شرعت الجزائر، مؤخرا، وفي فترة زمنية لا تتجاوز نهاية سنة 2023، في تعميم رقمنة جميع القطاعات، كأكبر ورشة تم بعثها منذ الاستقلال.. قطاع المالية سيعمل على تحريك باقي القطاعات الأخرى، مما سيضمن دعم الاستثمار وتبسيط الإجراءات الجبائية وتعبئة الموارد ومكافحة الغش الضريبي. كما يتم، مستقبلا، تجسيد الرقمنة على مستوى الإدارة الجزائرية، من أجل توفر معطيات دقيقة تمكن من حصر دقيق للاحتياجات وتوفيرها وفقا لمتطلبات السوق بعيدا عن التضخيم. اعتبر الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني، قطاع المالية، القاطرة التي تقود الاقتصاد الوطني، وفق معطياته الاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بكل قطاع على حدة، من خلال رصد الميزانيات اللازمة لتجسيد مشاريع تحتاج لأرقام وبيانات دقيقة لمتابعة تجسيدها ميدانيا. مشيرا إلى إن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا برقمنة القطاع المالي وتزويده بالأدوات التنظيمية والتكنولوجية المحينة، من أجل مرافقته في قيادة الاقتصاد الوطني ماليا وتسهيل أدائه لمهمته الرقابية على المستوى الضريبي والجمركي. من جهة أخرى، إحلال الشفافية وتعميمها، مما يسهل عملية اتخاذ القرارات على مستوى مراكز القرار، خاصة كونه مستمدا من بيانات حقيقية وواقعية، بما يسمح باستغلال المعطيات المطروحة على مستوى السوق المالية الوطنية، وتجسيد الاستراتيجية الوطنية للأجهزة المالية للبلاد من مؤسسات ضريبية وجمركية ومصرفية. طريق مختصر شدد الخبير الاقتصادي على ضرورة وضع استراتيجية وطنية - تشمل مسح الأراضي وتسيير أملاك الدولة من عقار فلاحي وصناعي- تقوم على رقمنة العقار وشفافية استغلاله بشكل موحد، بالتنسيق مع باقي القطاعات والمصالح الوزارية ذات العلاقة المتداخلة بينها فيما يتعلق بعملية استغلال العقار. حيث يرى المتحدث أن الرقمنة، بالإضافة إلى تحقيقها لشفافية استغلال البيانات والموارد الوطنية وكبح الممارسات البيروقراطية، فإنها تمكن من تقريب مراكز صنع القرار من المتعاملين الاقتصاديين، مستشهدا بالدور الذي تلعبه الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار عبر منصتها الرقمية وشباكها الوحيد. أما بالنسبة للمؤسسات البنكية والمصرفية والتأمينية التابعة لقطاع المالية، فيعتبر سليماني أن رقمنتها، ستسمح بتوفير الأدوات النقدية القادرة على دعم قيمة العملة الوطنية وتشكيل حاجز استراتيجي ومالي أمام زحف التضخم. كما أنها تسهل عملية تحقيق الشمول المالي، واعتماد منتجات مصرفية جديدة، كان القانون النقدي والمصرفي، الذي تم نشره مؤخرا في الجريدة الرسمية، قد أقرها بمنحها حيزا قانونيا رسميا كالصيرفة الإسلامية، مما سيسهل استقطاب الأموال المتداولة خارج البنوك، بالسوق الموازية والتي بلغت قيمتها 90 مليار دولار، بحسب تصريحات الجهات الرسمية. احتياطي الصرف في ارتفاع تفاءل سليماني باكتساء مؤشرات الاقتصاد الكلي للبلاد للون الأخضر، حيث بلغ الناتج الخام المحلي 233 مليار دولار، كما بلغ الميزان التجاري 26 مليار دولار، في حين بلغ احتياطي الصرف 64 مليار دولار، إلا أنه شدد على ضرورة تفادي تقديم الأرقام المقربة واستبدالها بأخرى أكثر دقة ومتفقا عليها من طرف كل القطاعات التي تتقاسمها، على غرار قطاعي الجمارك والضرائب. وذكر سليماني، جانبا مهما من إيجابيات تفعيل الرقمنة على مستوى الإدارة، تمثل في تسهيل عملية تحصيل الضرائب الجوارية والجباية المحلية. وعبر عن أمله في طرح، قريباً، قانوني البلدية والولاية، المتواجد حاليا على مستوى البرلمان، في انتظار المصادقة عليه من طرف أعضائه. بما يفتح آفاقا جديدة لتسيير الجماعات المحلية، خاصة تلك المتعلقة بالتحصيل الجبائي، أين ستستفيد البلديات من العائدات الضريبية المتواجدة على مستوى إقليمها المحلي، في محاولة لتحقيق التوازن الاقتصادي الجهوي ولامركزية التسيير. وتحدث الخبير عن إحصاء العائدات الضريبية، ليتوقف عند ملف مكافحة الغش الضريبي والتلاعب بالمال العام من خلال تضخيم فواتير الاستيراد، أهم الملفات المطروحة بصفة دائمة على طاولة اجتماعات مجالس الوزراء، ليتم تنفيذ المخرجات المتعلقة بها بصرامة. ومن أهم التعليمات والتوصيات التي تم إسداؤها وتحديد آجال قياسية، لا تتعدى نهاية سنة 2023، رقمنة جميع القطاعات، التي يعتبر قطاع المالية أهم وأكبر ورشة في معادلة الرقمنة التي ستجمع جميع القطاعات. رقمنة العقود وتنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، باشرت مديرية أملاك الدولة باتخاذ إجراءات فورية لاستكمال رقمنة أملاك الدولة ومسح الأراضي التابعة لها. حيث سيفرض، قريبا، على الموثقين المحررين للعقود إدراج رقم التعريف الوطني والرقم الجبائي إلزاميا في كافة العقود لمطابقة المعطيات المسحية والوثائق العقارية العامة. وبحسب المذكرة رقم 07398 المؤرخة بتاريخ 15 ماي 2023، الصادرة عن المديرية لعامة لأملاك الدولة، بعنوان «رقمنة العقود»، فإن متطلبات الرقمنة، تفرض وضع قواعد البيانات والوثائق العقارية والمسحية مستقبلا، تحت تصرف المصالح الجبائية. حيث أن قواعد البيانات تتضمن الوثائق المسحية والبيانية، في حين تتضمن قواعد بيانات الوثائق العقارية العامة والحفظ العقاري، سجلات عقارية وبطاقات عقارية أبجدية وشخصية وبطاقات عقارية مسحية ريفية وعقارية، تخص الترقيمات العقارية، العقود المشهرة وسندات الملكية. وهو ما يعتبره سليماني خطوة مهمة ستخطوها الجزائر من أجل بناء اقتصاد قوي، يعتمد على بيانات رسمية وأرقام حقيقة وموحدة، تقطع الطريق أمام الاقتصادي الموازي وتسمح بتشخيص الثغرات والفجوات التي تحول تحقيق الأهداف المسطرة، إضافة إلى تحديد وبدقة، مكامن الإشكاليات التي تحول دون تجسيد الأهداف ومن ثم التحرك الفوري لإزالة العراقيل.