يتقاطع انشغال شباب بلدية دواودة في التفكير اليومي وإيجاد سبل يسلكونها ويجتازون عبرها كل المسالك التي تحول بينهم وبين شبح يفضّلون تسميته ب ''الشوماج'' بدل البطالة. هم شباب ينبذون مصطلح البطالة، ويرفضون الكسل والتكاسل، التمست ''شباب بلادي'' منهم الارادة والاصرار على جلب القوت وتحدّي ظروفهم الصعبة رغم امكانياتهم العلمية البسيطة جدا. وبيد أنّ دواودة منطقة سياحية وفلاحية وتعتبر بوّابة تيبازة التي تزخر بمؤهلات متنوعة، إلاّ أنّ الشباب أجمعوا على أنّها تفتقد لهياكل تخدمهم. ''محمد أمين''، 27 سنة، لا يملك أي مؤهل علمي، وجدناه بمدخل دواودة المدينة، يبيع البرتقال الهندي المعروف ب ''البمبلوموس''، تحسّر على الزمن الذي لم يكن يفقه فيه معنى الذهاب إلى المدرسة، وأكّد ''محمد الأمين'' أنّه لو عاد الزمن به إلى الوراء، لتشبّث بمقاعدها حتى آخر المشوار الدراسي، قائلا: ''إنّ ما أقوم به هو عمل شريف لكنه غير دائم ولا يضمن دخلا شهريا يؤمّن أعباء الحياة، خاصة في ظل القضاء على التجارة الموازية. صراحة إنّنا نستغل الفرص لعرض هذا المنتوج على المارّين من هذه الناحية، لبيع هذه السلعة في ظل انعدام سوق بلدي بالمنطقة، ولهذا نأمل أن تستفيد بلديتنا من برامج الحكومة الخاصة بالأسواق الجوارية حتى يكون للشباب نصيب فيها''. ''عمار''، 30 سنة، شأنه شأن ''محمد أمين''، نفس الظروف ونفس الانشغال، لا يملك مستوى علميا أو تكوينا مهنيا أو حرفة، هاجسه الكبير هو الظفر بشغل يزيح عنه عبء الحياة. التقت به ''شباب بلادي'' برفقة شابين آخرين على قارعة طريق ''مقطع خيرة'' ناصبا طاولته لبيع لحوم الديك الرومي المشهور بالمنطقة وغير بعيد عن سوق بيع هذا النوع من اللحوم، كل ما يطلبه من الهيئات المعنية والسلطات المحلية التفاتة تعطي للشباب حقه في الحياة حيث قال: ''أضحى الكثير منهم متشائما في ظل المؤهلات التي تزخر بها المنطقة، مضيفا أنّه أصبح ناضجا ومصرّا على أنّه لا يضيّع وقتا إذا فتح له مجال التكوين في أي تخصص يتماشى وخصوصية ولاية تيبازة'' . ''مصطفى'' في العقد الثلاثين، لا يؤمن بشيء اسمه البطالة، بدأ من نقطة الصفر معتمدا على فطنته وإداركه معنى الحياة، يقول: ''لو انتظرت مساعدة أحد أو جلست أندب حظّي لما وصلت أن أحقّق على الأقل 60 بالمائة ممّا وصلت إليه الآن والحمد للّه، كوني معروف في حيّي بسلوكي السوي حيث كنت أتوسّط بين الناس كسمسار، أصبح الكثير يثق بي عند بداية مشواري، وبعد جهد كبير وتحدي ظروف واكتساب خبرة لابأس بها قمت بفتح وكالة عقارية مع شاب مثلي، ونحن نعمل الآن بكل عزم وإصرار على تحسين مستوى عملنا ونحرص على إرضاء الزبائن باختلاف أنواعهم. صحيح أنّ البطالة ''معضلة''، وعلى السلطات بكل مستوياتها أن تعمل جاهدة لتسطير برنامج خاص لإدماج فئة الشباب في عالم الشغل، لكن على هذا الشاب أن يبرهن نيّته وإخلاصه ومشاركته في العمل التنموي من خلال امكانياته الفكرية وقدراته العقلية والجسدية. دواودة البحرية وجهة أخرى للبحث عن لقمة العيش وبدواودة البحرية، وجدنا شاب يبلغ من العمر 25 سنة يقوم بحراسة السيارات المصطفة للسياح، الذين فضّلوا هذه الوجهة لتذوّق أنواع المثلجات والاستمتاع برائحة كل أنواع الشواء وخاصة الأسماك منها. يقول ''سالم '': ''هو العمل الوحيد الذي أجلب منه رزقي، بعدما جرّبت عدة مرات التجارة في مختلف السلع، لكن محاولاتي باءت كلها بالفشل خاصة أنّ البلدية تفتقد للأسواق الجوارية التي يستفيد منها الشباب''. صديقه ''جمال''، شاب ألف نفس المهنة، حيث يتقاسمان الأرصفة ويتداولان على حراسة السيارات ما خلق جوّا من التفاهم بينهما بالمنطقة المستغلة من هؤلاء الشباب، ولهذا يأملان ويطلبان من رئيس البلدية خاصة ومن السلطات المحلية عامة أن يكون هناك مشروع إنجاز حظائر في إطار البرامج التنمية المحلية تسير بطريقة منظّمة وبطريقة مقنّنة يستفيد منها الشباب، خاصة أنّ المنطقة سياحية وتحوي مساحات شاسعة لاحتواء هذه المشاريع والاستثمار فيها. ''حكيم وسليمان''، شابان في مقتبل العمر، يشتغلان عند أحد الخواص في تقديم المأكولات والمثلجات بدواودة البحرية، الأول يحمل شهادة تكوين في صناعة الحلويات، أما الثاني يقوم بخدمة الزبائن بحكم التجربة التي اكتسبها منذ حوالي 5 سنوات في الميدان، لكن عملهما يكاد أن يكون موسميا خاصة في فصل الصيف ليركنان للراحة أيام الشتاء والبرد. يقول حكيم: ''أتمنى أن تستفيد المنطقة من البرامج التنموية والسياحية خاصة حتى نتحصل على مناصب عمل دائمة. ففي إطار هذه المشاريع الاستثمارية التي حتما تعود بالفائدة على ولايتنا عامة وعلى السياح والمواطنين سوف تجعلنا مستقرين سواء شبان أو شابات''. ''كمال''، 28 سنة، التقيناه مع مجموعة من الشباب، بنظرة تفاؤلية ينتظرون وكلّهم أمل في برامج ترقى بالتنمية المحلية وتضمن لهذه الفئة مراكز التكوين، لاكتساب حرفة أو مهنة وهياكل تثقيفية وترفيهية، وفتح مناصب شغل في إطار الاستثمارات المسطّرة في برامج الحكومة التي تفتح المجال للشباب دون استثناء بمحاربة المحاباة والمحسوبية، وما شابه ذلك .