قفزة في حجم الإنتاج على المديين القصير والمتوسّط لا يختلف اثنان حول امتلاك الجزائر اليوم لرؤية اقتصادية استشرافية ناجعة في مختلف الميادين والمجالات لاسيما في تخصّصها الطاقوي، إذ أطلقت الشركة العملاقة «سوناطراك « موازنة طموحة تتناسب ومبادئ المؤسسة الاقتصادية التي تبحث دائما عن مكاسب في السوق واستغلال الفرص لمضاعفة الأرباح، وما تخصيص 75 بالمئة من ميزانية المخطّط الخماسي للاستثمار الخاص بسوناطراك (2023 2027)، المقدر ب 40 مليار دولار للاستكشاف والإنتاج، إلاّ دليل على عزم عملاق الطاقة الجزائري تحقيق قفزة في حجم الإنتاج على المدى القصير والمتوسّط لمقارعة عمالقة الطاقة عالميا. تحظى شركة «سوناطراك» بمكانة هامة عبر العالم الاقتصادي بمساهمات وشراكات وفروع محلية ودولية بلغ عددها 41 فرعا، من شأنها تعزيز وجود المجمع وتقوية وضعه المالي. وتحتل «سوناطراك» المرتبة 12 في التقرير الدولي لأفضل شركة نفطية بالعالم، كما يملك عملاق النفط الجزائري مكانة محترمة في سوق الطاقة الدولية بالنسبة للإنتاج من خام النفط، ووفقا لمستوى الإنتاج المرجعي المتفق عليه ضمن خطة «أوبك+» لموازنة السوق، فإن الجزائر تأتي في المرتبة الثالثة في إفريقيا بعد نيجيريا وأنغولا. وعلى مستوى الصادرات الجزائرية من الغاز الطبيعي المسال (LNG)، وضعت «سوناطراك» الجزائر في المرتبة الرابعة ضمن أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، في وقت يكثر فيه الطلب على هذه المادة الحيوية مع تزايد حدّة الصراع والتوتّر العسكري بأوروبا. لم تدع الأرقام التي كشف عنها الرئيس المدير العام لشركة «سوناطراك»، توفيق حكار في آخر خرجة إعلامية له هذا الأسبوع، أي مجال للشكّ حول عزم الجزائر على المحافظة على مركزها الريادي للدول التي حقّقت أكثر اكتشافات طاقوية في العالم العام المنقضي، ويرى المتابعون للشأن الطاقوي في الجزائر أن ضخّ أموال ضخمة في مجال الاستكشاف يعني البحث عن أسواق وزبائن جدد، وعدم ممانعة الرفع من حجم الصادرات الطاقوية الجزائرية في المستقبل القريب. وكشف المسؤول الأول عن عملاق النفط والغاز الجزائري، أن 30 مليار دولار من أصل 40 مليار دولار التي خصّصتها الشركة للاستثمار خلال الخماسي 2023 2027، ستخصّص للاستكشاف وإنتاج المحروقات لاسيما الغاز الطبيعي بهدف تحسين تموين السوق العالمية. وقال حكّار في تصريحات سابقة إن «الهدف تخصيص جزء كبير للاستكشاف والإنتاج هو الحفاظ على قدرات الشركة في الإنتاج»، فيما أكد هذا الأسبوع أن هذه الاستثمارات ستساعد الشركة «على تحسين أمنها الطاقوي وتموين السوق العالمية بشكل موثوق». عودة عملاق الطاقة الإفريقي لم تكن حبرا على ورق أو مجرّد عقود شراكة تراوح مكانها، بل تجسّدت من خلال التوقّف بشكل نهائي عن استيراد الوقود منذ شهر أوت من سنة 2020، ما وفّر على الجزائر مبلغ 1.5 مليار دولار عام 2021 كانت تنفق على استيراد هذه المادة في السنوات السابقة، وما يعزّز هذه الإحصائيات هو ما كشف عنه الرئيس المدير العام لشركة «سوناطراك» أن الشركة سترصد ضمن مخطّطها الاستثماري أكثر من 7 مليار دولار لمشاريع التكرير والبتروكيمياء وتمييع الغاز، وهي المشاريع التي ستسمح ب»إنتاج القيمة المضافة في الجزائر وتعزيز قدراتها في مجال التصدير». وتعتمد مشاريع البتروكيمياء على الشراكة الأجنبية بداعي الاستفادة من التكنولوجيا والتحكّم في عملية الإنتاج، كما تعتبر سوناطراك شريكا مهما في تطوير المشروع البتروكيميائي لإنتاج مادة «البولي بروبلين» البلاستيكية عالية الجودة بمدينة جيهان التركية، ضمن شراكة في ثلاثة عقود مع الجانب التركي، وتبلغ التكلفة المالية للمشروع 1.7 مليار دولار، تساهم فيه سوناطراك بنسبة 34 بالمئة تضمن تموينه بالمادة الأولية البروبان الجزائري في إطار عقد طويل المدى باعتماد أسعار السوق الدولية. وكشفت حكّار في وقت سابق عن عزم الشركة في القيام بأربع مشاريع في البتروكيمياء على المدى المتوسّط بالرغم من أن المشاريع الموجهة للبترو كيمياء تعتبر مشاريع باهظة، غير أن المجمع حسب الرئيس المدير العام مستعد للقيام بهذه المشاريع وهو ما تأكد من خلال تصريحات هذا الأسبوع. وفي ذات السياق، سيتمّ تخصيص 1 مليار دولار لتمويل مشاريع تندرج ضمن مساهمة الشركة في الانتقال الطاقوي حسب حكّار، ويتعلّق الأمر أساسا بمشاريع استرجاع الغاز المحروق على مستوى مواقع الإنتاج ومجمعات الغاز الطبيعي المميع ومشاريع الطاقة الشمسية بالصفائح الضوئية لتزويد مواقع الإنتاج وكذا المشاريع النموذجية لإنتاج ونقل الهيدروجين الأخضر، وهي مشاريع ستسمح بتحقيق نقلة نوعية في مواكبة الشركة العملاقة للتطوّرات الحاصلة في مجال الطاقة النظيفة. وفي ذات السياق، أكد حكار أن شركة «سوناطراك» مدعوة الى القيام ب»دور بارز في تنمية الصناعة المستقبلية التي تتميز بانبعاثات كربون منخفضة، مثل الهيدروجين الأخضر والطاقة الكهروضوئية»، كاشفا عن إطلاق مشروعين نموذجين انطلاقا من 2023، يهدفان إلى إنتاج الهيدرجين الأخضر ونقله عبر خط أنبوب الغاز. وفيما يخصّ السوق العالمية فقد سجلت الجزائر رقما قياسيا في صادرات الغاز خلال عام 2022، قدّر بحوالي 56 مليار متر مكعب، 4 مليار متر مكعب منها عن طريق السوق الفورية، وتطمح سوناطراك في أن تصبح «أحد أهم مصادر التموين بالغاز في العالم بفضل مخزون هام من الغاز الطبيعي والارتفاع الأخير في الإنتاج»، وهو طموح مشروع طالما أن الاكتشافات التي تمّت في بعض حقول الغاز ستسمح ب»زيادات معتبرة في حجم الغاز المتوفر للتصدير من خلال أنابيب نقل الغاز أم بواخر النقل» حسبما صرّح به الرئيس المدير العام لشركة سوناطراك. وتتميز شركة سوناطراك بقدرة هامّة في مجال التمييع، والمقدرة بأزيد من 30 مليار متر مكعب/السنة، وهو ما يسمح للمجمع بالتوفر على «مرونة معتبرة»، بفضل مركبّات التمييع الأربعة المتواجدة عبر الوطن، كما أن الطلب المتزايد على الغاز المميّع يزداد من سنة لأخرى خصوصا هذا العام. وستتعزّز مكانة الجزائر بصفتها موردا موثوقا يلتزم ببنود عقود الشراكة مع الزبائن خاصة بعد أن تدخّل المشاريع التي هي قيد الإنجاز حيز الخدمة في السنيتين القادمتين، ويتعلّق الأمر حسب الرئيس المدير العام ل»سوناطراك»، باستغلال حقول حاسي موينة وحاسي باحمو في الجنوب الغربي وبحقول ايسارين وتين فويي تبنكوت في الجنوب الشرقي للوطن، في انتظار تجسيد مشاريع أخرى خلال نفس الفترة بكل من حاسي الرمل وحمراء وأوهانات وتوات.