يبدو جليّا بأن هنالك من يصرّ على عسكرة منطقة الساحل وجرّها إلى حرب لن تكون محصورة في شمال مالي، بل ستمتدّ لتلهب دول الجوار وإحداها على وجه التحديد. وهي المقصودة من الضربات التي تتلقاها جهود التسوية التي ما فتئت تبذولها لتطويق الأزمة من خلال محاولات إقناع بعض الجماعات الإنفصالية والمسلحة بالعدول عن خيار السّلاح والإندماج في عملية سياسية مع الحكومة في باماكو حتى يتم حصر المجموعات الإرهابية ويكون من السّهل تصفيتها والقضاء عليها.المؤكد أن الذين يصرّون على فرض تدخل عسكري في شمال مالي ماضون إلى استخدام كلّ الأوراق لإجهاض المساعي التي تبذلها الجزائر بغرض فرض تسوية سياسية سلمية للأزمة التي تعيشها هذه الدولة منذ الربيع الماضي. وبالتأكيد سوف لن يعجز هؤلاء عن إيجاد وسائل الترغيب أو حتى الترهيب لإقناع جماعات مثل (أنصار الدين) بالعدول عن الاتفاق المبرم في 21 ديسمبر الماضي بالجزائر، والذي يقضي بوقف الأعمال الحربية والإنخراط في مفاوضات مع السلطات المالية. منذ أن بدأت الأزمة في مارس الماضي ونحن نقف على مواقف تصعيدية من بعض الدول، إذ سارعت إلى تدويل القضية مع أنه كان بالإمكان حلّها محليا وإقليميا وجهّزت مشروع قرار أبرقته إلى مجلس الأمن عبر الاتحاد الإفريقي وبعد مصادقة حكومة باماكو، يَطلب إرسال قوّة عسكرية لمحاربة المجموعات المسلحة المنتشرة شمال مالي. وقد كان لها ما أرادت، حيث أصدر المجلس الأممي في 20 ديسمبر الماضي القرار رقم 2085 الذي يوصي بإرسال قوة إفريقية إلى شمال مالي، أي بَفرض خيارا عسكريا، ستكون تداعياته خطيرة على المنطقة وعلى الجزائر تحديدا، وهي بيت القصيد على ما أعتقد من المساعي والمؤامرات الرامية إلى إجهاض الاتفاق الذي وقّعه كل من (أنصار الدين) و(حركة الأزواد) قبل أسبوعين والذي فتح منفذا واسعا لتفادي الخيار العسكري. لقد ساقت (أنصار الدين) عدّة مبرّرات تراها وجيهة لتعطيل عرض وقف الأعمال العدائية والإنخراط في مفاوضات مع باماكو الذي إلتزمت به في اتفاق الجزائر، وأهم هذه المبرّرات والتي قسمت ظهر البعير، حسب البيان الذي أصدره زعيم الجماعة (إياد أغ غالي)، «عدم جديّة حكومة مالي في نهج التسوية السلمية وسعيها إلى الحرب، حيث أورد بأن النشاط الدبلوماسي لباماكو كان حثيثا لإقناع المجموعة الدولية بضرورة التدخل بقوّة النار والحديد في شمال مالي». وتابع «أنه بينما كانت تجري مفاوضات في واغادوغو من أجل محاولة ربط الأبناء بالحوار، كانت الحكومة المالية تسعى في خرجات إعلامية نحو أدوات حرب مدمّرة تستعرض كل يوم أسلحتها وتدخل في عمليات إكتتاب واسعة لمقاتلين من بينهم مرتزقة سابقين إضافة إلى استغلال أفكار عرقية وكراهية لدى آلاف من عناصر المليشيات على طول خطّ المواجهة كبارود للمدفع وإدخال البلد في الحرب الأهلية». وشدّد إياد أغ غالي «على إنفتاح جماعته على أي إنطلاقة جديّة لعملية التفاوض». الظاهر أن الذين يحملون معاول التهديم لتخريب كل جهود التسوية السلمية يعتقدون بأنهم إستطاعوا أن يصيبوا العملية السياسية في مفصَل، وأنهم ضيّقوا المسافة نحو فرض التدخل العسكري الذي لم يحدّد القرار 2085 موعده، لكن المؤكد أن الجزائر وهي المستهدفة من جرّ المنطقة إلى الحرب، سوف تواصل مساعيها السلمية لإبعاد شبح الحرب حتى وإن كان جلّ المراقبين والخبراء يرونها تقترب رويدا رويدا خاصة مع تحمّس وتمسّك حكومة باماكو بالخيار العسكري وحرصها المثير للتعجب على المضيّ نحو هذا الحلّ الذي لا يمكنه إلا أن يلهب مالي ودول الجوار.