يعدّ التراث في الفنّ المعاصر بشتّى صنوفه وأشكاله رافدا مهما يغذّي التجربة ويكسبها عمقا وفنية، وهذا أمر تنبّه له كلّ فنان بحسب ميوله وثقافته، ولقد تفطّن أهل الفنّ والأدب إلى أنّ التراث لبنة في ربط التجارب القديمة وبالواقع لاستخلاص نغمة إبداعية جديدة، كما يؤكّد الدكتور أحمد بقار أستاذ الأدب العربي بجامعة قاصدي مرباح، في حديث خصّ به "الشعب". ويعتبر الدكتور أحمد بقار أنّ توظيف التراث في الأدب متعدّد بحسب ميول الفنان، ومتنوّع بين التاريخي، الديني، الشعبي (الفولكلور)، الأسطوري، واستدعاء الشخصيات؛ لأنّ التراث بإيجاز - يقول المتحدّث- هو ما يتركه الماضي للحاضر، وما يخلّفه الحاضر للمستقبل، فهو سنّة كونية مرتبطة بفعل الزمن وصناعة الإبداع البشري في المعمورة. وبالحديث عن توظيف التراث في الفنّ، قال محدّثنا: "سنجد أن لا فنّ بمعزل عن الاستلهام منه، نجده عند الروائي وعند الشاعر وعند المسرحي وعند الرسّام وعند السينمائي، غير أنّ طريقة التناول والتوظيف تختلف جذريا عن طريقة تناول المؤرخ، فشتّان بين العلم والفنّ، وأضاف: "الفنّان له الحرية في الانتقاء والتوظيف وتوجيه التوظيف بما يخدم فكرة موضوعه ورسالته التي يريد إيصالها للمتلقّي، فمثلا، المؤرخ يتكلّم عن شخصية كليوباترا، ويحدّثنا عن ولعها بجمالها، وأنّها أوشكت على بيع مصر من أجل أنطونيوس، غير أنّ أحمد شوقي وظّفها بصورة مغايرة تماما تقتضيها ضرورة المرحلة، فقد قدّمها في صورة الملكة التي تغار على وطنها، وأنّها انتحرت كي تبقى صورة الملكة التي لا ترضى بالأسر؛ ففي أسرها أسر لمملكتها والخير أن تموت حرّة. ومن الأمثلة التي قدّمها المتحدّث في الأدب الجزائري والرواية الجزائرية تحديدا، نجد الروائي عبد الحميد بن هدوقة في روايته المتميزة (الجازية والدراويش)، قال إنّ الروائي استنطق التراث الجزائري العميق، ف«العنوان يشي بروح التراث، والجازية اسم لفتاة هلالية جميلة، واسم الدراويش هو اسم تراثي جزائري لأهل الحضرة والرقص الصوفي، ومن خلال "الجازية والدراويش" – يقول محدّثنا - تبدو تلك الجمالية في التوظيف، إذ أنّ الأديب يجعل الجازية رمزا لجزائر بعد الاستقلال، وأنّ الدراويش هو صوت البسطاء من الناس الذين يعيشون في حبّ الجازية بكلّ بساطة وعفوية ويباركون كلّ جهودها.