مراقبة الأسعار وحماية المستهلك في قلب دفتر شروط الاستيراد بعد أن عرف ملف السيارات في الجزائر شدا وجذبا في ظل وقف واردات المركبات الجديدة منذ عام 2017 والمستعملة منذ 2006، يتوقع حل المشكل في العام 2023، بعدما عملت السلطات العمومية على مدى سنوات على وضع إستراتيجية فعالة، بغية إقامة صناعة وطنية حقيقية للمركبات بالجزائر، إضافة إلى وضع رؤية استيراد محكمة يكون الهدف منها تغطية حاجة السوق الوطنية، على أساس حماية المستهلك الذي يحتاج لضمانات كافية للحصول على طلبيته، من تغوّل المستوردين أو أصحاب الوكالات بشكل سريع ومنصف. شكل ملف السيارات والمركبات عامة، الشغل الشاغل للجزائريين طيلة السنة، مع تنامي أسعار السيارات المستعملة التي بلغت أسعارا خيالية، تفوقت على أسعارها وهي جديدة، ولأن القضية لم تكن تحتمل التأجيل، فقد حسم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الجدل بقرار تصنيع واستيراد السيارات وفق دفتر شروط يحمي مسار التصنيع المنشود، بحيث لا تبقى الجزائر سوقا لتصريف منتجات أجنبية فقط، بل تكون طرفا في التصنيع من خلال تشييد المصانع وتأهيل اليد العاملة، وتجسيد توجه المناولة، على أن تكون مركزا للإنتاج في ظل الإستراتيجية الوطنية التي تريد "الجزائر الجديدة" أن تكون فيها قطبا تجاريا منتجا وناشطا بإزاء الأسواق الإفريقية خاصة، والعالمية عامة. وسمحت الجزائر، من خلال مجلس وزراء استثنائي عُقد أكتوبر الماضي، في أثناء دراسة قانون مالية 2023، للمواطنين بأن يستوردوا فرادى، وللاستعمال الشخصي، سيارات نفعية، كما سمحت السلطات للمصنعين الذين يندمجون في مسار التصنيع عمليا بإمكانية عرض منتجاتهم في السوق الوطنية بداية من عام 2023، عبر صيغة الاستيراد، كما جرى تقديم دفتر شروط استيراد السيارات الذي جاء في مضمونه ومراميه ليؤسس لرؤية جديدة يكون فيها المستهلك والاقتصاد الوطني أساسها الأساس، من خلال حمايته من كل أشكال التلاعب والاحتيال، وحماية حقوق المواطنين التعاقدية مع الوكلاء المحترفين بشكل رادع، بحيث يتم تقديم خدمات تقضي على الممارسات السابقة، من استغلال حاجة المواطن الملحة إلى سيارة أو مركبة، لفرض أساليب وطرق منافية للقانون مقابل توفيرها له، بحيث تصبح التعاملات مضبوطة بقواعد قانونية يتحمل كل منتهك لضوابطها مسؤوليته أمام سلطة الترخيص التي تملك حق التجديد أو إلغاء الترخيص، بناء على الالتزام أو الإخلال بالصيغة التعاقدية. لقد بنت الجزائر رؤية التصنيع التي كانت تنضج في صمت ، بحيث كللت جهود الرئيس تبون خلال زيارته لإيطاليا بالتوافق مع الأطراف الإيطالية التي وجدت نفسها بحكم التحولات الجيوسياسية دوليا، أمام صديق استراتيجي قادر على تزويد الأطراف المتعاونة معه بالمدد الطاقوي، ونجحت بذلك كل من روماوالجزائر في تحقيق تبادل مصالح وفق مبدإ "رابح – رابح"، بحيث تقدم مجمع "ستيلانتيس" الذي يضم شركات فرنسية وإيطالية وأمريكية. وشرع المتعامل الإيطالي في تجسيد مشروعه عمليا بعلامة "فيات" في منطقة طفراوي بولاية وهران، وكلل ذلك باتفاقية مع وزارة التكوين والتعليم المهنيين، لتكوين عمال مهنيين للمصنع الجزائري، الذي سيكون ملزما بنسبة إدماج تصل ل40 بالمائة خلال ال5 سنوات الأولى، من خلال المناولة التي يعول عليها في رفع نسبة إدماج الصناعة المحلية للمركبات بالجزائر. أرضية مثلى للتصنيع.. وفي سياق تأسيس أرضية مثلى للتصنيع، أعلنت وزارة الصناعة عن مشروع لتأسيس مجمع وطني لصناعة السيارات محليا يضم حوالي 42 مؤسسة من الشركات المصادرة، بحيث يخول له التفاوض مع الشركات العالمية على سبل الاستثمار في قطاع تصنيع المركبات محليا، وفق قانون الاستثمار الجديد، وآليات الاستثمار الجديدة التي أقرتها الجزائر، ومنها الوكالة الوطنية للاستثمار التي أضحت شباكا وحيدا يستقبل الملفات ويعالجها على مستوى دائرته، بغية إقامة صناعة وطنية متينة في مجال السيارات، ووسط زيارات ولقاءات لوزراء وكتاب دولة ومنتدبين للصناعة والعلاقات الخارجية ومدراء مجمعات صناعية كبرى للسيارات مثل "فولسفاغن"، حيث تم الكشف عن رغبة أربع مجمعات عالمية كبرى لصناعة السيارات، الاستثمار في الجزائر على ضوء التحفيزات والخيارات الجديدة التي أعلنتها الجزائر. ووفق رؤية الخبير الاقتصادي، الدكتور عبد الرحمان هادف، في تصريح ل«الشعب"، فان سنة 2022، كانت حافلة بإجراءات وإصلاحات تصب في طريق توجه التحول الاقتصادي وطبيعة النموذج التنموي المتبع الذي يمكن أن يسمح للجزائر بتثمين واستغلال كل المقومات والثروات الموجودة محليا. روافد الإقلاع الصناعي.. ومن بين الملفات التي عولجت في هذا العام، ملف الصناعات الميكانيكية عموما، والمركبات خصوصا، من خلال إصدار دفتر الشروط الخاص بصناعة السيارات ووكالات استيراد السيارات، وبالتالي فان الجزائر تعول على هذه الشعبة - حسب هادف – من أجل إعادة بعث القطاع الصناعي؛ لأنها تعتبر القطاع الذي يمكن أن يصبح قاطرة في مجال النمو، مع دعوة رئيس الجمهورية إلى ضرورة مساهمة القطاع الصناعي بنسبة نمو تصل ل15 بالمائة من الناتج الخام المحلي، وبالتالي هناك تحدّ كبيرا يمكن الصناعة الميكانيكية أن تصبح أحد روافد الإقلاع الصناعي. ومن هنا، تأتي النظرة الجديدة في هذه المجال يقول محدّثنا - خاصة وأنه كانت هناك تجربة بسلبياتها وايجابياتها جعلت الجزائر تستخلص الدروس وقررت أن تبعث الشعبة على أسس جديدة، من خلال ضرورة التعاقد مع الشركات المصنعة مثل مجمع "ستلانتيس" من خلال علامة "فيات" التي يوجد توافق على أن تصبح كأول ماركة مسجلة في هذا المجال بالجزائر، بحيث سيكون هناك عمل على الرفع من مستوى الاندماج في هاته الصناعة من خلال الذهاب إلى تثمين الثروات الموجودة في الجزائر، وهذا يمر عبر تشجيع توجه استحداث مؤسسات صغيرة ومتوسطة في مجال المناولة التي تعتبر مدخلا للصناعة الميكانيكية والسيارات بصفة خاصة. إقامة صناعة حقيقة.. وأضاف هادف أن هذا التوجه يتماشى مع النظرة الشاملة، من خلال مدخلات الصناعات المنجمية كتحويل الحديد، ومدخلات الصناعة البتروكيماوية، إضافة إلى مدخلات اقتصاد المعرفة والتكنولوجيات الرقمية، بحيث أن كل هؤلاء يمكنهم المساهمة في تحقيق توجه إقامة صناعة حقيقة وليس فقط نشاط تركيب السيارات، بحيث يتم العمل حاليا من خلال مسألة إعادة تنظيم النسيج المؤسساتي، وخاصة ما يتعلق ببورصة المناولات الموجودة تحت وصاية وزارة الصناعة التي هي مطالبة اليوم بإعادة تنظيم المؤسسات التي سترافق الشركات الكبرى المصنعة، وهنا أيضا على الوكالات مثل لوكالة الوطنية لتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والوكالة الوطنية لدعم وتطوير المقاولاتية، وبورصة المناولة، العمل مع بعض في توجه واحد لاستنساخ التجارب الناجحة عبر العالم، بحيث انه من المفروض على هاته الهياكل انها وضعت برنامج لإبرام الشراكات مع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل مع العلامات الكبرى مثل "فيات" بحيث يتم إبرام شراكات مع مؤسسات صغيرة ومتوسطة والتي تعمل في إيطاليا مع علامة "فيات" أو حول مصانع "فيات" حول العالم وهو إجراء عملياتي، ونفس الشيء بالنسبة للمؤسسات الموجودة في الجزائر اليوم التي هي بحاجة لتأهيل نوعي من خلال التكوين والأدوات الإنتاجية والآلات حيث يجب اليوم أن تعمل على تحسين هذا الأداء لان الأمر يتعلق بالتنافسية والجودة والنوعية. وحسب المتحدث، فإنه وفي ظل التوجه الجديد، يجب إدراج رؤى استشرافية في تكنولوجية صناعة السيارات؛ وكما يعلم الجميع يضيف هادف - فان هذه الصناعة تعرف تغيّرا جذريا في النمط الذي ترتكز عليه اليوم، بحيث أصبحت السيارة حاسوبا حقيقيا ذا أربع عجلات، وليست مثلما كانت من قبل، وبالتالي، هناك السيارة الكهربائية، وهو ما يستلزم تطوير صناعات خاصة في مجال البطاريات، ومجال الحاسوب المركب الذي يدمج في تركيب السيارة، وهي كلها أمر يجب إدراجه في التوجه الجديد من أجل بعث صناعة حقيقية. وفي نفس الوقت - يضيف هادف - يجب التفكير والاستجابة للسوق الجزائري، وهنا يأتي دور وكلاء السيارات، بحيث ستكون المرحلة الأولى للاستيراد والاستجابة لطلب السوق، ولكن يجب اليوم أيضا التفكير في الذهاب للأسواق الإقليمية وخاصة الإفريقية، وبالتالي يجب إدراج هذا التوجه الجديد في هذا النوع من الصناعة لأنها على الأمدين المتوسط والبعيد سوف تصبح الجزائر منصة لهذا النوع من الصناعات، كما يمكن أن تصبح من أهم أقطاب التصدير السيارات إذا تم وضع كل الظروف المناسبة لإنجاح هذا المشروع لان الجزائر اليوم لديها ميزات تنافسية عديدة، في مجال الطاقة التي أصبحت اليوم تحدد توجهات الاستثمارات الأجنبية في العالم، والموارد البشرية بحيث تتوفر الجزائر على كفاءات شابة يمكن أن تتحول بسرعة لحلقة فعالة في هذه الصناعة، بحيث أن كل هذه الأشياء في صالح الجزائر ويمكن أن تضفي الميزة التنافسية وتسمح بجلب الاستثمارات اللازمة في هذا المحال.