صدر لمحمد شوقي الزين، مطلع السنة الجارية، كتابان جديدان ترجمهما ل «لورانس فانين-فيرنا». ويتعلق الأمر بكتاب «إله الفلاسفة؟: بين الإيمان والعقل»، وكتاب «الإنسان المهموم؟: العلاجات الفلسفية»، وهما يشكّلان، على التوالي، الجزأين الثالث والرابع من سلسلة «الفلسفة المفتوحة على الجميع». وإذا كان الأول يتناول فكرة الإله كما تصوَّرها الفلاسفة، ويتقاطع فيه الاهتمام المزدوج بفلسفة الدين والميتافيزيقا، فإن الثاني مخصَّص في مجمله لفلسفة الأخلاق. عن دار «ابن النديم» بالجزائر ودار «الروافد» ببيروت، صدر لمحمد شوقي الزين كتاب «إله الفلاسفة؟: بين الإيمان والعقل»، وكتاب «الإنسان المهموم؟: العلاجات الفلسفية»، وهما ترجمتان للفرنسية «لورانس فانين-فيرنا»، تضافان إلى كتابيْ «لماذا نتفلسف؟» و»انظر وفكر» اللذيْن ترجمهما شوقي الزين لنفس الكاتبة ضمن سلسلة «الفلسفة المفتوحة على الجميع». المعتقد كما تطوّر في التّاريخ يُعدُّ كتاب «إله الفلاسفة؟: بين الإيمان والعقل» الجزء الثالث من السلسلة المذكورة، ويقول شوقي الزين إنه يتناول فكرة الإله كما تصوَّرها الفلاسفة وجاء في صيغة سؤال-استفهام. ويضيف أنه ليس «الإله عند الفلاسفة» بل «إله الفلاسفة». ومعنى ذلك، حسبه، أنه مهما كان تصوُّر الفلاسفة للإله، فلا ينطبق التصوُّر مع الحقيقة، ولا سبيل لنا أصلًا إلى حقيقة الإله في ذاته. ومن ثمَّ، فإن الحديث عن إله الفلاسفة هو الحديث عن تصوُّر قابل للمناقشة وقابل للتعدُّد في أشكال إيمانية أو في أشكال رَيْبية. يتقاطع، في هذا الكتاب، الاهتمام المزدوج بفلسفة الدين والميتافيزيقا، من جهة البحث عن المعنى الممكن إضفاؤه على الحياة، ومن جهة أخرى البحث في جوهر الكائن، البشري أو المفارق، المتناهي أو المطلق. يتناول على وجه التحديد مفهوم الإله كما تطوَّر في تاريخ الفكر وسط مجموعة من التمثُّلات والتصوُّرات، تنتمي إمَّا إلى المفهمة والبرهنة (إله الفلسفة) وإمَّا إلى الاعتقاد والتصديق (إله الدين). بينهما تقاطع عَرَضي وكذلك توازٍ دائم. دفع البُعد الجدلي لعلاقة الفلسفة باللاهوت لورانس فانين لأن تقترح المجاوزة هي البُعد الروحي والحضور الإلهي في الإنسان، خالٍ من النعوت التشبيهية التي طبعت التمثُّل البشري في التاريخ. وبعد تقديم المترجم، وتصدير من جاك موريل، ومقدمة، يتطرق القسم الأول من الكتاب «الإله: نَشْأة مَفْهُوم فَلْسَفي» إلى الظواهر الطبيعية وتأليهها، والخطاب حول الإله ونشأة علم اللاهوت، إلى جانب تعريفات مبدئية. أما القسم الثاني «العَصْر الوَسِيط: فُرُوقات بَيْن إله الإيمَان وإله الفَلْسَفة»، فيتطرق إلى إله الإيمان، والوحي والتأويل، والمحبَّة والخشية، والحوار بين الفلسفة واللاهوت، ثم إعادة تعريف إله الفلاسفة، والأدلة على وجود الإله. وفي القسم الثالث «إله العَصْر الكلاسِيكي»، نجد الحديث عن الميتافيزيقا الجديدة وعقلانية الدليل، والإله موضوع التعريفات والإله الضامن على الأخلاق. وفي القسم الرابع «فِكْرَة مَوْت الإله»، يتطرق الكتاب إلى الشكية النقدية، ونهاية اللاهوت، و»الإيمان في الإنسان» و»الإنسان: كائن المجاوزة». الفلسفة باعتبارها «ممارسة علاجية» أمّا كتاب «الإنسان المهموم؟: العلاجات الفلسفية» فهو الجزء الرابع من سلسلة «الفلسفة المفتوحة على الجميع»، مخصَّص في مجمله ل «فلسفة الأخلاق»، لكن ليست أيَّة أخلاق! يؤكّد شوقي الزين، مضيفا أنه عادةً ما نميل إلى «أخْلَقَة» الأخلاق نفسها بجعلها مبادئ ميكانيكية وروبوطية، قسرية وإكراهية، ترهيبية وعدوانية، في الغالب أوامر وزواجر ووعظيات. وإذا كان صحيحًا أنّ الأخلاق اتَّخذت في لا شعورنا الجمعي هذه «الديكتاتورية» في الأوامر والزواجر إلى غاية تعطيل الفعل البشري الحي والخلَّاق، بجعله فعلًا خاضعًا لقاعدةٍ، ومذعنًا لمبدأ، فإن الأمر يختلف تمامًا مع ما تريد الكاتبة تبيانه من الأخلاق التي هي المسمَّى الآخر للحرية، حرية التصرُّف، وحرية الخيار والقرار، وحرية المسؤولية وتحمُّل تبعات الفعل. والأخلاق الحقَّة، يضيف ذات المصدر، هي تلك التي تُحرِّر وتُعلِّم المسؤولية الفردية والجماعية، وتربط الإنسان بذاته وبغيره. يقول شوقي الزين إنّ الكاتبة تنقلنا إلى وضع جديد من التفلسف هو النظر إلى الفلسفة بصفتها «ممارسة علاجية»، تُعالج اختلالات العقل من تعثُّر وزلل في البحث عن الحقيقة وتشييد المعرفة، واضطرابات الأنا في التأثُّر بالأشياء والتغيُّر في الأحوال من فرح وترح وتبجح، وأهوال الوجود من عبث وعدم ومصير. تعتني الفلسفة بمعالجة كل هذا علاجًا يضمُّ التساؤل، وإرادة الفهم، ودفع الغم، والنظر المعمَّق والمستبطن. «من شأن الفلسفة أن تتلبَّس أدوار «الطب الروحاني» الذي يعالج الأسقام الظاهرة والباطنة، العقلية والنفسية والوجودية، وملأ النفوس التائهة والحائرة والمهمومة بعزاء البحث عن بدائل تُخفف من سلطان الأوهام على النفوس وسطوة الخيالات الفاسدة والمنغِّصة للعيش الرغد». وبإلقاء نظرة على الفهرس، نجد الكتاب، المستهل بتقديم المترجم، وتصدير باسكال ريشار، ومقدمة، يتطرق في قسمه الأول «اخْتِلَالَات العَقْل: اضْطِرَاب في المعْرفَة» إلى الاختلال وضرورة الفهم، والأخطاء الابستمولوجية، ونهاية الاضطراب المعرفي. أما القسم الثاني «اخْتِلَالَات الانْفِعَال: اضْطِرَاب الأنا»، فيتضمن نقاطا منها المشاعر والمعيش الجسدي، والعاطفة أو استلاب الذات، وإعادة التفكير في الذاتية: الإهراق والتجسيد. فيما خصّص القسم الثالث من الكتاب «الاخْتِلَالَات الوُجُودية: رَفْض العَبَث» للحديث عن الإنسان، والعبث، والبحث عن المعنى، والعلاجيات الفلسفية. ويشير شوقي الزين إلى وجود «تتمَّة في شكل مقدِّمة إلى أنْطُولُوجْيَا التَّشَظِّي أو الانْبجَاس: نَحْو فِينُومِينُولُوجْيَا التفتُّق».