كثير من الفلسطينيين اعتقلوا خلال شهر رمضان المُبارك، فالاعتقالات الصهيونية لم تتوقف في ذات يوم، وكثيرٌ من الذين مرّوا بتجربة الاعتقال، استقبلوا الشهر، مرة أو مرات عديدة، وهم خلف القضبان أو في أقبية التحقيق وبين جدران زنازين العزل الانفرادي. وكل واحد من هؤلاء يحتفظ في ذاكرته بشيء من الذكريات، فيما هناك من بين الأسرى من قضى الشهر الكريم ثلاثين مرة، بل وأكثر من أربعين مرة داخل السجن، ولا يزال أسيراً. لقد عانى الفلسطينيون طويلاً، جراء الاعتقالات اليومية خلال شهر رمضان المبارك، وعانى الأسرى وذويهم كثيراً، بفعل السجن والسجان. إنّ بطش الاحتلال الصهيوني وظُلمه لا يتوقف على استمرار الاعتقالات في شهر رمضان المبارك، وإنما امتدّ ليُطال الأسرى العُزل داخل سجونه، فترى إدارة السجون تُصعد من اقتحاماتها لغرف الأسرى، وتعتدي عليهم وتعبث بمقتنياتهم وتسعى لإتلاف حاجياتهم الخاصة، وتتلاعب بمواعيد إيصال وجبات السحور والإفطار، والتي هي دائماً وجبات منقوصة وسيئة كما ونوعاً وتفتقر للمقومات الأساسية، لذا يحاول الأسرى شراء ما يسد بعض حاجاتهم من مقصف السجن (الكانتينا) على نفقتهم الخاصة، كما تضع إدارة السجون عراقيل كثيرة أمام إدخال المصاحف والكتب الإسلامية والتمور والحلويات، وتفرض قيوداً على ممارسة الشعائر الدينية وقراءة القرآن بصوت جهوري، والصلاة الجماعية وصلاة التراويح في ساحة القسم، وهذا يخالف ما تنص عليه اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، إضافة إلى ذلك، هناك آلاف من الأسرى محرومين من رؤية ذويهم وأقربائهم عبر الزيارات، بسبب الإجراءات والقيود الصهيونية، أو بذريعة المنع الأمني، ممّا يُفاقم من معاناة الأسرى وذويهم، فيما من يُسمح لهم بالزيارة من الأهالي، تكون زياراتهم مغمسة بالألم والحزن والمعاناة. إنّ نحو (4800) أسير، بينهم (29) أسيرة و(170) طفلاً، ومئات من المرضى وكبار السن، يعانون الأمرين في شهر رمضان المُبارك، ما بين مطرقة الحرمان والشوق والحنين للأهل، وسندان ظروف الأسر وتصاعد الإجراءات القمعية وسوء الأوضاع الصحية، واستمرار سياسة الإهمال الطبي. فيما يُعاني الأهالي كذلك جراء غياب الحبيب عن مائدة الإفطار، فكم من أُمٍّ غُصّ حلقها باللقمة لحظة الإفطار، وهي تتذكّر ابنها الذي يقبع خلف القضبان، وكم من أبٍ انهمرت الدموع من عينيه في رمضان، وهو يتصوّر ابنه بين أيدي السجانين يُعذب ومحروم من أبسط الحقوق الإنسانية، وكم من طفل يُعاني اليوم في رمضان جراء اعتقال أبيه أو أمه! فيخيّم الحزن والألم وحسرة الفراق على الجميع ساعة الإفطار، ولسان حال الأسرة يردّد دائماً: اللّهم اجمعنا بأسرانا العام القادم على مائدة واحدة بعيداً عن ظلم السجان. وبرغم الألم، فإن الأسرى يُدركون بأن الحياة يجب أن تستمر، لذا تراهم يحاولون تناسي ما بهم من هموم ومآسي، ويكظمون ما بهم، ويُخفون آلامهم أمام السجان، فيستقبلون الشهر بداية بفرح وسرور، ويتبادلون التهاني بقدومه، ويحافظون على خصوصية الشهر الروحانية والدينية، ويستغلّون أوقاتهم بالدعاء والصلوات والمطالعة والتثقيف الذاتي وحفظ القرآن وتفسيره، ويقضون الليل بالتهجد، فتتحوّل الغرف إلى مساجد وأماكن للعبادة وتنظيم الدورات ومكاناً للدراسة والتعلم. هذا إلى جانب العديد من البرامج الترفيهية والفعاليات الثقافية والمسابقات الوطنية والدينية والرياضية. ومن جانب آخر يتفنن الأسرى في صنع الأطعمة والحلويات الخاصة، مثل «الكنافة والقطايف» على طريقتهم الخاصة ووفقا للإمكانيات المتوفرة. واليوم ونحن نعيش أجواء رمضان وأيامه الفضيلة، نُبرق بأحر التهاني لكافة الأسرى والأسيرات وذويهم، وندعو جميع المسلمين في بقاع العالم، إلى تذكر أسرى فلسطين القابعين في سجون الاحتلال الصهيوني في السحور وعلى موائد الإفطار وفي السجود، والدعاء لهم بأن يفرج الله كربهم وأن يفك أسرهم ويكسر قيدهم، وأن يعيدهم إلى أهلهم وذويهم سالمين غانمين. عن المؤلف: عبد الناصر فروانة: أسير محرَّر، ومختص بشؤون الأسرى والمحررين، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين، وعضو لجنة إدارة هيئة الأسرى في قطاع غزة. ولديه موقع شخصي اسمه: فلسطين خلف القضبان.