شكلت الزيارة التي قادتنا الى تمنراست فرصة ثمينة للتعرف على هذه الولاية الصحراوية التي سمعنا الكثير عنها وتشوقنا لرؤيتها، والحمد لله وفقنا لذلك، ووقفنا على ما تزخر به مواقع سياحية جذابة تسحر كل زائر، نظرا لحفاظها على عذريتها ولم تتدخل من يد الانسان في نحتها، وحسب ما اوضحه لنا الدليل السياحي فإن تمنراست او تمانغست تعني بالعربية المرأة الغارقة . كل التفاصيل في هذا الاستطلاع الميداني الذي قامت به « الشعب» من عين المكان. عندما صعدنا في اليوم الموالي من الزيارة إلى منطقة افلال التي تعني بالعربية «منبع» شاهدنا العديد من المناظر الخلابة والجبال والصخور التي منها من هو بهيئة إنسان يحمل بندقية يشبه المجاهد ابان الثورة، وأخرى على شكل رأس جمل، بالإضافة الى الحجارة المتراصة التي جعلتها أشعة الشمس تتلألأ ويتغير لونها إلى الفضي، ناهيك عن شكل الجبال التي استوقفنا لندرك قدرة الخالق و ابداعه و التي تغير شكلها بفعل البركان الذي شهدته المنطقة لعدة عقود، وفي أعلى منطقة افلال تستنشق نسيما عذبا وأنت جالس بالخيمة. شكل الشاي شراب يومي لسكان تمنراست وجرت العادة شرب ثلاثة أكواب من الشاي ، فالكوب الأول القصد منه تذوق الشاي و الثاني معناه تغيير الذوق أما الثالث فمعناه الحياة أجمل حسب الشروحات التي تلقيناها من أحد الشباب الذي سكب لنا الشاي وهي معلومة لم نكن نعرفها من قبل. معلومة أخرى استقيناها وهو السيف الذي يبارز به الرجل الترقي والذي يحمله معه فإذا أخرجت السيف من غمده فهذا يعني أنه يجب أن يراق دم لان السيف لا يخرج من غمده إلا في الحرب. وفي دردشة مع أحد الأعيان وممثلي المجتمع المدني بوجمعة حبيرش، أكد لنا أن المجتمع والرجل الترقي بالذات تأقلم مع الطبيعة منذ ولادته ، على خلاف الترقي الذي يعيش في المدينة لان التطور العمراني قلل من تحركاته وجعله يحبذ الاستقرار بدل الترحال ، مشيرا إلى أنه حاليا يوجد بتمنراست أقلية وأغلبيتها متمركزة في البدو وليست لهم مشاكل التأقلم، إلا في حالة الجفاف بحكم أن معظم البدو الرحل يربون المواشي لاسيما المعز والجمال التي تحتاج إلى الماء والغطاء النباتي. وأضاف بوجمعة أن النشاط الاقتصادي بالنسبة لسكان الاهقار والاسكرام هو السياحة، من خلال استخدام الجمال في الرحلات السياحية، والتي يتم تأجيرها للوكالات السياحية وصاحبها يعمل كدليل سياحي لأنه أدرى بخبايا المنطقة جيدا، ويتقاضى أجرا على ذلك، وفي المقابل تقوم المرأة ببيع منتوجها التقليدي بعين المكان حين يحل السياح بالمنطقة، وعندما تقل السياحة تصبح هناك بطالة، أما في الفترة الشتوية الممتدة من شهر أكتوبر لغاية أفريل يزداد دخل للأشخاص الذين يشتغلون في مجال السياحة الصحراوية. وعن نوعية السياح يقول محدثنا أنهم من النوع الذي يبحث عن المغامرات ويريدون الخروج من عالم الرفاهية وتغيير العادات سواء في طريقة النوم أو الأكل أو التنقل، فالسياح يحبون أكل الكسرة على حد قوله فاغلبهم يأتون من أوروبا خاصة من فرنسا هؤلاء يحضرون برنامج سنة مسبقا، كما أن هناك مناطق غير مسموح للسياح بزيارتها وتم غلقها بسبب الوضع الأمني على خلفية حادثة تقنتورين والأوضاع الأمنية بمالي مما اثر على النشاط السياحي لكن الأمور بدأت في التحسن. في هذا الإطار تحدث مدير السياحة بولاية تمنراست عبد المالك مولاي عن وضعية القطاع بالمنطقة في ظل الظروف الأمنية الأخيرة التي أثرت على جلب السواح، وعن الإستراتيجية المتبعة لتشجيع السياحة الوطنية، قائلا: «قمنا بعدة مبادرات سنة 2011 وأعطت نتائج جيدة، حيث كانت أول تجربة تدشين مركب بنجمين في ديسمبر من نفس السنة». وأضاف بأنه تم تسجيل زيارة 865 سائح جزائري هذه السنة ، وتحضيرا للموسم السياحي قامت المديرية بالتنسيق مع شركة الطيران للخطوط الجوية بأول رحلة سياحية في أكتوبر، حيث تم دعوة مختلف وسائل الإعلام للترويج للواجهة السياحية الصحراوية وتنشيطها، كونها عرفت ركودا لعدة سنوات . وفي المقابل، أنشأت الوزارة الوصية بوابة الكترونية للتعريف بمختلف المواقع السياحية وأنماط الصحراء لجلب السائح الوطني قبل الأجنبي ، خاصة وأن المنتوج جيد. من خلال تقديم خدمات مغرية بما فيها الإقامة لمدة 14 يوما في الهواء الطلق، وتنظيم رحلات لرؤية هذه المواقع، مشيرا إلى اختلاف ذهنية السائح الجزائري عن الأوروبي الذي يميل أكثر إلى المغامرة . وكشف عبد المالك مولاي أن المديرية بصدد وضع حجوزات حيث اختيرت الوكالات لاستقبال السياح، وقدموا مواقعهم للجرائد، مشيرا إلى وجود حجوزات لغاية شهر ديسمبر المقبل ، مؤكدا أنه بعد استرجاع الأمن في مالي سيكون له الأثر الايجابي على السياحة بالصحراء. وأبرز محدثنا في هذا الإطار أن الوكالات السياحية البالغ عددها 59 وكالة تتوفر على كل الهياكل تبقى ننتظر الضوء الأخضر، بالإضافة إلى سبعة فنادق مصنفة وثلاثة بدون تصنيف و11 مخيما وخمسة مخيمات مصنفة، وهياكل ايواء اخرى. وأكد أن الوكالات السياحية توظف ما يقارب 1600 عامل ، الا انها لا تنشط كما يجب بسبب التداعيات الأمنية في دول الجوار ما خلق أزمة البطالة، و في هذا السياق طالب مولاي بانشاء صناديق للصناعة التقليدية والسياحة تتكفل بضمان الحد الأدنى من الرواتب في حال وجود أزمة لأنهم أصحاب عوائل و كذا للحفاظ على هذه الموارد البشرية المؤهلة وعدم الهروب إلى قطاعات أخرى . تخفيضات في أسعار الرحلات الجوية و أشار مولاي إلى أنه منذ 2010 عرف الموسم السياحي تدهورا، لكن هذا العام سيتضاعف عدد السياح، لتبقى السياحة الأجنبية قليلة بالرغم من انها تشكل 80 بالمائة. إلا أن الكثير من الوكالات السياحية الوطنية تفضل التعامل مع السائح الجزائري لانه يدفع أكثر من الاجنبي، ما يستدعي - حسبه – إعادة النظر في الأسعار، مقترحا تقديم تخفيضات ب50 بالمائة من طرف خطوط الطيران الجوية لتشجيع السياح الوطنيين، وهذا لإلغاء الاتكال على الأجانب وهو الأمر الذي يستدعي التنسيق مع القطاعات الأخرى مثل النقل لتسهيل وترقية السياحة الصحراوية. و فيما يخص النظافة أوضح ذات المتحدث أن الوالي اتخذ قرار تقسيم المنطقة الى ثلاث مناطق وسط المدينة وحظائر الاهقار تتكفل بالنظافة وابتداء من 27 ديسمبر القادم ستتكفل الوكالات السياحية بتنظيف المواقع السياحية مع الزامها بتقديم تقرير الى السلطات المحلية للولاية متوقعا أن تعرف العملية نجاعة اكبر. وما لاحظناه لدى تجولنا بمدينة تمنراست توفر المرافق العمومية من مكاتب البريد والمراكز الثقافية والعيادات الطبية والأسواق التي تجد فيها كل ما تحتاجه من أعشاب طبية ألبسة لمختلف الفئات والأعمار، أحذية وأجهزة كهرومنزلية وغيرها، حيث لفت انتباهنا بقاء محلات المواد الغذائية والمطاعم مفتوحة لساعات متأخرة من الليل على عكس الجزائر العاصمة، وحسب بوجمعة فإن الولاية خطت خطوات عملاقة، فيما يخص المنشآت لكن المشكل هو غياب الموارد البشرية لتأطير هذه المرافق التي يبقى بعضها مغلق. وبالمقابل، توجد البطالة خاصة وسط الإطارات، لان الولاية أصبحت تتوفر على عدد هائل من خريجي الجامعات ، حيث تعجز الإدارات على استيعابهم، وما زاد الوضع تأزما غياب مصانع تمتص الجامعيين ما عدا قطاع التعليم الوحيد الذي يوظف، وبالموازاة مع ذلك تفتقد المرافق العمومية الصحية لإطارات تسييرها. حرف تروي ألف قصة وقصة و بخصوص الصناعة التقليدية بتمنراست فتتميز بكونها عائلية والمسماة «المعلمين»، يحافظون عليها أبا عن جد حتى الجامعيين يقومون بمزاولة النشاط التقليدي مع العائلة حفاظا على الحرفة، كما أن المرأة هي التي تصنع لوازم الخيمة ولها الحرية التامة في ممارسة المهنة، لان الرجال كانوا يسافرون الى النيجر ويبقون مدة طويلة حوالي 06 أشهر، وتتكفل المرأة بالبيت تستقبل الضيوف وتربي الاطفال، وترعى الأغنام. ويخضع سكان الجنوب كما قال لنا بوجمعة إلى «امنوكال» أمير العقال وهو قائد المنطقة ينحدر من عائلة عريقة من نسب المرأة، والسلطة تنتقل من الام وليس من الاب، وعن قصة الشاش الذي يلبسه الرجل ويغطي وجهه أوضح محدثنا أن له سببين الاول له علاقة بالطبيعة، حيث يحميه من أشعة الشمس والرياح عند التنقل على الجمال ، ومن جهة أخرى يعيب على الرجل أن يأكل أمام المرأة ما عدا زوجته وهذا من باب الحياء. ويلتف المجتمع الترقي حول القائد الأعلى الذي يمثل كل رؤساء القبائل، وفي السنوات الأخيرة أضيف له أعيان القبيلة لتكوين مجلس حول «امنوكال» أي أمير العقال لان العرف يقضي باحترام الأب ويتمثل دوره في تسيير الأمور التي تمس الدولة. وحل النزاعات بين الأفراد علما أن سكان الصحراء وطنيين وشبابها متمسكين بهويتهم، ورغم الاحتياج بقوا متمسكين بدولتهم. لاحظنا اهتمام السكان بالصناعة التقليدية وما لفت انتباهنا هو وجود عدة جمعيات ترأسها المرأة الترقية للحفاظ على موروثها الصناعي التقليدي، حيث التقينا بالمركز الثقافي للولاية بالسيدة رقادي ليلى رئيسة جمعية «تلمظت» التي تعني بالعربية الرزق والمختصة في صناعة الحرف التقليدية التي تشتهر بها المنطقة، وقد تأسست الجمعية حسب ما أفادت به صاحبتها سنة 2011، بهدف المحافظة على التراث الذي تركه لها الاجداد وهي بدورها تلقنه للشباب، خاصة و أن السلطات المحلية ساعدتها في نشاطها. وفي كل مناسبة تشارك في التظاهرات الثقافية التي تنظم بوسط وشرق الجزائر ابتداء من شهر ديسمبر، ونحن نتحدث اليها كنا فضوليين لمعرفة سبب ارتداء المرأة الترقية لنوع من القماش ذو لون بنفسجي قاتم ، الذي بدوره يطلق لونا على جسم المرأة، فأخبرتنا ليلى أن هذا النوع من القماش يسمى «تسغنست» وهو باهظ الثمن يصل إلى 50 ألف دج، ويشترونه من النيجر وله مزايا صحية بحيث يحميهم من الحرارة والبرد، وكذا يقوي بصرهم. نفس المهنة تمتهنها بن سعود زهرة بنت عبد النبي رئيسة جمعية «شباب أدريان» لترقية السياحة والنشاطات النسوية والثقافة، المختصة في صناعة الفخار، لوازم الخيم، المغزل، المهراس المصنوع من جذع النخل وغيرها، بالإضافة إلى بيع الاعشاب. وجانب آخر تشهده منطقة تمنراست وانتشر بشكل أوسع هو تهريب البنزين الذي حدثنا عنه إبراهيم دليلنا السياحي، وهو نفسه عايش حالات تهريب للبنزين قام بها أحد الأصدقاء في سنوات الثمانينات وتقاضى على العملية مبلغ 700 ألف دج، لان المهربين يختارون الأشخاص العارفين بدروب الصحراء ويدفعون لهم مبالغ مالية كبيرة للقيام بعملية التهريب. و اخبرنا إبراهيم انه بالرغم من أن هذا النوع من العمل يعود على ممارسيه بأموال طائلة إلا أنها تصرف بسرعة ولا تكون مصدر خير لصاحبها، كما أن المهرب يعيش دائما في قلق وخوف من مطاردة رجال الجمارك له، ولهذا قرر الكثير منهم عدم الخوض في مثل هذا العمل، وكان بعضهم قد جرب التهريب لمرة واحدة فقط، نظرا لمخاطر المهمة. تشبث بالأمازيغية والتعليم القرآني وفي سياق آخر، لاحظنا حرص المجتمع الترقي رغم تشبثه بأمازيغيته، إلا أنه التعليم القرآني يحظى باهتمام كبير لدى العائلات التي تحرص على تلقين ابنائها الفقه وحفظ كلام الله وإتباع سنة رسوله الكريم المؤسسة على المرجعية المالكية لسد الأبواب أمام كل الحيل الدخيلة، لاسيما التيار الشيعي. وفي هذا الإطار ، توجهنا نحو المدرسة القرآنية «موسى أق امنستان» التي تأسست سنة 2012، والافتتاح كان في 17 افريل 2013 المصادف ليوم العلم، وحدثنا عبد القادر لعمش إمام بهذه المدرسة أنه في البداية كان يدرس القرآن الكريم للأطفال بفضاء صغير، والمحسنين هم من ساهموا في بناء قسمين. وفي المستقبل سيضاف قسمين آخرين لتدريس القرآن الكريم إلى جانب الحديث والتفسير، لفئات من مختلف الأعمار ،مشيرا إلى أن العدد الحالي وصل إلى 112 طفل، أملا في أن يتم توظيف أبناء المنطقة على مستوى المدارس القرآنية ، لتكون للأطفال مرجعية مالكية قائلا: «لا نريد تغيير الذهنية والمذاهب بل نحافظ على ديننا حسب هويتنا الوطنية». بالموازاة مع ذلك، تقوم المدرسة القرآنية «موسى أق امنستان» بتنظيم مسابقة في حفظ القرآن الكريم، بمناسبة ليلة القدر المباركة حيث يتم توزيع هدايا قيمة تتمثل في محافظ مدرسية، تخفف عن الآباء المصاريف المدرسية ما يحفز الطلبة على حفظ القرآن، حيث تم توزيع ثلاثين محفظة خلال هذه السنة ، وقد لاقت هذه المبادرة استحسانا لدى سكان الأحياء الأخرى التي تقربت من المدرسة لتسجيل أبنائها. غادرنا تمنراست أملين العودة إليها مجددا، لأن سحرها وطيبة وكرم سكانها تجعلك تود الرجوع مرة أخرى الى عاصمة الأهقار المقصد الجزائري حامل قيمة لا تحول ولاتزول،