أكد الدكتور محمد حشماوي أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر أنه يمكن للجزائر أن تستغل العديد من مزايا الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية والتي تتمثل في سهولة اقتحام الأسواق الأجنبية وتحسين صورتها ومناخها الاستثماري، ولم يخف أن وتيرة التفاوض مازالت بطيئة، لأنها لم تنه مرحلتها الثانية كونها لم توقع سوى على 5 اتفاقيات ثنائية ومازالت تنتظرها الاتفاقيات الصعبة مع الدول الصناعية، معترفا أن الجزائر ضيعت فرصة الانضمام سنة 1995 ، بعد انتهاء جولة الأروغواي ونشأة المنظمة. ويتحدث الأستاذ حشماوي في حوار أجرته معه “الشعب" عن آفاق الانضمام، حسب تقديراته. ❊ »الشعب«: ماهو تقييمك لمسار مفاوضات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية؟ ❊❊ الدكتورحشماوي محمد: أود في البداية التذكير بأن تشكيل فريق العمل المكلف بالمفاوضات جاء بتاريخ 17 جوان 1987، علما أن الاجتماع الأول عقد شهر أفريل 1998 خصص لمناقشة المذكرة التي تقدمت بها الجزائر في جويلية 1996، وعقب 25 سنة من تشكيل فريق العمل و15 سنة من انطلاق العمل تخللتها 11 جولة من المفاوضات، وفي ظل غياب تقييم مفصل من طرف السلطات المكلفة بالتفاوض، إلى جانب التصريحات المتناقضة الداعية أحيانا إلى تسريع وتيرة التفاوض والتفاؤل بالانضمام قريبا، وأحيانا أخرى إلى التريث والانتظار، يصعب تقييم مسار هذه المفاوضات، لكن حسب اعتقادي، فإن الجزائر فوّتت على نفسها فرصة الانضمام سنة 1995 بمراكش، بعد انتهاء جولة الأروغواي ونشأة المنظمة، والآن عليها أن تقاوم أحيانا وتخضع أحيانا أخرى للشروط الصارمة للانضمام، فخلال 11 جولة من المفاوضات قدمت الجزائر الكثير من الأجوبة على انشغالات الدول الأعضاء بخصوص إصلاح أنظمتها التجارية والاقتصادية والمالية، لكن يبدو أن الطريق لازال طويلا وشاقا للتوصل إلى تفاهم نهائي يسمح للجزائري بالانضمام لهذه الهيئة العالمية. وبالتردد الذي طبع هذه المفاوضات من الجانب الجزائري والذي كان وراء تفوقها من حين لآخر وانقطاعها لفترات طويلة أحيانا - توقفها من 2008 إلى 2013 - لدليل على غياب توافق سياسي واستراتيجي للحسم في مسألة الانضمام من عدمه، وتركها للظرفية الاقتصادية والسياسية التي تعرفها البلاد. ❊ هل الانضمام خيارا أم حتمية؟ ❊❊ بإنشاء المنظمة العالمية للتجارة، استكمل النظام العالمي الجديد تكوين الأطراف الرئيسية الثلاثة ويتعلق الأمر بكل من - صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمنظمة العالمية للتجارة- لإدارة مرحلة العولمة الاقتصادية وما يعنيه هذا المفهوم من سيادة اقتصاد السوق، وتحرير التجارة والخدمات، وتبعية متبادلة وإزالة الحدود الجغرافية..إلخ، هذه التغيرات لم تترك خيارا آخرا للكثير من الدول، غير خيار الاندماج في هذا النظام الجديد للاستفادة من إيجابياته أفضل من التأثر بسلبياته فقط. والجزائر على غرار باقي الدول التي كانت لها مواقف من طبيعة هذا النظام الجديد كروسيا والصين مثلا، لم يبق أمامها خيارات أخرى إلا خيار الانضمام. ❊ برأيك ماهي المنافع والمساوئ بالنسبة للاقتصاد الجزائري على ضوء الشراكة مع الاتحاد الأوروبي؟ الخسارة الجبائية ناهزت 3 ملايير ومرشحة للقفز إلى 9 ملايير دولار
❊❊ صحيح أن الاستفادة من الانضمام يتوقف على الصحة الاقتصادية للبلد ومكانته في التجارة الدولية، ولا يخفى على أحد أن الانضمام يحمل فرصا وتهديدات لأي اقتصاد. على اعتبار أن هشاشة الاقتصاد الجزائري واعتماده على المحروقات فقط في تجارته الدولية يجعله يتأثر بشكل كبير من هذا الانضمام بدءا من التكاليف الباهضة للمرحلة الانتقالية -التحول من اقتصاد موجه إلى اقتصاد مفتوح- مرورا بضعف تنافسية المؤسسة الاقتصادية، ووصولا إلى انخفاض إيراداته الجمركية وارتفاع فاتورة وارداته، لكن من جهة أخرى يمكن للجزائر أن تستفيد من مزايا الانضمام، كسهولة الدخول للأسواق الأجنبية، وتحسين صورتها ومناخها الاستثماري وحماية وأمن إقتصادها بفضل آلية التحكيم التجاري التابعة للمنظمة. أما بخصوص الشراكة الجزائرية الأوروبية، فهي تدخل في إطار انفتاح الجزائر على الخارج، ونجاح هذه التجربة كان سيساعد الجزائر على تسريع وتيرة الانضمام للمنظمة، لكن للأسف فبعد 7 سنوات من بداية تنفيذ هذه الاتفاقية، تبين أن المستفيد منها هو الجانب الأوروبي فقط، وأنها سارت في اتجاه واحد وهو الاتجاه التجاري بدون تفعيل الجوانب الأخرى كالاستثمار، وتأهيل المؤسسة الجزائرية وتنويع الصادرات. ويذكر أنه خلال نفس الفترة ارتفعت الواردات من حدود 11.2 مليار دولار سنة 2005 إلى سقف 22.7 مليار دولار سنة 2012، أي بزيادة تفوق ال 100 بالمائة، أما الصادرات فانتقلت من 552 مليون دولار إلى 715 مليون دولار خلال نفس الفترة، وقدرت الخسارة الجبائية بأكثر من 3 ملايير دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى أزيد من 9 ملايير دولار عند استكمال التفكيك الجمركي وإنشاء منطقة التبادل الحر. ولهذه الأسباب طلبت الجزائر إرجاء الانتهاء من التفكيك الجمركي إلى غاية 2020 بدل 2017 ومنح الفرصة لتفعيل البنود الأخرى للاتفاق وتأهيل قدرة المؤسسة الجزائرية على المنافسة، فهذه الوضعية تعود في اعتقادي إلى سوء اختيار التوقيت، وتغليب الجانب السياسي على الاقتصادي للتوقيع على هذه الاتفاقية. ❊ لماذا تعطل هذا المسار .. وهل السبب على مستوى الآداء الاقتصادي أم لضغوطات من بعض الدول الأعضاء؟ ❊❊ في البداية، أود أن أشير إلى أن مسلسل الانضمام يشمل أربعة مراحل: المرحلة الأولى، تطلب فيها المنظمة من المترشح للانضمام عرض قدراته، أي وصف وشرح جميع أوجه الأنظمة التجارية والاقتصادية والقانونية في مذكرة تقدم للدول الأعضاء وتسمح بتكوين فريق العمل المكلف بالمفاوضات. أما المرحلة الثانية تتمثل في الشروع في المفاوضات الثنائية، لمعرفة شروط ومتطلبات كل عضو ومدى استجابة البلد المترشح لها. في حين المرحلة الثالثة تخصص للمفاوضات متعددة الأطراف لتحرير شروط الانضمام وإعداد بروتوكول الانضمام وقائمة الالتزامات المتفق عليها. بينما المرحلة الرابعة، فيقدم فيها بروتوكول الانضمام إلى المجلس العام والمجلس الوزاري للتصويت. ومن خلال هذه المراحل يمكن استنتاج أن الجزائر لازالت لم تكمل المرحلة الثانية، بحيث ولحد الآن لم توقع إلا على خمسة اتفاقيات ثنائية، والاتفاقيات الصعبة لازالت تنتظرها مع بعض الدول المتقدمة كالاتحاد الأوروبي وأمريكا والدول الصاعدة كالصين والهند والأرجنتين، دول تعتبر من أهم المتعاملين التجاريين دوليا مع الجزائر. إذن إن تأخر الانضمام يعود أولا إلى صعوبة المفاوضات أي بسبب صعوبة الاستجابة السريعة لشروط ومتطلبات هذه المفاوضات التي تتطلب أخذ وعطاء، يعني عطاء وتنازلات، ومازالت الجزائر لم تحسم فيها، لأنها تتطلب قرارات سياسية في الانتظار. وتتعلق هذه القرارات بالسبب الثاني لهذا التأخر في الانضمام والمتمثل في بطء وتيرة الاصلاحات الاقتصادية والتردد الذي يطبعها من حين لآخر، والتي بدونها لا يمكن تلبية انتظار مواقف الدول الأعضاء المؤثرة، وتتعلق هذه الإصلاحات بسياسة سعر الصرف والتحرير المصرفي وسياسة الخوصصة إلى جانب الشفافية الادارية والقيود على التجارة والدعم الحكومي.. وأعتقد كذلك أن السبب الثالث يرجع إلى اسعار النفط التي أصبحت تتحكم في اتخاذ القرارات الاقتصادية وتقلباتها، تماشيا مع تقلبات أسعار هذه المادة، بالاضافة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية التي أرغمت الكثير من الدول على التريث لمعرفة أبعادها. ❊ في ظلد هذا الوضع هل يمكن تحديد الدول التي تقف إلى صف الجزائر؟ ❊❊ كل دولة ترى تحقيق مصلحتها بانضمام الجزائر للمنظمة، فهي تقف في صفها، والأمر هنا يتعلق بالمصالح وليس بالمبادئ، فعند حضور المصالح تغيب المبادئ، والعكس ليس صحيحا في هذه الحالات، فلا ينبغي أن نغتر بالتصريحات البروتوكولية والدبلوماسية من هنا وهناك. ❊ ماهو تقييمك لآداء المفاوض الجزائري طيلة كل هذه الفترة؟ ❊❊ إنه من الصعب تقييم المفاوض الجزائري في غياب عناصر التقييم الذاتية والموضوعية حول هذا المفاوض، لكن أعتقد أن نوعية وكفاءة المفاوض لها دورا جوهريا في المفاوضات، شريطة توفر عدة عوامل نذكر من أهمها الإلمام بحيثيات مسألة التفاوض، بالاضافة إلى وجود استراتجية للتفاوض، مع توسيع صلاحيات المفاوض. ❊ ألا ترى أنه من المفيد إشراك مختلف الفعاليات الاقتصادية من منظمات أرباب عمل ونقابات لصياغة تصور يلتزم به الجميع مستقبلا كورقة طريق؟ ❊❊ التوافق الاجتماعي والاقتصادي ضروري في هذه الحالات ويزيد من قوة الجزائر التفاوضية من جهة ويخفف من المقاومة الداخلية لهذه المفاوضات من جهة أخرى. والجزائر عملت على إشراك الفعاليات الاجتماعية كالنقابات ومنظمات أرباب العمل في جولات التفاوض، إلا أن التوصل إلى تصور موحد يبقى من النوايا في ظل التباين في المواقف حول إستراتجية إقتصادية وطنية يتفق عليها الجميع. ❊ ماهي توقعاتك لموعد التوقيع على الانضمام؟ ❊❊ في غياب تقييم واضح لحالة تقدم المفاوضات، وفي ظل سرية تفاصيل المفاوضات يصعب التكهن بتاريخ التوقيع على الانضمام، لكن لا ننسى أن انضمام الصين تطلب 15 سنة، وروسيا 18 سنة من المفاوضات، رغم القوة الاقتصادية للبلدين، وعليه فإن انضمام الجزائر للمنظمة، إذا استمرت المفاوضات على نفس الوتيرة، فإنه لن يكون قبل عام 2015.