غزة مهددة بالموت جوعا ، ولا يخفى على أحد أن ما يجرى هو تنفيذ لحكم بالموت قضت به سلطات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع بسكانه البالغ عددهم مليون ونصف المليون إنسان ، ولا يفرق بين صغير او كبير ولا بين فتحاوي وحمساوي ، إعدام لكل أسباب الحياة . وكان إسحاق رابين قد تمنى بأن يصحو يوما فيجد غزة وقد ابتلعها البحر .وعلى ما يبدو أن حكومة إسرائيل جادة بتحقيق هذه الأمنية ، وهي واثقة من نجاح خطتها لإبادة القطاع بعدما لم تقابل من الجانب العربي إلا ببيانات هزيلة، كتلك التي صدرت عن مجلس وزراء الخارجية العرب بالقاهرة، أو بتوسلات لا تغني، ولا تليق بأمّة يفترض أن تكون كالجسد إذا اشتكى عضو منه . كان بإمكان العرب أن يظهروا للعالم فى هذا التوقيت وجههم المغاير الذي طالما هددوا بكشفه، خصوصا وأنهم يرون الرأي العام الأوروبي ينتفض ويهب لنجدة غزة التي لا تربطه بها إلا روابط الإنسانية، أما العرب فلهم روابط الدم والعرق والدين والمصير والأرض، ولكن لم يفعلوا. طوال الأسابيع الأربعة الماضية لم تحمل الأخبار القادمة من قطاع غزة أي بشرى بانفكاك المحنة رغم النداءات الدولية من أن الكارثة التى طالما وقع التحذير منها هاهي واقعة بالفعل، مأساة إنسانية لا تطاق وحرب إبادة تشن بلا هوادة على أكثر من جبهة، وهى الهولوكوست المستخرج من الأرشيف النازي، مثلما هدد به قطاع غزة بداية العام الحالي نائب وزير الحرب الإسرائيلي الجنرال ماتان فلنائي، وعلينا أن نتخيل حجم الجريمة عندما تجتمع فى ثقافة منفذيها الصهيونية والنازية بإرثهما الذى يعرفه الجميع. في هذه الجريمة المفتوحة، أصبحت الحيوانات أكثر كرامة من الإنسان الفلسطيني الذي حمل لأكثر من 60 عاما لواء المقاومة والرفض، وها هو يجد اليوم نفسه بعد سقوط كل الشعارات الكاذبة التى تقصفه بها أجهزة الدعاية العربية من كل الجهات غارقا فى أزمة إنسانية أبشع صورها حياة شبه بدائية وفاقدة لأبسط مقومات العيش.التقارير الواردة من خلف قضبان الحصار تفيد بما لا يليق بإنسان القرن الواحد والعشرين أن يتخيله، فمنذ الأسبوع الماضى لجأت المخابز الفلسطينية فى القطاع إلى طحن القمح المخصص لأعلاف الحيوانات والطيور لتلبية احتياجات المواطنين، ولجأ الناس الى الشموع . هذا الوضع حول مناطق عديدة من القطاع المختلفة إلى العصور البدائية الأولى وقد أعادت ظروف الحصار القاتلة السكان إلى الأفران الطينية واستخدام الخشب لطهو الطعام، مما دفع بالمنظمات الإنسانية إلى التأكيد أن غزة حاليا واقعة تحت أعنف مأساة منذ احتلالها عام .1967 وفى مشهد لم يحرك سواكن العرب، اعتصم الأسبوع الماضي مئات الأطفال الفلسطينيين، أمام السفارة المصرية فى مدينة غزة، مطالبين المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والتدخل لوقف العدوان الإسرائيلي، ورفع الحصار وتوفير الحماية الدولية واحترام الاتفاقيات التي تنص على حقوق الأطفال. كل ذلك لم يحرك فى العرب السواكن، وحتى اجتماع وزراء الخارجية العرب ڤالطارئ ڤ الاخير في القاهرة لم يحد قيد أنملة عن السياق العام لاجتماعات العرب ڤالطارئةڤ تارة وڤالعاجلةڤ تارة أخرى، وتمخض عن دعوة صريحة إلى إرسال مساعدات عاجلة فوارا، وڤفوراڤ هذه فى القرارت العربية محل هى تأويل وتفسير ومراجعة، وفى الأغلب لن تتم، وحتى وإن وصل شيء إلى غزة فهو مبادرة فردية لا تلبية لنداء عربى طارئ. لقد قرر الوزراء العرب إرسال قافلة مساعدات غذائية وأدوية ومعدات طبية إلى القطاع، كما قرروا استقبال المرضى من الشعب الفلسطيني، وطلبوا من عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية التنسيق مع السلطات المصرية لضمان دخول المواد الغذائية إلى القطاع . ومهما توالت التبريرات فلا يمكن إنكار أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة من أشد مراحلها سوادا، كان الفلسطينيون بانقسامهم السبب الأول فيها، وعدم إنجاح المصالحة الوطنية وتهرب حركة حماس من مسؤولياتها . ذلك الانقسام هو ما جعل إسرائيل وحلفاءها أكثر قوة وبطشا، والانقسام ذاته هو الذي شجع أشقاءهم العرب على التخاذل والتثاقل في النصرة، والاكتفاء بإصدار البيانات . ويبقى الدرس القاسي الذي تجرى فصوله حاليا في قطاع غزة، عليه أن يكون مقدمة لواقع فلسطيني جديد، لا نهاية مرحلة كما تأمل إسرائيل أن تكون، فحرب الإبادة التى يتعرض لها القطاع رغم أنها الأسوأ منذ احتلالها عام ,1967 إلا أنها يمكن أن تسفر عن مفاجأة تأتى بمصالحة تعيد القضية الفلسطينية إلى مدارها القويم، وتبعد خطر الانقسام، وإلا فالطوفان أحق بأن يأتى ويرمى غزة فى البحر المتوسط والضفة فى البحر الميت، وتنتهى بذلك أسطورة قضية كانت تسمى قضية العرب الاولى . ففي الضفة أيضا يحدث الأسوأ ، وحدث ولا حرج ، حيث تشنّ عصابات المستوطنين المتطرفين سلسلة من الاعتداءات الهمجية على السكان الفلسطينيين في مناطق مختلفة من الضفة الغربيةالمحتلة بهدف التطهير العرقي ، أسفرت عن إصابة العشرات بجراح، وقام مئات المستوطنون بإضرام النار في عشرات المنازل والسيارات وأشجار الزيتون في المدينة، وتشير المصادر الفلسطينية أن عشرات المستوطنين المتطرفين، الذين يقيمون في البؤر الاستيطانية في البلدة القديمة في الخليل، يستمرون بشنّ حرب عنصرية على السكان الفلسطينيين. والاعتداء بالضرب على المواطنين . ويلاحقون الأطفال بالضرب وإلقاء الحجارة باتجاه البيوت والهجوم على منازل المواطنين.وإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، مما أدى لإصابة عدد من المواطنين بالاختناق. .وتشير تقديرات الأجهزة الأمنية الصهيونية إلى إمكانية محاولة تنفيذ عملية إرهابية يهودية ضد أماكن إسلامية مقدسة، خاصة وأنه اتضح بعد المصادمات التي جرت في الخليل أنه لا يوجد خطوط حمراء أمام المستوطنين المتطرفين. ونقل عن جهاز الأمن العام ، الشاباك ، أنه فوجئ من نطاق الاعتداءات على العرب وممتلكاتهم ومن إغلاق الطرق في داخل الخط الأخضر من قبل قطعان اليمين المتطرف . وجاء أن اعتداءات المستوطنين استمرت حتى منتصف الليل وحاولوا خلالها إحراق مزيد من المنازل، ورشقوا أخرى بالحجارة. وعلم أن المستوطنين هددوا في رسائل وزعت عبر الهواتف النقالة بالانتقام من المواطنين وأملاكهم . وكان المستوطنون وبحماية الجيش قد أضرموا النيران في العديد من منازل الفلسطينيين وسياراتهم فور قدوم الجيش الإسرائيلي إلى مناطق التوتر . كما نزل مئات المستوطنين إلى الطريق الرئيسي في رام الله المؤدي إلى مدن نابلس وحطموا عشرات السيارات، وأدت المواجهات المستمرة إلى نقل 12 فلسطينيا، إلى المستشفيات ، حيث أصيب العديد منهم بجروح خطيرة بعد أن أطلق عليهم مستوطن النار من مسافة قريبة على مرأى من الشرطة والجيش . ------------------------------------------------------------------------