اهتدت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بولاية بومرداس إلى فكرة مميزة لاقت استحسانا وقبولا كبيرا من قبل الجمهور والمسافرين بالخصوص، من خلال الاشراف على افتتاح مكتبة بقاعة الانتظار لمحطة القطار المركزية، التي تستقبل يوميا عشرات المسافرين باتجاه العاصمة والولايات المجاورة، أغلبهم من الطلبة والأساتذة والموظفين بمختلف الادارات المحلية، في محاولة لتجديد فعل المقروئية واستغلال أوقات الفراغ والانتظار فيما هو أنفع.. لطالما شكّلت أزمة المطالعة وتراجع فعل المقروئية في المجتمع ولدى مختلف الفئات، بما فيها الطبقة المثقفة أو المتعلّمة على كل المستويات بداية من مراحل التعليم الأولى إلى الجامعة، مرورا بباقي الأطوار الهامة في مسار التعليم لدى الأفراد، أحد أهم الاشكالات الجوهرية المطروحة للنقاش، من قبل المثقفين أنفسهم وباقي المؤسسات الفكرية والعلمية التي أدركت حجم الخطر الداهم في محاولة لفهم أسباب العزوف عن القراءة، وتراجع أدوار المكتبات، وإفلاس محترفي وباعة الكتب أمام المد الجارف لوسائل التكنولوجيا الحديثة، التي أنجبت جيلا رقميا قلبه وذهنه معلقان بالأجهزة والهواتف الذكية، مع إدارة الظهر لخير جليس.. هذه الاشكالية أو الظاهرة الجديدة التي تهدّد أحد أهم المكتسبات المجتمعية لأجيال متعاقبة مع مرور الزمن، يبدو أن الكثير بدأ يفهم أسبابها وحتى نتائجها المستقبلية على سيرورة المجتمع وطبقة النخبة منه، خاصة وأنها لم تقتصر على الكتاب التقليدي، بل امتدت إلى كل ما هو ورقي، بما فيها الصحافة المكتوبة، وبالتالي كل المؤسسات تعاني من أزمة تراجع المقروئية لكن القلة من يبادر إلى أفكار وحيل بسيطة، بإمكانها إحياء هذا التقليد مجددا في نفسية المتلقي بالوسط المفتوح والمغلق داخل الحرم الجامعي، المدارس ومختلف المراكز التي تستقبل جمهورا بحاجة إلى تجديد عقده مع رفيقه الأزلي الذي رافقه في خطواته الأولى نحو المدرسة، وما قبلها في الكتاتيب وحلقات الذكر بالمساجد والزوايا. من هذا المنطلق يمكن إدراج مبادرة مكتبة المحطة على رمزيتها كمرحلة أولى التي أشرفت عليها إدارة المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية، بالتنسيق مع مسيري محطة القطار لبومرداس كسلوك عملي سيعمل على تقريب الكتاب من القارئ، خصوصا وأن هذا الفضاء العمومي يعتبر ملتقى لعشرات المسافرين يوميا، أغلبهم من الطلبة الذين يقصدون كليات ومعاهد جامعة بومرداس، أو العكس باتجاه جامعة الجزائر وتيزي وزو، كما أنها تقع قبالة كلية العلوم بتخصّصاتها التي تستقبل لوحدها أزيد من 13 ألف طالب. وعليه يمكن القول، إن الخطوة مدروسة بعناية ولها أبعاد ترويجية لكل المؤلفات والابداعات الجديدة في شتى مجلات العلوم والمعرفة، ومن باب التذكير بأهمية المطالعة وفضائل الكتاب الذي لا يمكن القضاء عليه من قبل عنكبوت الانترنت، مثلما لم تقض وسائل الاعلام الجديدة على التقليدية المستمرة جنبا إلى جنب في تناغم وتكيف مع التحولات التكنولوجية. هذا ونأمل كما يأمل الجمهور الكبير أن تتوسّع مثل هذه المبادرات في أغلب المحطات الرئيسية والفضاءات العامة المهيأة، مع الترويج لها إعلاميا من أجل إعادة جلب القارئ، خصوصا على مستوى المراكز الثقافية ودور الشباب التي تستقبل تلاميذ المتوسط والثانوي، بغرض مطالعة الدروس تحضيرا للامتحانات الرسمية، وبالتالي إعطاء فرصة للمبدعين الشباب من كتاب الرواية والقصة والنصوص الشعرية، وحتى المساهمات التاريخية التي ألفها عدد من المختصين في التاريخ، بالتعاون مع مجاهدي المنطقة لعرضها والتعريف بها وتسويقها.