرس طريقته في بعض دول الشرق الأوسط مثل الأردن، أضحت تحتل مكانة مرموقة بين الدول العريقة المشاركة في المهرجانات الخاصة بفن المنمنمة والزخرفة الإسلامية. قدمت هذه الفنانة نتاجها الفني المتألق بين قيمته التاريخية وقيمته الجمالية القادرة على فتح رؤية معاصرة على تراث فني قديم وبإمضائها، حيث حاولت أن تقدم الموروث التونسي بمفردات تشكيلية حية لتبلغ به مضامينه الفنية التي لا تضيع رغم التناقضات الفنية التي يحملها العالم في العصر الحالي والذي لن يسمح باندثار هذا الموروث الفني الغني بفسيفساء فنية دائمة، وتتعالى القيمة الجمالية لمنمنمة تونسية تبعث وجودها من جديد، بقدرات تقنية فائقة الدقة في توظيف الاشتقاقات اللونية، ليبدو اللون هذا الكائن الذي تزدان به الأشكال التراثية البراقة بملامحها التقليدية. وقبل أن يأخذ الحدث واقعيته بدلالة رمزية جسدتها الفنانة مريم في إضفاء مواصفات العمارة الإسلامية ببناءات حددتها مبادئ المنظور الهندسي، لتعطي للمنمنمة أبعاد شكلها المتكامل . بجرأة إبداعية استطاعت الفنانة مريم أن تجسد الشخصية التونسية من خلال أعمالها وكل التناقضات التي تميزها لتعيد اكتشافها بكل خصائصها بكل ما تحمله من إبداعات باستعمال كل الأدوات التعبيرية الفنية من رموز ودلالات. وكأنها تعيد قراءة التاريخ عبر إحياء الموروث القادر على انتزاع حضوره المعاصر. عندما تقتحم مريم بن حسن الأماكن المغلقة بأبواب مقفلة تكشف عن تفاصيل عالم داخلي، يحكمه قانون اجتماعي داخلي، يجسد نصوص التقاليد الإنسانية المتوارثة وفق طقوسها الدينية والدنيوية، وبعادات شعبية متعارفة، لم تقطع صلتها بماضيها، حرص التونسي على ممارستها في حياته الحديثة ومناسباته المختلفة كما في منمنمة ليلة الزفاف التي يبدو فيها العريسان وهما في أعلى درجات الحياء في غرفة بوركت بآية قرآنية من آيات الذكر الحكيم، وزينت بأثاث تقليدي يلتقي مع لباسهما التقليدي التونسي، حيث يرتدي العريس ''شاشيته'' التي تعتلي رأسه و الجبة المطرزة بألوان ذهبية وفضية، بينما ترتدي العروسة التي تفيض جمالا بملامحها الثنية، قفطانا منقوشا بأشكال بيئتها المحلية. هي قيمة فنية تحمل بين طياتها روح إبداعية لا تنقطع صلتها بالموروث الثقافي الخاص بالمنطقة فتعطي من خلال أعمالها نظرة جمالية طاغية على الفعل الفني الممزوج بتقنيات عالية المستوى. من جانب آخر، أضحى للتراث في ريشة مريم بن حسن دلالة مستمدة من طبيعة البلد الذي عانى من بطش الاستعمار الفرنسي والذي عمل على طمس الهوية الوطنية، وسعى من أجل إغلاق مسار التواصل بين الشعب لتكريس نظرته الزائفة أن لا تاريخ ولا فكر و لا حضارة للإفريقي'' فهو القاصر دوما عن انجاز فعل إبداعي . فحرصت هذه الفنانة في انجاز فعلها الإبداعي المقاوم لنزعة إلغاء الهوية المتجدد في عصر العولمة إلى إعلاء الخصوصية القومية و إحياء أصالة التراث الفني الإسلامي، ليبقى حيا في خارطة الحركة التشكيلية العالمية المعاصرة وجزءا لا يتجزأ منها، على خطى الفنان محمد راسم الجزائري ورسام المنمنمات العباسي محمود يحيى الواسطي، رغبة منها في بعث التراث بإحياء وعي القيمة الجمالية لحدث تونسي تاريخي ألقى في طريق مسيرته بذورا حضارية لا تنتهي فاعليتها الفنية.