عرف مشروع التحوّل الرقمي في الجزائر انتعاشا وحركية منذ سنة 2019، بفضل الإرادة السياسية والرغبة في تفعيل ملف الرقمنة لعصرنة مختلف القطاعات والهيئات الادارية الخدماتية والمؤسسات الاقتصادية في إطار الحوكمة الالكترونية، بالموازاة مع تحيين قانون الاستثمار عن طريق فتح أرضية رقمية أمام المستثمرين. تبرز هذه النظرة الشاملة لملف الرقمنة وأهميته في عصرنة وتطوّر المجتمع والمساهمة في تقريب الإدارة أكثر من المواطن والتخلّص بصفة نهائية من البيروقراطية المقيتة، والإسراع في معالجة مختلف المعلومات والملفات في إطار من الشفافية. وقد تجلت هذه التحولات الرقمية التي ساهمت بشكل كبير في تحسن مستوى الخدمات العمومية والتسيير الإداري التي لمسها المواطن، بداية مع مشروع عصرنة ورقمنة مصالح الحالة المدنية واستخراج الوثائق البيومترية منها بطاقة التعريف، رخصة السياقة، جواز السفر البيومتري. وقد عرف المشروع أو التجربة النموذجية التي بدأت تتوسّع لباقي الإدارات والقطاعات العمومية، فترات متباينة وعقبات تقنية ومادية أخّرت تقدّم المشروع، لكنها ظلت محافظة على الهدف الرئيسي لهذه الإستراتيجية الرامية إلى مواكبة العصر التكنولوجي والاستعداد لمرحلة الإدارة أو الحكومة الالكترونية التي تعتمد التقنيات الحديثة عبر شبكة أنترنيت والاتصال المتطوّر في تقديم الخدمات للمواطن ومعالجة الملفات بطريقة آنية وسريعة، ربحا للوقت واقتصادا في الورق وباقي الوسائل والتجهيزات التقليدية، إلى جانب مهمة تعميم استعمال التكنولوجيا الحديثة في الإدارات، وتقديم الخدمة العمومية للمواطن سواء في مصالح البلدية، القطاع الصحي، التربية، التعليم العالي، العدالة وغيرها من خلال إطلاق البوابة الحكومية للخدمات في إطار التحوّل الرقمي التي تتيح للمواطن تصفح المواقع الرسمية والمنصات التابعة للوزارات والإدارات العامة لاستخراج الوثائق وإيداع الملفات والطلبات الشخصية والاستفادة من الخدمات التي دخلت الخدمة عبر أنترنيت. وعمدت هذه الإستراتيجية الوطنية إلى تحضير القطاع الاقتصادي أيضا، حتى يواكب هذه المتغيرات، حيث كان من أهمها إطلاق المنصة الرقمية للمستثمر تماشيا مع مشروع قانون الاستثمار الجديد، وهي منصة مفتوحة تعنى بملف إنشاء المؤسسات وإطلاق المستثمرات وتذليل كل العقبات الادارية التي تواجه المستثمر الجزائري والأجنبي وتبسيط الإجراءات الادارية وإضفاء المزيد من الشفافية فيما يتعلّق بالمشاريع والعقار الصناعي بهدف جلب الاستثمارات الجديدة. وبذلت السلطات العمومية جهودا كبيرة لتدارك النقائص والعقبات التي طالت مشروع الرقمنة بالجزائر، خاصة ما تعلّق بتأهيل العنصر البشري وتكوين المسيرين الإداريين والمنتخبين المحليين الذين يقع على عاتقهم إنجاح المشروع على المستوى المحلي، في إطار ربط البلديات بالشبكة الوطنية، مع تحسين الجانب التقني المتعلّق بتطوير البنى التحتية ذات الصلة بقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية التي يتوقف عليها نجاح مشروع الرقمنة. وسعت السلطات في مختلف برامجها السنوية إلى تحسين وتطوير شبكة الاتصالات وخدمة أنترنيت بتوسيع الشبكة إلى كل الولايات والمناطق الداخلية والنائية عن طريق خدمة الجيل الرابع والألياف البصرية، مع زيادة حجم التدفق ورفع سعة النطاق الترددي الدولي لتسريع عملية معالجة المعلومات وتبادلها. ويبقى أمام مشروع التحوّل الرقمي بالجزائر الذي مسّ عددا من القطاعات وساهم بشكل أساسي في عصرنة وتطوير الخدمات العمومية وترقية مستوى أداء المرفق العام الكثير من التحديات الأخرى المطروحة بشدة حسب خبراء قطاع الاتصالات على رأسها تحدي حماية قواعد البيانات الخاصة بالمعلومات الشخصية للأفراد والشركات، ومدى حسن وصلابة الأنظمة المعلوماتية المعتمدة في مواجهة اختراقات "القرصنة" التي تهدّد استقرار الدول والمجتمعات، وأيضا مهمة تعميم هذه الخدمة لباقي الهيئات الأخرى الأكثر أهمية كقطاع الجمارك، الضرائب، أملاك الدولة التي تبقى ضمن الاستراتيجي المستعجلة التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، من أجل فرض مزيد من إجراءات التحكّم الجيد لهذه الخدمات.