أعلن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال لقائه الدوري الأخير مع وسائل الإعلام، عن قرب استحداث المحافظة السامية للرقمنة، أتى ذلك في معرض حديثه حول تنصيب المجلس الأعلى لضبط الواردات والهيئة العليا لمراقبة التصاريح الجمركية، وهما الهيئتان اللتان ستمكنان من ضبط مختلف التعاملات التجارية الخارجية وإيقاف ممارسات تضخيم الفواتير، وهذا بمساعدة المحافظة السامية للرقمنة التي سيكون من شأنها وضع إستراتيجية مدروسة للتحول الرقمي في مختلف مؤسسات الدولة، وهو الهدف الذي يعمل الرئيس جاهدا لتحقيقه في تجسيد لقوله "إن الرقمنة ستطبق بالإرادة أو بالقوة ". يؤكد الخبير الاقتصادي الدولي البروفسور فريد كورتل، أن رئيس الجمهورية يدرك تمام الإدراك قيمة وأهمية الرقمنة وما ستوفره من قيمة مضافة لشتى مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وعليه قرر استحداث المحافظة السامية للرقمنة، التي ستكون تابعة لرئاسة الجمهورية، تعطى لها من الصلاحيات ما يكفي لتنفيذ التزامات الرئيس في شقها المتعلق بالرقمنة، حيث ينتظر أن تسند إليها مسؤولية إعداد إستراتيجية لرقمنة مختلف الإدارات، خاصة وأن الرئيس تبون يلح في كل مرة على إدراجها في كل القطاعات، حيث سبق وأن أعطى مهلة ستة أشهر لقطاعات الجمارك والضرائب وأملاك الدولة لرقمنة خدماتها، غير أن تقاعس بعض الإدارات وعدم وجود آليات وخطط تساعد على السير بسرعة في هذا الصدد وبالتالي الوقوف على ما يسعى لتحقيقه رئيس الجمهورية، حال دون تحقيق هذا الهدف، وبالتالي فالمحافظة السامية ستعكف على وضع خطط واضحة وبآجال مضبوطة حتى تصل الإدارات إلى تحقيق الهدف المنشود. ويوضح البروفسور كورتل أن هذه الهيئة من شأنها أيضا المساهمة في توفير المعطيات الدقيقة الضرورية للمسؤولين والمسيرين على اختلاف مستوياتهم، ما يساعدهم على اتخاذ قرارات مبينة على أسس ومعلومات صحيحة، فالمعطيات التي تمنحها الرقمنة غير تلك التي تتناقلها المصالح فيما بينها، أين تخضع المعلومة لعملية تحريف تكون غير متعمدة في بعض الأحيان، وهو الأمر الذي يستبعد تماما بتطبيق التقنيات الرقمية الحديثة، ما يتيح الاطلاع على البيانات والمؤشرات في وقتها عوض الانتظار حتى نهاية السنة للحصول على الحصيلة القطاعية بعد تجميع للبيانات. ولعل من بين الأهداف التي ستعمل المحافظة السامية للرقمنة على تحقيقها يضيف المتحدث - هي السعي لرقمنة كل القطاعات، بما يضفي الشفافية التامة على التعاملات الداخلية للمؤسسات على اختلاف طبيعتها، وكذا الشفافية في تعاملاتها مع المواطن، ما من شأنه القضاء على البيروقراطية والفساد بشتى أنواعه. ضرورة لبناء اقتصاد قويّ ومنظّم من جهته، يرى أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الأغواط البروفسور لعلا رمضاني، أن الرقمنة ضرورية من أجل بناء اقتصاد قوي ومنظم، مبني على الموارد الطبيعية، والبشرية والمالية من جهة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تتأسس على المعرفة والمعلومة من جهة أخرى، وعليه فإن استعمال الرقمنة الاقتصادية من شأنه أن يعيد تنظيم البنى الاقتصادية بحيث تتيح زيادات هائلة في الإنتاجية، وتخلق قنوات أكثر للتوزيع، وتشجع على إنتاج السلع والخدمات، من خلال محددات قوية، كالمعرفة والشفافية وسهولة الحصول على المعلومة وتحسين التنافسية وتقليص الوقت، وذلك لدعم الابتكار الاقتصادي. وتندرج هذه الخطوة التي بادر بها رئيس الجمهورية ضمن الجهود المتسارعة والشاملة التي يبذلها من أجل تفعيل أداء الاقتصاد الوطني، والرفع من وتيرة التنمية الشاملة من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، كما أن المتغيرات الدولية الراهنة التي تفرض التوجه أكثر نحو الاقتصاد الرقمي، وهو ما يجعل من هذه الخطوة أكثر من ضرورية على اعتبار أن رقمنة المعاملات الإدارية والاقتصادية تعتبر دعامة أساسية لنهضة الدولة الحديثة. وكان الرئيس تبون في مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ الثاني أفريل 2023، قد أعطى الحكومة مهلة 6 أشهر كأقصى تقدير لرقمنة مصالح أملاك الدولة والضرائب والجمارك في مرحلة أولى قبل المرور للرقمنة الشاملة، مؤكدا أن الهدف من الرقمنة ليس تحديث وعصرنة المعاملات الإدارية التي تعتبر تحصيل حاصل في هذا المجال، بل هي قضية أمن قومي وخدمة لمصالح المواطن، كما سبق وأمر بتأسيس بنك معلومات جزائري، بشكل فوري ومستعجل من قبل وزارة المالية، يسهّل على مختلف مصالح الدولة، ممارسة مهامها وأداء واجبها تجاه مواطنيها، بأمثل وأنجع أسلوب، موضحا أنه يمكن الاعتماد في تحقيق هذا الهدف الحيوي بالنسبة للدولة على أحسن الخبراء والكفاءات الوطنية ومكاتب الدراسات دولياً.