رحل المؤرخ والمناضل هنري علاڤ، عن عمر يناهز ال91 سنة، تاركا وراءه حقائق مثيرة عن الوجه القبيح للإستعمار في الجزائر، وما خلفه من آثار التعذيب، جعله يقف ضد كل هذه الممارسات اللاإنسانية، ويتصدى لها بكل عنفوان وقوّة.. والأكثر من هذا محاربتها بالقلم. وكشف في كتاب «المسألة» الذي ألفه سنة 1958، عن شهادات حيّة لأعمال التعذيب في الجزائر، وبالرغم من إسراع سلطات الاحتلال لحجزه إلا أن هذا المرجع كان وثيقة «مضيئة» لكل ما اقترفه الإستعمار في الجزائر.. وفي هذا الإطار، اعتبر هولاند أن كتاب المسألة نبّه بلدنا إلى واقع التعذيب في الجزائر.. وناضل طواله من أجل استجلاء الحقيقة في مناهضة فلول الإستعمار. هذا الرجل إرتبط إسمه إرتباطا وثيقا بهذا الوطن، فهو من مواليد شهر جويلية 1921 بلندن، حلّ بالجزائر في أفريل 1939، حيث إلتحق سنة من بعد بالحزب الشيوعي الجزائري، واختير كعضو في لجنته المركزية إلى غاية حله سنة ,1955. مواصلا نضاله المقاوم للاستعمار إلى يوم اعتقاله في 12 جوان 1957 من قبل المضليين خلال «معركة الجزائر» ببيت موريس أودان، صديقه الذي اعتقل يوما من قبل وتعرّض للتعذيب، وحكم عليه ب10 سنوات أشغال شاقة في فرنسا، لكنه فرّ من السجن، عائدا إلى الجزائر. وأعاد تأسيس يومية «ألجي ريبوبليكان» إلى غاية منعها من الصدور في 1965، وظل صحفيا بجريدة «لومانيتي» من 1966 إلى 1980. يكفي إطلالة على سيرة الراحل هنري علاڤ ليسجل كل الأحرار والشرفاء وقوف هذا الرجل ضد كل مظاهر التعذيب في الجزائر.. وسعيه المتواصل في محاربة كل أشكال الإبادة التي كانت تلاحق الجزائريين الأبرياء والعزّل.. وبالرغم من إدراكه الملموس بأنه معرّض نفسه للخطر في أي لحظة من قبل آلة القتل الإستعمارية، إلا أن وازع الضمير، أبى إلا أن يحتّم عليه الإستمرار في هذه المهمة الإنسانية الرافضة للإستعمار وممارساته ضد الجزائريين. وضمّن كل هذه «القناعات» في كتابه «المسألة» الذي صدر في فترة حرجة وصعبة، أي سنة 1958، حيث وصلت هيستيريا الإستعمار ضد الشعب الجزائري إلى حدّ لا يطاق.. من إعدامات وتصفيات جسدية واغتيالات، وتعذيب، وتهجير، وسجن، ومحتشدات والخطوط الكهربائية.. كل هذه الممارسات الجهنمية كانت محلّ إدانة صريحة من قبل هنري علاڤ الذي كان يؤمن إيمانا قاطعا بأن كل هذه الأساليب الإرهابية لم تمنع الجزائريين من نيل حقوقهم التي ناضلوا من أجلها.. ونهضوا لمحاربة إستعمار غاشم أراد كسر إرادة هذا الشعب، من خلال إستعمال التعذيب، وغيره من الطرق المخالفة لمبادئ الإنسانية التواقة إلى الحرية والإنعتاق. هذه هي مسيرة هنري علاڤ.. المتميزة بالبعد الإنساني في أرقى صوره.. الرافض للإستعمار.. والتعذيب