طريق الغنم.. الطريق الذي يروي مرور أكثر من مليوني رأس غنم من سلالة "الدغمة" أو "الحمراء" إبان الحقبة الاستعمارية قادمة من مدينة المشرية ولاية النعامة متوجهة إلى ميناء الجزائر العاصمة ومنه إلى مدينة مرسيليا الفرنسية، كذلك الأمر بالنسبة لخط السكة الحديدية الرابط بين بشار والمحمدية ثم الموانئ من أجل تسهيل عملية نهب أغنام الدغمة دون توقف، ... هي قصة بنى تحتية تشهد على المقومات الهائلة التي تتوفر عليها الجزائر لتربية الأغنام وبأعداد كبيرة منذ القدم، وقد تحركت الإرادة الوطنية مؤخرا من أجل إعادة بعث واستغلال سلالة "الدغمة" الموروث الحيواني وتطويره بالإمكانيات العلمية والتكنولوجية المتوفرة اليوم، لتحويله إلى ثروة اقتصادية حقيقية وتحقيق نهضة محلية وإقليمية لتصبح حجر أساس في الأمن الغذائي ومصدرا للعملة الصعبة في حال التصدير. تعتبر سلالة الحمرا أو الدغمة أفضل نوع لإنتاج اللّحوم في الجزائر منها ثلاثة أصناف، نوع المشرية والبيض، نوع العريشة أسود اللون تقريبا والنوع الأكثر قوّة نوع المالاكو من الشط الشرقي، وهي السلالة التي تكتفي بالقليل، تتركز بغرب الجزائر، كما تتواجد بجنوب غرب الجزائر وفي سفوح جبال أطلس الصحراء، وكادت أن تنقرض في الجزائر بسبب عزوف الموالين في تربيتها بسبب تفضيلهم لسلالة أولاد جلال ذات القامة الكبيرة. وبحسب الأستاذ المحاضر بجامعة المسيلة قسم العلوم الزراعية والبيطرية د. عاشور مناني تعد هذه السلالة ممتازة جدا، حيث تتميز بقامة قصيرة نسبيا، معدل وزن مولودها 2.5 كغ، ويصل وزنه 25 كغ في 5 أشهر فقط، وهي من أحسن السلالات تحملا للجفاف ونقص الغذاء والحرارة الشديدة وتتحمل الفارق الحراري الكبير من حرارة وبرودة والرياح القوية بسبب قصر قامتها، كما انها سلالة لا تهدد الغطاء النباتي القليل في المنطقة وتكتفي بكمية أقل بكثير من سلالة أولاد جلال الشرهة جدا ولا تكلف كثيرا في التربية كالأنواع الأخرى، ناهيك عن لحومها التي تعد من أجود أنواع اللّحوم، وتمتاز أيضا بإنتاج غزير للحليب لتغذية صغارها حتى في الظروف القاسية التي تميز المنطقة. ويرى د. مناني في تصريح ل "الشعب" أن تثمين السلالات المحلية في بلد كان في الأمس القريب يموّل أوروبا باللّحوم والحبوب وكل الخيرات، كفيل بإحداث تنمية إقليمية واقتصادية من خلال الاستثمار المحلي في هذا السلالات وتعزيز الأمن الغذائي وما يتبعه من تحريك للعجلة الاقتصادية محليا ومختلف السلسلة الإنتاجية المرتبطة به. الأجود عالميًا وتحدث المختص في العلوم الزراعية والبيطرية في هذا الخصوص استغلال الصوف المحلية الناتجة عن أغنام هذه المناطق التي كانت هي الأخرى تصدر في وقت الاستعمار والتي تتميز بنوعية ممتازة جدا، مشيرا أنه حاليا هناك محاولات من بعض المؤسسات الخاصة التي تنشط في هذا المجال، على غرار تلك الموجودة في صالح باي بسطيف مختصة في تحويل وتصدير الصوف لدول أوروبية وآسيوية، حيث يقوم بتجميع حوالي 70 % من صوف السلالات المحلية. في المقابل أشار المتحدّث إلى ضرورة تثمين الجلود الجزائرية، التي تعد من أحسن الأنواع عالميا، لأن الأغنام المحلية في المناطق السهبية، المناطق شبه الصحراوية والمناطق الصحراوية تتعرض لأشعة الشمس لساعات كثيرة في اليوم، والتي تتراوح أحيانا ما بين 8 إلى 10 ساعات في اليوم، ما يجعلها تتمتع بخاصية متميزة بها وتجعل من جلودها ذات جودة رفيعة جدا، لهذا فالجلود الجزائرية أيضا مصنفة من أحسن الجلود العالمية لكن للأسف ما يزال استغلالها لا يرقى للمستوى المطلوب. ويرى د. مناني ضرورة استغلال هذه الإمكانيات الاقتصادية التي يتيحها استغلال السلالات المحلية سيما في إحداث تنمية في هذه الأقاليم أو المناطق السهبية أو المناطق الرعوية وحتى المناطق الصحراوية، وذلك من خلال استحداث وحدات لتثمين الجلود وتصديرها للخارج، ما يجعل منها قيمة مضافة للاقتصاد الوطني تنتظر الاستغلال والتطوير. من جهة أخرى أشار المختص في العلوم الزراعية والبيطرية، إلى سلسلة إنتاجية هامة تفرزها إعادة احياء السلالات المحلية والتي تتعلق بإنتاج اللحوم من السلالة الحمراء هي الحمراء التي تنتشر بالغرب الجزائري، والتي تصنف أيضا من أجود الأنواع عالميا من حيث النوعية، وكذلك حيث سرعة النمو، كما أنها تتميز بالخصوبة، حيث تتمتع إناثها بقدرتها على الحمل بتوائم، ما يعني إنتاج وفير للحوم. التنشيط الهرموني والتلقيح الاصطناعي.. لتكثيف الإنتاج وأكد المتحدّث أن انتاج اللّحوم يمكن أن يتضاعف في هذه السلالة خاصّة في حال اعتماد التقنيات الحديثة عن طريق التنشيط الهرموني والتلقيح الاصطناعي من أجل تكثيف الإنتاج، ناهيك عن التسمين المكثف للخراف، مشيرا إلى أن تطبيق التقنيات الحديثة في تربية الأغنام في الجزائر سيضمن رفع الإنتاج على أن يكون استخدامها مهيكلا ومنظما من طرف الموّال الجزائري، وذلك من أجل نشر ثقافة علمية وتقنية لديهم. وبحسب د. مناني لابد من تكثيف الأيام التحسيسية، الأيام العلمية والملتقيات وتوعية الفلاح، بأهمية استخدام هذه التقنيات في تربية المواشي، والابتعاد عن الطرق التقليدية البدائية التي تبقى كمية انتاجها قليلة، والرقي بهذه الشعبة من خلال النظر إليها بتفكير اقتصادي بحت وهو كيفية الرفع من إنتاجية قطعان الغنم بالجزائر، وهذا يمكن أن يكون بالتنبيه أو التنشيط الهرموني للنعاج من أجل الحمل بتوائم، والتركيز على تغذية الخرفان من أجل رفع إنتاجية حظائر الغنم بالجزائر عبر استخدام التكنولوجيا الحيوية.