حقّقت تمور «دڤلة نور» الجزائرية، الصدارة ضمن أفضل وأجود أنواع التمور بالأسواق العالمية، نظير ما تتمتع به من مواصفات شكلية وذوقية فريدة من نوعها، ولما تحتويه من مميزات غذائية صحية عالية القيمة، جعلها فاكهة نفيسة وفي طليعة كل أصناف ثمار النخيل. تعتبر «دڤلة نور» من ألذّ أنواع التمور الغنية بالألياف والسكريات الطبيعية التي تختص بإنتاجها حصرا واحات ولايات بسكرةوالوادي والمغير وتوقرت وغرداية والمنيعة وأدرار وباقي أقاليم جنوبنا الكبير الشاسع والمؤهل مناخياً وزراعياً لاحتضان استثمارات كبرى في هاته الفاكهة العالمية المُدرّة للعملة الصعبة. وتسعى السلطات العمومية جاهدةً إلى رفع حجم صادرات «دڤلة نور»، وتوسيع نطاق رواجها وتواجدها بأسواق آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، بغرض تثمينها ووضع موطئ قدم لها كمنتج وطني جزائري حصري يحظى بمؤهلات تسويقية نوعية، وله خصائص الديمومة الترويجية، والقابلية الاستهلاكية بكل دول العالم. قفزة إنتاجية أوضح أستاذ العلوم الزراعية بجامعة ورقلة، الدكتور بومادة عبد الباسط، أن إنتاج التمور في الجزائر، بكل أصنافها، تضاعف في العشر سنوات الأخيرة حيث كان يقدر ب 6 ملايين قنطار سنة 2012 وأصبح يفوق 12 مليون قنطار عام 2022، منه أكثر من 50 بالمائة صنف «دقلة نور». وقال الدكتور بومادة عبد الباسط، في تصريح ل»الشعب»، إن الجزائر تنتج 14 بالمائة من الإنتاج العالمي للتمور، وتحتل بذلك المرتبة الرابعة عالميا من ناحية الإنتاج، ولكنها تُصدِّر 3 بالمائة منه فقط، إذ تأتي في المرتبة 11 عالميا من ناحية تصدير التمور. وأبرز بومادة وجود حوالي 20 مليون نخلة بالجزائر، مغروسة على مساحة 170 ألف هكتار، وتتبوأ ولاية بسكرة المرتبة الأولى بأكثر من 4.5 مليون نخلة على مساحة حوالي 44 ألف هكتار، تليها ولايات الوادي وتوقرت والمغير وورقلة وغيرها من المناطق المتخصصة في إنتاج هذه الشعبة الهامة. خبرات مُكتسبة لفت الدكتور بومادة عبد الباسط، إلى أن إنتاج دقلة نور يفوق 6.3 مليون قنطار سنويا، جعل من الجزائر تحتل المرتبة الأولى عالمياً في إنتاج هذا الصنف من التمور، منوهاً أن هذا الإنتاج تدرّه 7.6 مليون نخلة دقلة نور، بمعدل إنتاج وطني يقدر بحوالي 83 كلغ للنخلة الواحدة، في حين المردودية تقدر بأكثر من 115 كلغ للنخلة الواحدة بولاية بسكرة نتيجة المعارف المكتسبة لدى فلاحي منطقة الزيبان في زراعة أشجار النخيل. وأوعز بومادة، في المنحى التصاعدي لإنتاج التمور، إلى الاهتمام المتزايد للفلاحين بزراعة النخيل في المناطق الصحراوية بعد ارتفاع القيمة السوقية لثماره، وتوافر غرف التبريد للتخزين وبعض مصانع تحويل التمور لإنتاج الكحول الجراحية والسكر والخل وغيرها من مستخرجات التمور الأقل جودة، مثل مصنع بسكرة، مما سهل تسويق منتجات الشعبة نتيجة للدعم والمرافقة من قبل السلطات العمومية، بالإضافة إلى بعض التسهيلات البنكية. زراعة مستدامة بما أنّ «دقلة نور» مطلوبة بكثرة في السوق الدولية، يرى الدكتور بومادة، إمكانية تحقيق نقلة في إنتاج التمور بمختلف أنواعها وكذا التمور الجافة المطلوبة في السوق الإفريقية، وذلك من خلال الاهتمام أكثر بزراعة النخيل على ضوء توفر عوامل الإنتاج من مياه جوفية وفيرة، وأراض شاسعة في المناطق الصحراوية، فضلا عن وجود يد عاملة مؤهلة. وأشار بومادة إلى ضرورة حثّ المستثمرين والفلاحين على استصلاح الأراضي الصحراوية وتخصيص مساحات واسعة لهذه الزراعة المستدامة، وتشجيع الشباب على الاستثمار في المجال الفلاحي عموماً وفي زراعة النخيل خصوصاً واقتحام المهن المتعلقة بالشعبة كمهن ملقحي النخيل والمتسلقين. وفي الجانب العلمي والتقني، أبرز الدكتور عبد الباسط، أهمية تفعيل التكوين في المهن المتعلقة بثروة النخيل بمراكز ومؤسسات التكوين المهني، وإدراج المهن المرتبطة بها ضمن مختلف صيغ وبرامج تشغيل الشباب مثل التحويل الصناعي وتسلق أشجار النخيل وتدوير مخلفاتها، استغلال البحث العلمي في تطوير زراعة النخيل، الدفع نحو استعمال الوسائل والعتاد الحديث في التلقيح وعمليات حصاد الثمار وكل ما يرتبط بالشعبة، وكذا تعميم استخدام تقنيات الري الذكية والمقتصدة للمياه مثل أنابيب النانو والسقي بالتقطير. عمل دؤوب يقول رئيس جمعية الوفاق لتنمية وتطوير الفلاحة الصحراوية، تماسين، بولاية توقرت، فاجي عبد الحكيم، إن شعبة التمور حققت نجاحاً ملفتاً مردّه نجاعة التسيير المدروس والمستدام المرهون بالتخطيط الاقتصادي والريادة والأسبقية في المجال. وأفاد فاجي عبد الحكيم في تصريح ل»الشعب»، أنّ نجاح تمر «دقلة نور» لم يأت من عدم، وإنما هو نتيجة إرادة وعمل دؤوب طيلة حقب زمنية بمناطق الجنوب الجزائري عامة وولاية بسكرة على وجه الخصوص التي نالت الصدارة والجدارة في إنتاج دقلة نور كما نوعا. وأضاف فاجي أن فلاحي وادي سوف رغم حداثتهم في إنتاج «دقلة نور»، إلاّ أنهم تمكنوا من النجاح فيها عن طريق الاستثمار والدراسات التقنو-اقتصادية الممنهجة، وكذا استقطاب وجهات للتصدير بفرنسا واسبانيا وتونس، مع توفر عامل الصدق والوفاء للزبائن الأجانب، وهو ما أدّى إلى تحقيق ريادة تدريجية في الإنتاجية والتنافسية بشعبة التمور. أصناف كثيرة.. أكد فاجي عبد الحكيم أنّ ولايات توقرت وورقلة وغرداية والمغير والمنيعة وأدرار وبشار وتيميمون ومناطق أخرى عبر الجنوب الكبير، تنتج صنوفا كثيرة من التمور منها «دقلة نور»، بالإضافة إلى أنواع أخرى تعتمد على عامل تحقيق الاكتفاء والإنتاج غير المدروس، وهي عبارة عن تمور يابسة مثل الدقلة البيضاء والتمور الرطبة وأصناف الدقلة العديدة المعروفة لدى أهل تلك النواحي. وفي هذا السياق، اقترح عبد الحكيم، توفير مناطق امتياز متخصصة في إنتاج أصناف معينة من الثمار، سواء كانت تمور أو فواكه أخرى محلية الزراعة، والسعي نحو تحقيق اكتفاء ذاتي في الشعب حسب جداول زمنية دقيقة، وربطها بمستوى النمو الديمغرافي بالبلاد، مع الاستمرار في تحفيز المنتجين على التنافسية وفق متطلبات السوق العالمية لضمان تسويق المنتجات الوطنية بشكل أمثل، وعلى نطاق أوسع مستقبلاً.