يندرج مشروع قانون العقوبات، في إطار مسايرة التشريع الوطني للإصلاحات الاقتصادية المنتهجة من قبل الدولة ومرافقة المسيرين والمستثمرين وتشجيعهم وحمايتهم، في إطار السياسة الاقتصادية الجديدة للجزائر التي تقوم على تشجيع الكفاءات وجلب الاستثمار واستعادة الثقة في المسيرين العموميين والخواص من خلال لاسيما رفع التجريم على فعل التسيير. تتقسّم أحكام مشروع قانون العقوبات الجديد وفقا لما جاء في نصّ مشروع القانون إلى عدة محاور، أولا المحور المتعلق بتجنيح بعض الجنايات، ويتعلّق الأمر ببعض الجنايات المعاقب عليها بالسجن المؤقت من 10 إلى 20 سنة التي تصبح جنحا معاقبا عليها بالحبس من 10 إلى 20 سنة وكذا الجرائم المعاقب عليها بالسجن المؤقت من 5 إلى 10 سنوات لتصبح جنحا معاقب عليها بالحبس لنفس المدة. فيما تمّت دراسة الجرائم التي عقوبتها الإعدام والإبقاء عليها لكونها تكتسي خطورة كبيرة على حياة الأشخاص أو أمن الدولة، وتمّ في نفس الوقت تخفيض عدد الجرائم التي عقوبتها السجن المؤبد وذلك تماشيا مع الالتزامات الدولية للجزائر التي وقعت على العديد من الاتفاقيات التي تناهض هذه العقوبة. فيما خصّص المحور الثاني للعقوبات البديلة، حيث اقترح المشروع تعديل الأحكام المتعلقة بالعمل للنفع العام، بغرض رفع القيود التي أعاقت السير الحسن لهذه العقوبة عن طريق توسيع الهيئات التي يتمّ تنفيذ هذه العقوبة لصالحها، إلى الجمعيات المعترف لها بطابع المنفعة العمومية وحذف اشتراط أن يكون المستفيد غير مسبوق قضائيا ورفع العقوبة المقرّرة قانونا للجرائم التي تطبق عليها هذه العقوبة إلى خمس سنوات حبس بدلا من ثلاثة. كما يقترح المشروع إدراج عقوبة بديلة جديدة، ويتعلّق الأمر بالوضع تحت المراقبة الإلكترونية، يحدّد المشروع شروط وكيفيات تطبيقها، وينص على أن يسهر قاضي تطبيق العقوبات على تنفيذ هذه العقوبات والتي يشترط للحكم بها قبول المحكوم عليه، وينص المشروع على أنه في حالة الإخلال بالالتزامات المترتبة عليها تطبّق عقوبة الحبس المحكوم بها. هذا وركّز المحور الثالث على تعزيز حماية ضحايا، حيث يقترح المشروع تعزيز الحماية المقرّرة لضحايا بعض الجرائم عن طريق إمكانية الأمر بمنع المتهم من الاتصال بالضحية في جرائم التحرش الجنسي والاعتداء والاستغلال الجنسي وسوء المعاملة والعنف، ويطبق هذا الإجراء من قبل النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو جهة الحكم، ويبقى ساريا إلى حين الفصل في القضية، ما لم تقرّر الجهة القضائية خلاف ذلك. ويمكن الجهة القضائية في حالة الحكم بالإدانة في الجرائم السالفة الذكر، أن تمنع المحكوم عليه من الاتصال بالضحية أو التواصل معها بأي وسيلة لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات، ابتداء من تاريخ انتهاء العقوبة أو من تاريخ صدور الحكم القضائي، إذا كانت العقوبة موقوفة التنفيذ أو كانت غرامة أو عقوبة بديلة، علاوة على إعطاء الجهة القضائية إمكانية إخضاع المحكوم عليه لعلاج نفسي. كما ينص مشروع القانون على تعزيز الحماية الجزائية للضحية بتجريم نشر أو إذاعة صور أو رسائل إلكترونية أو مكتوبة أو معلومات خاصة لأي شخص، من جانب آخر يعزز المشروع الحماية الجزائية للمرأة من خلال تجريم قيام الزوج أو الخاطب بنشر بأي وسيلة صور خادشة لزوجه أو خطيبته أو يهدّد بنشرها أو إذاعتها أثناء قيام الرابطة الزوجية أو الخطوبة أو بعد انتهائها. أما المحور الرابع لمشروع القانون فخصص لتعزيز حماية المسيرين والمستثمرين، ويأتي هذا في إطار تحرير روح المبادرة لاسيما في القطاع الاقتصادي العمومي وخلق أحسن الظروف لتنشيط الاقتصاد الوطني، حيث يقترح المشروع مراجعة الأحكام المتعلقة بالجريمة المنصوص عليها في المادة 119 مكرر من قانون العقوبات، من خلال إدراج عناصر موضوعية وعقلانية تسمح للقاضي بتقدير المسؤولية الجزائية للمسير، اعتمادا على عناصر موضوعية تتمثل في خرق القوانين والتنظيمات وقواعد الأمن. من جهة أخرى يقترح المشروع تجريم عرقلة الاستثمار بسوء نية، من خلال إقرار عقوبات صارمة، قد تصل إلى الحبس ل 12 سنة، إذا ارتكبت الجريمة بغرض المساس بالاقتصاد الوطني وسهلت وظيفة الفاعل ارتكابها. وجاء المحور الخامس يدرج الجماعة الإجرامية المنظمة في قانون العقوبات، وهذا تماشيا مع أحكام اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، إذ يقترح المشروع إدراج تعريف الجماعة الإجرامية المنظمة المنصوص عليها في عدة مواد من قانون العقوبات. وتعد جماعة إجرامية منظمة طبقا لأحكام هذا المشروع، كل جماعة محدّدة البنية، تتشكل من ثلاثة أشخاص أو أكثر، تألفت لفترة من الزمن، تقوم بفعل مدير بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجنايات أو الجنح المعاقب عليها بعقوبة 5 سنوات حبس على الأقل، من أجل الحصول، بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى. وتشمل هذه الجرائم الجريمة المنظمة عبر الوطنية والتي لازالت تثير الكثير من الجدل بسبب عدم إيراد أي تعريف لها في التشريع الوطني، وتعد جريمة منظمة عبر الوطنية طبقا لهذا المشروع، كل جريمة عابرة للحدود الوطنية، تضطلع جماعة إجرامية منظمة بتنفيذها أو الاشتراك فيها أو التخطيط لها أو تمويلها أو الشروع فيها. وفي محوره السادس، ركز مشروع القانون المتضمن قانون العقوبات على جرائم انتحال الوظائف أو إساءة استعمالها، حيث تظهر الإحصائيات الدورية تنام متصاعد لجرائم انتحال صفة الموظفين وإطارات الدولة، والتدخّل في الوظائف العمومية من طرف أشخاص ينتحلون صفات حدّدت السلطات العمومية شروط منحها واستعمالها، وأدت إلى وقوع الكثير من الضحايا نتيجة الابتزاز ودفع الأموال مقابل وعود بتحقيق منافع مختلفة. وبحسب ما جاء في عرض الأسباب، فإن هذه الوضعية تمسّ بمصداقية مؤسسات الدولة وأعوانها، وتعطي صورة سلبية عن عمل هذه المؤسسات وسلوك أعوانها وإطاراتها، لذلك يقترح المشروع تجريم بعض الأشكال الجديدة لهذا الإجرام وتشديد العقوبات بالنسبة لبعض أشكالها الأخرى. وخصص المحور السابع لتعزيز حماية الأسلاك الأمنية، وتحقيقا لذلك، تمّ رفع العقوبات المقرّرة لأفعال الإهانة والتعدي التي يتعرض لها المنتمين إلى مختلف الأسلاك الأمنية، من خلال تقرير حماية خاصة لهم من الاعتداءات التي يتعرضون لها يوميا أثناء أو بمناسبة ممارستهم لمهامهم. ويأتي هذا كدعم إضافي للنصوص التشريعية والتنظيمية السارية المفعول، خاصة القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي تكرس أحكامه حماية الدولة للموظف مما قد يطاله من اعتداءات أثناء ممارسة مهامه أو بمناسبتها. وجاء المحور الثامن لتجريم عدة أفعال جديدة، إذ يقترح المشروع تجريم عدة أفعال جديدة التي عرفت انتشارا واسعا في السنوات الأخيرة ويتعلق الأمر لاسيما بتجريم أفعال التزوير واستخدام المزور بهدف الحصول على عقار أو مسكن بغير وجه حق، وأفعال الشعوذة وأفعال التسوّل التي ترتكب في إطار جماعة إجرامية منظمة، وأفعال التزود بالوقود أو القيام بتعبئة رصيد المكالمات الهاتفية أو الانترنت أو الحصول على أي خدمات أخرى مع العلم بعدم القدرة على دفع ثمنها. كما يجرّم المشروع الإهانة أو السب أو القذف الموجه بأي وسيلة ضد رموز الثورة التحريرية، منها المجاهد والشهيد والنشيد الوطني والعلم الوطني. علاوة على المحاور الثامنية، تضمن المشروع عدة أحكام أخرى تتعلق أساساً بمراجعة الأحكام المتعلقة بظروف التخفيف وتوسيع حالات الدفاع الشرعي المنصوص عليها في قانون العقوبات إلى الأفعال المرتكبة لوضع حدّ للجريمة، وإدراج عقوبة الغرامة في عدة جرائم والنص على أن تباشر النيابة العامة إجراءات المتابعة تلقائيا، في جرائم الإهانة والسب والقذف الموجهة إلى الهيئات النظامية وتشديد العقوبات في جرائم الإهانة والتعدي على سلك المعلمين والأساتذة وتوسيع الحماية المقرّرة للإمام لتشمل الاعتداءات التي قد يتعرض لها أثناء وبمناسبة ممارسة مهامه، وحذف اشتراط أن تتمّ هذه الاعتداءات داخل المسجد، وإدراج أحكام جديدة تحمي المنشات الأساسية.