قراءة قانونية دستورية - تشريعية أعلن وزير الخارجية الأمريكي «أنطوني بلينكن»، في بيان نشر في 2 ديسمبر 2022: أنّ «واشنطن أدرجت الجزائر على قائمة المراقبة للدول التي تمارس انتهاكات جسيمة للحريات الدينية». وجاء الرّد هذه المرة من قبل وزير الشؤون الدينية يوسف بلمهدي، بمعية ممثلي الكنائس المعتمدة في الجزائر، بدل وزارة الخارجية، كما جرت العادة من قبل. وقد أكّد الوزير أنّ التقارير التي تنتقد حرية الاعتقاد والممارسة الدينية في الجزائر التي يكرسها الدستور، تستند على معلومات غير دقيقة، وأنّ الجزائر لم تغلق أي كنيسة كما تمّ إشاعته، بل قامت بغلق محلات غير مؤهلة لكي تكون كنائس تمارس فيها العبادة تطبيقا للقوانين الوطنية التي تسري أيضا على المدارس القرآنية والمساجد غير المؤهلة ليتم ممارسة الشعائر فيها. نحاول في هذا المقال التطرق إلى الجانب الدستوري والتشريعي والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، التي لها علاقة بموضوع ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، فيما قد نعالج لاحقا في مقال مستقل الجانب الدستوري والتشريعي والتنظيمي لممارسة الشعائر الإسلامية في الجزائر. 1- الحرية الدينية في الدساتير الجزائرية بادئ ذي بدء، نشير أنّ بيان أول نوفمبر أقرّ إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية، وأكّد في نفس الوقت على احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني. وقد جسّدت كل الدساتير الجزائرية هذه المرجعية النوفمبرية في نصوصها. هكذا أقرّ دستور 1963 في ديباجته أنّ: «الإسلام واللغة العربية قد كانا، ولا يزال كل منهما، قوة فعالة في الصمود ضد المحاولة التي قام بها النظام الاستعماري لتجريد الجزائريين من شخصيتهم. فيتعين على الجزائر التأكيد بأنّ اللغة العربية هي اللغة القومية الرسمية لها، وأنها تستمد طاقتها الروحية الأساسية من دين الإسلام، بيد أنّ الجمهورية تضمن حرية ممارسة الأديان لكل فرد واحترام آرائه ومعتقداته». كما جاء في المادة الرابعة من نفس الدستور، أنّ: «الإسلام دين الدولة، وتضمن لكل فرد احترام آرائه ومعتقداته وحرية ممارسة الأديان». دستور 1976، نص هو الآخر في المادة 2 على أنّ «الإسلام دين الدولة»؛ فيما أكّد في المادة 53 على أنّ «لا مساس بحرية المعتقد ولا بحرية الرأي». على نفس الوتيرة سار دستور 1989، الذي أشّر في المادة 2 على أنّ «الإسلام دين الدولة»، وفي المادة 35 «لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الرأي». وحافظ دستور 1996 على المبدأين في المادتين 2 و36، فيما أضاف دستور 2016 إلى جانب «الإسلام دين الدولة» في المادة 2، «حرية ممارسة العبادة مضمونة في ظل احترام القانون»، إلى جانب «لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الرأي»، وذلك في المادة 42. أخيرا، نص دستور 2020 على أنّ «الإسلام دين الدولة» في المادة 2 وعلى أن «لا مساس بحرمة حرية الرأي، وأن حرية ممارسة العبادات مضمونة وتمارس في إطار احترام القانون، وتضمن الدولة حماية أماكن العبادة من أي تأثير سياسي أو إيديولوجي»، وذلك في المادة 51. 2- أمر رقم 06-03 المؤرخ في 28 فبراير 2006، يحدد شروط وقواعد ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين. 2-1 المبادئ العامة للقانون جاء هذا القانون (ج.ر عدد 12) ليسد فراغا تشريعيا فيما يخص ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، خاصة بعد تكاثر الكنائس غير الشرعية التي تنتمي في أغلبها إلى المذهب البروتستانتي. يؤكد الأمر أنّ الدولة الجزائرية تدين بالإسلام، وأنها تضمن ممارسة الشعائر الدينية في إطار أحكام الدستور وأحكام هذا الأمر والقوانين والتنظيمات سارية المفعول واحترام النظام العام والآداب العامة وحقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية. كما تضمن الدولة التسامح والاحترام بين مختلف الديانات، وتضمن حماية الجمعيات الدينية لغير المسلمين، ويحظر استعمال الانتماء الديني كأساس للتمييز ضد أي شخص أو جماعة. 2-2 مهام وتشكيل اللجنة الوطنية للشعائر الدينية أما عن شروط ممارسة الشعائر الدينية، فيخضع تخصيص أي بناية لممارسة الشعائر الدينية للرأي المسبق من قبل اللجنة الوطنية للشعائر الدينية التي يرأسها وزير الشؤون الدينية. وتتشكل اللجنة حسب المرسوم التنفيذي رقم 07-158 المؤرخ في 27 مايو 2007 (ج.ر عدد 36)، من ممثل وزير الدفاع الوطني، وممثل وزير الداخلية والجماعات المحلية وممثل وزير الشؤون الخارجية، وممثل المديرية العامة للأمن الوطني، وممثل قيادة الدرك الوطني، وممثل اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها. ويمكن للجنة استدعاء ممثل أي ديانة ترى ضرورة في حضوره. وتسهر اللجنة على احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية، والتكفل بالشؤون والانشغالات المتعلقة بممارسة الشعائر الدينية وإبداء رأي مسبق لاعتماد الجمعيات ذات الطابع الديني. 2-3 تسيير دور العبادة والشعائر الدينية تمنع ممارسة أي نشاط داخل الأماكن المخصصة لممارسة الشعائر الدينية يتعارض مع طبيعتها ومع الأغراض التي وجدت من أجلها. كما تخضع البنايات المخصصة لممارسة الشعائر الدينية للإحصاء من طرف الدولة، وتستفيد من حمايتها. وتنظم هذه الشعائر من قبل جمعيات ذات طابع ديني، يخضع إنشاؤها واعتمادها وعملها لأحكام هذا الأمر والتشريع ساري المفعول. كما تتم الممارسة الجماعية للشعائر الدينية في البنايات المخصصة لذلك دون غيرها وتكون عامة وظاهرة المعالم من الخارج. وتخضع التظاهرات الدينية التي تتم داخل البناية وتكون عامة وتخضع إلى تصريح مسبق. 2-4 الأحكام الجزائية يضم القانون أحكاما جزائية تتمثل فيما يلي: - يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 250.000 دج إلى 500.000 دج كل من يلقي خطابا أو يعلق أو يوزع مناشير في أماكن العبادة أو يستعمل أي دعائم سمعية بصرية تتضمن تحريضا على عدم تطبيق القوانين أو قرارات السلطات العمومية أو ترمي إلى تحريض فئة من المواطنين على العصيان، دون الإخلال بعقوبات أشد إذا ما حقق التحريض أثره. وتكون العقوبة الحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبغرامة من 500.000 دج إلى 1000.000 دج إذا كان مرتكب الجريمة رجل دين. - يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 500.000 دج إلى 1000.000 دج كل من يحرض أو يستعمل وسائل إغراء لحمل مسلم على تغيير دينه أو يستعمل من أجل ذلك المؤسسات التعليمية أو التربوية أو الاستشفائية أو الاجتماعية أو الثقافية أو مؤسسات التكوين أو أي مؤسسة أخرى أو أي وسيلة مالية ما. كما تطبق نفس العقوبة على كل من يقوم بإنتاج أو تخزين أو توزيع وثائق مطبوعة أو أشرطة سمعية بصرية أو أي دعامة أو وسيلة أخرى بقصد زعزعة إيمان المسلم؛ - يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 100.000 دج إلى 300.000 دج كل من يجمع التبرعات أو يقبل الهبات دون ترخيص من السلطات المؤهلة قانونا؛ - يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 100.000 دج إلى 300.000 دج كل من يمارس الشعائر الدينية أو ينظم تظاهرة دينية خلافا لأحكام هذا القانون؛ أو يؤدي خطبة داخل البنايات المعدة لممارسة الشعائر الدينية دون أن يكون معينا أو معتمدا أو مرخصا له من طرف سلطته الدينية المختصة المعتمدة في التراب الوطني وكذا من قبل السلطات الجزائرية المختصة؛ - يمكن الجهة القضائية المختصة أن تمنع الأجنبي الذي حكم عليه بسبب ارتكابه إحدى الجرائم المنصوص عليها إما نهائيا أو لمدة لا تقل عن عشر سنوات. ويترتب على المنع من الإقامة طرد الشخص المدان بقوة القانون خارج الإقليم الوطني، بعد قضائه مدة العقوبة السالبة للحرية. - يعاقب الشخص المعنوي (مثل الجمعيات الدينية) الذي ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، بغرامة لا يمكن أن تقل عن أربع مرات الحد الأقصى للغرامة المنصوص عليها في هذا القانون للشخص الطبيعي الذي ارتكب نفس الجريمة، وبعقوبة أو بأكثر من العقوبات الآتية: مصادرة الوسائل والمعدات التي استعملت في ارتكاب الجريمة، والمنع من ممارسة الشعائر الدينية أو أي نشاط ديني داخل المحل المعني، والحل القانوني للشخص المعنوي أي إلغاء الاعتماد. 3- قانون الوظيف العمومي وقانون الانتخابات وقانون الجنسية لا يشترط الأمر رقم 06-03 المؤرخ في 15 جويلية 2006، (ج.ر عدد 46) المتضمن القانون الأساسي للوظيفة العمومية، شرط الديانة للالتحاق بالوظائف العمومية. اكتفى بشروط تتعلق بالجنسية الجزائرية دون أن تكون أصلية، والتمتع بالحقوق المدنية، وعدم وجود ملاحظات في شهادة السوابق العدلية تتنافى وممارسة الوظيفة العمومية، والوضعية القانونية تجاه الخدمة الوطنية، وشروط السن والمؤهلات البدنية والعلمية. على نفس المنوال سار الأمر رقم 70-86 المؤرخ في 15 ديسمبر 1970، يتضمن قانون الجنسية الجزائرية (ج.ر عدد 105) والمعدل في 2005 (ج.ر عدد 43). لم يشترط هذا القانون شرط الديانة للحصول سواء على الجنسية الأصلية أو المكتسبة، وهو ما يفسر وجود مواطنين جزائريين مسيحيين ولو أن نسبتهم ضعيفة قياسا لمجموع السكان. أما فيما يتعلق بالمناصب السياسية، فقراءة سريعة لأحكام دستور 2020 (المادتان 87 و134)، وقانون الانتخابات (المادة 249 من الأمر رقم 21-01 المؤرخ في 10 مارس 2021 ج.ر عدد 17)، تبين أنه بخلاف رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الأمة اللذين يجب أن تكون ديانتهما الإسلام، فإنّ باقي المناصب السياسية من أعضاء المجالس البلدية والولائية ونواب المجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس الأمة ورئيس الحكومة والوزراء، لا يشترط فيهم الديانة الإسلامية.
4- الاتفاقيات الدولية صادقت الجزائر على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تتضمن أحكامها الحريات الدينية نذكرها فيما يلي: - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، المعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي وافق عليه دستور 1963، وأشرّت عليه ديباجة دستور 2020. - الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب المعتمد من قبل مجلس الرؤساء الأفارقة في دورته العادية رقم 18 بنيروبي في يونيو من سنة 1981. - العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي انضمت إليه الجزائر بمقتضى المرسوم الرئاسي رقم 89-64 المؤرخ في 16 مايو 1989؛ - إعلان القاهرة لحقوق الإنسان المعتمد من قبل مجلس وزراء خارجية منظمة مؤتمر العالم الإسلامي في 5 أغسطس 1990؛ - الميثاق العربي لحقوق الإنسان المعتمد من قبل القمة العربية السادسة عشرة التي استضافتها تونس في مايو 2004.