بعد قيام الثورة التحريرية المجيدة في غُرّة نوفمبر 1954، سخّرت الإدارة العسكرية الفرنسية ومن ورائها السلطة الحاكمة وجمهورياتها المتهالكة تباعا، كافة إمكاناتها المادية وقدراتها المالية وطاقاتها البشرية المختلفة للتصدّي لهذه الملحمة التي أطلق شرارتها شبابٌ آمنوا بعدالة قضية شعبهم الذي طالهُ القهر والغُبن والظلم وعمليات التعذيب والقتل والتشريد، ومحاولة النيل من ثوابته وتاريخه ودينه.. طيلة 132 سنة. كما حاول هذا القلم المأجور النّيل من برامج إذاعة صوت العرب من القاهرة، ناقلا أخبارا كاذبة عن إحدى الصّحف النرويجية التي كانت تدور في فلك الاستعمار الفرنسي وأطروحاته، كما زعم أنّ ممثلي جبهة التحرير الوطني طُردوا من جميع البلدان التي زاروها! وتواصل "الجريدة" حملتها الشعواء على الإذاعات العربية التي كانت صوتا لثورة الشعب الجزائري بكلّ موضوعية ومصداقية بعيدا عن التهوين والتهويل وبعد حملتها على إذاعة صوت العرب من القاهرة، وتجنّيها كذبا على إذاعة دمشق، جاء دور الإذاعة التونسية حيث كتب صاحب مقال (كلّ شيء يسير على ما يرام) ما يلي: "طبعا كانت هذه الإذاعة التونسية لا تذكر سوى نجاح الثوار المدهش ونظامهم الدقيق وإرادتهم الحديدية"، وهذه حقيقة لا مِراء فيها ولا ننكرها نحن الجزائريون وحتى الفرنسيون، كما أكّدها الواقع الثوري ووسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية المحايدة، وكانت من العوامل التي بموجبها تم تحقيق النصر وتجسيد أهداف الثورة. وقد حاول في المقال ذاته، الردّ على هذه الحقيقة الناصعة برسالة مفبركة باسم: "ولاية وهران، المنطقة رقم 2، الناحية رقم 2، من القائد العسكري للمنطقة رقم 2 إلى القائد العسكري للناحية.. أخي العزيز.. وهي مؤرخة 21 مارس 1957.." ولأنّ جميع رسائل جيش التحرير الوطني كانت تُوقَّع دائما بصفة رسمية مع إرفاقها بالختم الدائري عليها وبوضوح، إلا أنّ صاحب المقال ختم هذه الرسالة المفضوحة بعبارة "التوقيع غير مفهوم"! ليزيد في التأكيد على تزوير رسالته المزعومة دون أن يدري! محاولة النيل من رموز الثورة وقادتها ومواثيقها أما الصفحة الرابعة فقد استهلت بعنوان: (سماسرة الكذب)، حاول من خلاله صاحب المقال النيل والانتقاص من الرمز فرحات عباس وإلصاق عديد التّهم المزعومة ضدّه، واصفا إياه بهتانا بأنّه "ذا الأناقة المتزايدة والمعروف في..، يقصد السفر متبوعا بمشعوذيه وحقائبهم مملوءة بالأكاذيب". وكان يعني سفرياته إلى دول أمريكا الجنوبية والنرويج والدانمارك واسكندنافيا.. بأوروبا بأمر من جبهة التحرير الوطني، وهذا طبعا قبل عام من تأسيس الحكومة الجزائرية المؤقّتة في 19 سبتمبر 1958 التي أضحى أول رئيس لها. وقد واصلت الجريدة تهكّمها وتهجّمها الشديدين على شخص المجاهد فرحات عباس، متتبعة آثاره وسفرياته الدبلوماسية وتصريحاته في فنزويلا وفي غيرها، لكن وفي هفوة سقط فيها كاتب مقال (الغربال) دون أن يشعر حين اعترف ببراعة السيد فرحات عباس وبقدرته على التصدّي للمشاكل، بقوله: "ونحن نعترف بأنّ فرحات عباس يعرف كيف يحلّ المشاكل بطريقة فاجعة"، ورغم أنّ هذا المأجور صدح بالحقيقة في شخص هذا الرمز، إلا أنّنا لن نقبلها منه. ومن الأراجيف التي قامت هذه الجريدة بنشرها أنّ كريم بلقاسم - الذي وصفته متهكّمة باستهزاء: (الطيار كريم بلقاسم) - صرّح عبر عديد الصحف يوم 22 أوت 1957 أنّ جبهة التحرير الوطني لديها: "300 طائرة ميغ 17 جاءتها من روسيا، علاوة على إعانة قدرها 400 مليار فرنك"!!.. أرقام مهولة فعلا بحجم ميزانيات دول مستقلة!، وهذه لعمري قمة الدناءة والفبركة المكشوفة التي لا يصدّقها عقل، باستثناء عقل من يفبركها، من باب "أكذب.. ثم أكذب حتى تصدّق نفسك"!!، وهذا الذي ينطبق فعلا على هذه الجريدة وعلى كلّ وسائل الإعلام الفرنسية في تلك الحقبة. كما انتقص كاذب المقال من قادة آخرين على غرار حسين تريقي وآيت محمد حسن في رحلتهما إلى لِيمَا عاصمة البيرو، إلا أنّ اعتراف عديد الدول - التي ذكرها وغيرها- بالحكومة الجزائرية المؤقتة عقب تأسيسها وفتح مقرات لها بعواصمها واستقبال ممثليها، فنّد مزاعم صاحب المقال الكاذب الذي دعّمه برسومات كاريكاتورية علّه يجد من يقرأ ترّهاته الفجّة. بينما تهجّم صاحب مقال (البكاء.. البكاء) على القانون الداخلي لجبهة التحرير الوطني، الذي تم توزيعه بوجدة على أفراد جيش التحرير الوطني، ممّا يؤكّد أنّ جميع جرائد ومطبوعات ووثائق الثورة سواء السياسية منها أو العسكرية، الصادرة بالداخل أو بالخارج كان العدو الفرنسي وأجهزة أمنه ومصالح مخابراته واستعلاماته تحرص أشدّ الحرص للحصول على نسخ منها، للاطّلاع على محتوياتها وفحص مادتها ودراستها وتحليلها والتعليق عليها. انتحال شخصية امرأة جزائرية وفي السياق نفسه، نشرت الجريدة الرسائل المفبركة في هذا العدد الذي بين أيدينا رسالة مجهولة ومزوّرة على لسان إحدى القارئات الجزائريات - حسب زعمها - بعنوان (رسالة من قارئة)، التي تقول: "إنّني متخرّجة من المدارس العليا في الجزائر"، دون أن تحدّدها بدقّة أو تتطرق إلى تخصّصها، وتضيف في هذه الشكوى المنسوبة إليها: "إنّني أعيش مع شقيقي الكبير الذي يعاملني بقساوة بعيدة عن عقلية عصرنا الحديث"، لتواصل أو يواصل صاحب الرسالة أكاذيبه وأراجيفه.. ولا أدري كيف وصلت هذه الرسالة المكذوبة إلى الجريدة، خاصّة أنّ صفحاتها الأربع خالية تماما من عنوانها البريدي وصندوق بريدها ورقم هاتفها واسم المطبعة ومؤسّسة التوزيع! وحتى من أسماء محرّريها والقائمين عليها! فكيف وجدت هذه (القارئة) المزعومة سبيلا إلى الجريدة، وكيف أرسلت شكواها وآهاتها إلى الجريدة؟؟! كما أنّ أسلوب الرسالة شبيه إلى حدّ كبير بركاكة وهزالة بقية مقالاتها أو (مقائلها) ومادتها الفَجّة، والتي يبدو لي ولكلّ مدقّق لها أنّها جميعا من حَبْك وتحرير واحدٍ أو اثنين من بني جلدتنا - للأسف الشديد - ممّن باعوا ضمائرهم ووطنيتهم ودينهم للعدو بفرنكات معدودات! خلاصة: كان هذا ديدن القائمين على هذه الجريدة وكلّ وسائل الإعلام الفرنسية التي كانت في خندق واحد مع الجيش الفرنسي المهزوم، طيلة سبع سنوات أو يزيد بالموازاة مع العمل المسلح والجرائم ضدّ الإنسانية وحرب الإبادة التي اعتمدها.. تسانده في ذلك وتواكب جرائمه ترسانة ضخمة من وسائل الإعلام الفرنسية علّه يجن منها شيئا! لكن هيهات.. هيهات.. فجميع جرائمه كانت وبَالاً عليه وباءت بالفشل المبين والهزيمة المدوّية، بينما انتصر جيش التحرير الوطني وفاز الشعب الجزائري الذي ينعم اليوم بالكرامة، بعدما حقّق حريته واسترجع سيادته واستقلاله في 5 جويلية 1962. الحلقة الثانية