تسهيل الحياة اليومية للمواطن وضمان الأمن القومي تعمل الجزائر الجديدة، وفق رؤية رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بشكل حثيث على تطوير قدراتها الرقمية لتصل للمستوى المأمول وتواكب التحولات الدولية الجارية والمتسارعة في هذا الجانب، بغية تطوير المنظومة الإدارية والاقتصادية وتعزيز السرعة والشفافية في إدارة الشأن العام والتصدي للبيروقراطية والفساد ومختلف مظاهر التخلف الإداري والتنظيمي التي تحول دون أن تحقق الجزائر القفزات المنشودة في التحول الاقتصادي والمجتمعي المأمول. قام مشروع الجزائر الجديدة بوضع وزارتين كاملتين لتنفيذ هذا التوجه، من خلال وزارة الرقمنة والإحصائيات، ووزارة اقتصاد المعرفة، والمؤسسات المصغرة والمؤسسات الناشئة، لتحقيق إستراتيجية تعمل فيها الجزائر من خلال استعمال الخبرات الوطنية والدولية على تحقيق الشمول والتحول الرقمي الإداري والتنظيمي والإحصائي، وتطوير وتعزيز استعمال الرقمنة في مختلف القطاعات الاقتصادية والمجتمعية والتحكم في مسارها التكنولوجي المتنامي والمتحول عالميا. يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف، البروفيسور فارس هباش، إنّ المتتبع لمسار الإصلاحات التي باشرتها الجزائر منذ تولي رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، يلاحظ بشكل واضح وجليّ تركيز السيد الرئيس في كلّ تدخلاته على أهمية إرساء قواعد علمية وعملية لتطبيق الرقمنة في الجزائر، باعتبارها السبيل الوحيد والأنجع لبناء اقتصاد وطني قويّ يتميز بسلاسة التعاملات وشفافيتها من جهة، وتسهيل الحياة اليومية للمواطن وضمان الأمن القومي، من جهة أخرى. من الورقي إلى الرقمي.. بالمقابل، يؤكد هباش أنّ التأخر في الرقمنة أغضب السيد رئيس الجمهورية، فلم يبد أيّ رضا عن سيرورة العمل في هذا المنحى، وهو ما أبداه صراحة، من خلال آخر مجلس للوزراء بإعطاء تعليمات صريحة وصارمة لرقمنة قطاع الجمارك والضرائب، وأملاك الدولة في آجال زمنية لا تتعدى الستة أشهر، مكلفا وزارة المالية والرقمنة بالإشراف المباشر على هذه العملية. البنية التحتية للرقمنة.. جاهزة.. وبالعودة إلى هذا التوجه، يضيف - ذات المتحدث - إنّ الجزائر عملت جاهدة، خلال السنوات الأخيرة، على توفير بنية تحتية ولوجيستية لتكون قواما صلبا وحقيقيا لرقمنة مختلف القطاعات، حيث تم رفع النطاق الترددي الدولي من 1.7 تيرابايت في الثانية إلى 2.8 تيرابايت في الثانية، وذلك بدخول الكابل البحري الجديد حيز التنفيذ، كما تم تكوين 30 ألف إطار في المجال مما أدى إلى تطوير حوالي 600 منصة رقمية، إلا أنه وبالرغم من كل هذه المجهودات إلا أنّ الممارسة الحقيقية وإرساء الرقمنة بمفهومها وبعدها الحقيقي ظل محدودا إلى أبعد نطاق نتيجة التحدي البيروقراطي. المعطيات الرقمية تسهم في صناعة القرار الاقتصادي وحسب هباش، فانّ صناعة القرار واستغلال وتعظيم الفرص المتاحة، هو قوام المجال التنافسي الذي يقوم عليه اقتصاد اليوم، ومن ثم لن تستطيع أيّ مؤسسة البقاء في السوق أو الولوج إلى الأسواق الخارجية إلا بامتلاكها نظاما الكترونيا لإدارة المعلومة من جهة، وكذا وجود نظام رقمي لتبادل المعلومات على مستوى محيطها الخارجي من جهة أخرى، سواء على مستوى الوزارات أو المديريات أو الهيئات الحكومية وغير الحكومية وكل الأطراف ذات المصلحة بمعنى ضرورة وجود نظام رقمي متكامل سواء على المستوى الأفقي ما بين القطاعات والوزارات وكل الهيئات الحكومية أو على المستوى العمومي ما بين الفروع التابعة للمؤسسة أو الوزارة..الخ، وعليه فإنّ هذا التّكامل الرقمي متعدّد المستويات وحده من يضمن تدفقا سلعيا وماليا مرنا وسلسا وفعالا يعطي إمكانية اتخاذ أو تعديل القرارات في الزمن والتوقيت المناسب. رقمنة الاقتصاد.. ضرورة حتمية ويشير البروفيسور فارس هباش، إلى أنّه عندما نتكلم عن رقمنة الاقتصاد الوطني، فإنّنا نتكلم عن الأهمية الإستراتيجية والضرورة الحتمية التي لا خيار أمامها، كون الرقمنة السبيل الوحيد للتحكم في التدفقات المالية والسلعية وإدارة الاقتصاد الوطني برؤية استراتيجية استشرافية، بناء على معطيات حقيقية آنية ومحينة تكفل النجاعة في صناعة السياسات والبرامج وأخذ القرارات اللازمة في الزمن المناسب، فالبنوك - على سبيل المثال - في الدول الكبرى لا تحتاج سوى إلى ستة دقائق في المتوسط لدراسة ملف أيّ زبون يطلب قرضا بنكيا، في حين أنّ الأمر عندنا قد يحتاج أسابيع أو أكثر من ذلك نتيجة غياب بنك للمعلومات، يوفر معلومات كاملة ومتكاملة عن كل الأعوان والمتعاملين الاقتصاديين سواء أشخاصا طبيعيين كانوا أو مؤسسات وشركات عمومية أو خاصة، وهذا ما يقودنا فهم مغزى تركيز السيد رئيس الجمهورية على قطاعات الضرائب والجمارك ومصالح أملاك الدولة بشكل مستعجل من خلال إعطائه مهلة ستة أشهر، وهذا لما لهذه القطاعات من أهمية استراتيجية بالنسبة للاقتصاد الوطني، فإلى غاية اليوم التهرب الضريبي لازال في أسمى صوره نتيجة غياب رقمنة حقيقية، مما يتسبب في فقدان الدولة لوعاء مالي كبير جدا، من شأنه أن يغطي نفقات التسيير حسب ما يصبو إليه أصحاب القرار، ووفق ما هو موجود في كبريات الدول خاصة وأننا نتكلم عن حجم أموال ضخمة جدا تقدر بحوالي 90 مليار دولار تتداول خارج الإطار الرسمي أو ما يعرف بالسوق الموازية، كما أنّ رقمنة قطاع الجمارك يعتبر كذلك من الأهمية بمكان كونه الواجهة الحقيقية التي بإمكانها أن تعطي أرقاما ومعطيات لبناء بنك للمعلومات لتشكيل وإدارة التجارة الخارجية وفق الرؤية الاستراتيجية للدولة خاصة في ظل توجه الدولة الجزائرية إلى بناء نموذج اقتصادي جديد قوامه تنويع مصادر الدخل الوطني، من خلال تنويع الصادرات خارج المحروقات وهذا بتشجيع الاستثمار والإنتاج الوطني، ومنحه عديد المزايا التنافسية للدخول إلى الأسواق الخارجية، ولكن هذا التوجه لن يكون له الأثر الإيجابي المنشود ما لم نملك أرقاما حقيقية ومحينة عن حجم الإنتاج الوطني وما يقابله من استهلاك وطني كلي وكذا المقابل له من الواردات ومن ثم القدرة على خلق التوليفة المثالية بين حجم الإنتاج الوطني وحجم ما يقابله من واردات. رقمنة أملاك الدولة.. الحلقة الأساس للتنمية وفي سياق متصل، يضيف محدثنا إلى أنّ رقمنة قطاع أملاك الدولة يعتبر كذلك حماية للأمن القومي لحصر جميع مقومات وممتلكات الدولة وتسخيرها بما يخدم مصالح الاقتصاد الوطني بصفة عامة ومصالح المواطن بصفة خاصة كونه الحلقة الرئيسية في كل برامج التنمية التي تسعى الدولة إلى تحقيقها بما ينعكس على المستوى المعيشي ورفاه هذا الأخير. إنّ الرقمنة - حسب هباش- سواء على المستوى الأفقي ما بين الوزارات والقطاعات أو على المستوى العمودي على مستوى الوزارة الواحدة أي ما بين المصالح والمديريات تبقى السبيل الوحيد للنهوض بالاقتصاد الوطني وبناء اقتصاد وطني قويّ وتنافسيّ قوامه القدرة على التكيف مع كل الظروف من جهة، وبناء رؤية استراتيجية استشرافية فعالة من جهة أخرى، ولكن شريطة أن يكون التعاون بين كل الأطراف والعمل وفق رؤية تكاملية تعاونية تخدم المصلحة المشتركة للبلاد، وهو ما ذهب إليه السيد رئيس الجمهورية في عديد تدخلاته وهو ما هو عازم على تطبيقه في قادم الأيام من خلال جملة الإجراءات والقرارات المتخذة خاصة ربطها بمجال زمني، ممّا يسرع من وتيرة تحقيق هذه الأهداف بنجاعة وفعالية في ظل التحديات الكبيرة التي يعرفها الاقتصاد الوطني، خاصة مع سعي الجزائر إلى الدخول إلى منظمة "بريكس" في أواخر السنة الجارية. ثورة رقمية جزائرية من جانبه يفيد الخبير في مجال التكنولوجيا، ورئيس جمعية رقمنة للتكنولوجيا والعلوم، نسيم لوشاني، أنّ الجزائر تشهد في الآونة الأخيرة وبالأخص في الثلاث سنوات الأخيرة، تحولاً رقمياً وثورة رقمية بامتياز، حيث تسعى إلى تحويل العديد من الأنشطة والخدمات إلى العالم الرقمي، وتأتي هذه الخطوة كجزء من مساعي الجزائر للتحول إلى اقتصاد رقمي متطور ومنافس وفق المعايير الدولية المتعارف عليها. وبالموازاة مع هذا التحول الرقمي، هناك إقبال منقطع النظير على الخدمات الرقمية في الجزائر، حيث يتم استخدام التقنيات الحديثة والتكنولوجيا العالمية لتحسين الخدمات المقدمة وجعلها أكثر فعالية وسهولة للمواطنين. ويشمل ذلك تحويل العديد من الخدمات الحكومية والاقتصادية الكلاسيكية إلى خدمات ومعاملات رقمية، على غرار الخدمات الإدارية، المصرفية، التجارية، التعليمية، الصحية.. ويعكس هذا التحول الرقمي أيضاً التزام الجزائر وفق نظرة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، بتعزيز الابتكار والتكنولوجيا والتحول الرقمي بالإضافة إلى التحول نحو تبني وتشجيع اقتصاد المعرفة والتطوير التكنولوجي بشكل عام، حيث تم إطلاق عدد من المشاريع الحكومية الهامة في هذا الصدد، نذكر منها تجسيد مشروع تطوير الحوكمة الالكترونية الرامي إلى الارتقاء إلى مستوى إدارة رقمية عصرية وشفافة، لضمان خدمة فعالة للمواطنين والمتعاملين الاقتصاديين. تجسيد مشاريع ومنصات الرقمية ومع ذلك، يضيف لوشاني أنه وبالرغم من كل التحديات التي تواجهها الجزائر في سبيل تحقيق تحول رقمي كامل، ما يثير الدهشة والإعجاب هو وتيرة العمل المتسارعة وفترة تجسيد المشاريع والمنصات الرقمية والتي أقل ما يمكننا وصفها به هو أنها فترة وجيزة وظرف قياسي، وبشكل عام، يمثل التحول الرقمي في الجزائر فرصة كبيرة لتعزيز الاقتصاد وتحسين جودة الحياة للمواطنين. ومع الاستثمار المستمر والمتنامي في جانب التكنولوجيا والخدمات الرقمية، أمام الجزائر الكثير لتحققه في المجال الرقمي وهناك العديد من الخدمات والأنشطة الطموحة التي يمكن استحداثها وتجسيدها في المستقبل، خصوصا وأن الجزائر سوق واعدة بامتياز وقابلة للتكيف والنمو تماشيا والمعطيات العالمية. وكحوصلة لأهم ما تم تحقيقه في الجانب الرقمي ورقمنة القطاعات في الجزائر، لاسيما القطاعات الاقتصادية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، تطوير ووضع العديد من الأرضيات الرقمية والبوابات في مختلف القطاعات، مثل البوابة الحكومية للخدمات العمومية، والتي تتيح الحصول على الخدمات العمومية والمعلومات الحكومية بكل يسر وسرعة عن بعد، بالإضافة إلى استحداث منصة رقمية مرتبطة بجميع الأنظمة المعلوماتية لمختلف مؤسسات الدولة تمكن المواطنين من تتبع دراسة تظلماتهم، أيضا البوابة الإلكترونية للصفقات العمومية، والتي تتيح حرية الوصول للطلبات العمومية والمساواة في معاملة المرشّحين وشفافية الإجراءات، ونذكر أيضا تطوير بوابة المركز الوطني للسجل التجاري، بالإضافة إلى تنفيذ وترقية خدمات الدفع الإلكتروني والمعاملات المالية الإلكترونية، تزويد التجار والهيئات بنهائيات الدفع الإلكتروني مجانا، منح تراخيص وتسهيلات للمؤسسات التي تقدم خدمات توصيل الطرود، كما نذكر أيضا تطوير الجانب السياحي والتركيز على جلب العملة الصعبة والترويج للمنتوج الجزائري بأساليب عصرية، وذلك عبر إنشاء بوابات ومنصات رقمية لتشجيع السياحة في الجزائر، على غرار منصة مسارات الجزائر السياحية، التركيز على رقمنة قطاعات حساسة في البلاد كانت تعاني من مشاكل عديدة، على غرار قطاع الفلاحة، والتركيز ومتابعة وتيرة التحول الرقمي في قطاعات هامة مثل قطاع الصناعة، الصحة، التعليم العالي، التربية والتعليم، العدل، وقطاع المالية. إجراءات وقوانين لتطوير آليات الدفع الرقمي ويؤكد محدثنا إلى أنه تم إصدار حوالي 10 ملايين بطاقة دفع الكتروني "الذهبية" الأمر الذي من شأنه الترويج أكثر للخدمات الالكترونية، كل هذا تزامنا مع التركيز على إنشاء مراكز بيانات جديدة جزائرية مائة بالمائة، بالإضافة إلى التركيز على تأهيل مستوى الإطار القانوني في الجانب الرقمي وكمثال على ذلك، سنّ قانون يؤطر مجال التجارة الإلكترونية، واستحداث قانون المقاول الذاتي الذي سيسمح باحتواء فئة كبيرة من الشباب والمقاولين الذاتيين الذين يعملون في ميادين رقمية مختلفة. الدينار الرقمي.. سرعة وسيولة وقضاء على السوق الموازية ويفيد الخبير التكنولوجي نسيم لوشاني إلى أنه علينا أيضا أن نشير إلى مشاريع مستقبلية رقمية مهمة، من شأنها قلب معادلة التحول الرقمي لصالح الجزائر في فترة قصيرة جدا، ونشير بالذكر إلى إطلاق مشروع الدينار الرقمي، والذي من شأنه القضاء على المعاملات المالية الكلاسيكية غير المقننة والخالية من الشفافية إلى حدّ ما، والتي تستهلك الوقت، كما من شأنه أيضا الحد من المصاريف واحتواء السوق الموازي والحفاظ على استقرار العملة في البلاد. إنجازات كبرى كل هذه الإنجازات تم تحقيقها في فترة قياسية لا تتعدى 4 سنوات، تم فيها استحداث وزارتين هامتين في الجانب الرقمي، التكنولوجي والاقتصادي، ألا وهما وزارة الرقمنة والإحصائيات، ووزارة وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، الأمر الذي يعكس نظرة السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ويمثل السياسة المنتهجة في التحول الرقمي في الجزائر، والتي تشير إلى التركيز على الوصول إلى تحول رقمي كلّي سريع، آمن وفعال، وتؤكد أيضا على أهمية الرقمنة والتحول الرقمي لتعزيز الاقتصاد الوطني.