عطاف يستقبل المبعوث الخاص للرئيس الصومالي    وزارة الداخلية: انطلاق التسجيلات الخاصة بالاستفادة من الإعانة المالية التضامنية لشهر رمضان    توقرت: 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    الجامعة العربية: الفيتو الأمريكي بمثابة ضوء أخضر للكيان الصهيوني للاستمرار في عدوانه على قطاع غزة    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    التزام عميق للجزائر بالمواثيق الدولية للتكفّل بحقوق الطفل    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    اكتشاف الجزائر العاصمة في فصل الشتاء, وجهة لا يمكن تفويتها    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الأسبوع الاوروبي للهيدروجين ببروكسل: سوناطراك تبحث فرص الشراكة الجزائرية-الألمانية    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بغرداية : دور الجامعة في تطوير التنمية الإقتصادية    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    عرقاب يستعرض المحاور الاستراتيجية للقطاع    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    أمن دائرة بابار توقيف 03 أشخاص تورطوا في سرقة    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    هتافات باسم القذافي!    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    سيفي غريب يستلم مهامه كوزير للصناعة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفجيرات بومباي تضع الهند وباكستان على حافة الهاوية
نشر في الحوار يوم 06 - 12 - 2008

هاجمت يوم 26 نوفمبر 2008 مجموعة مسلحة مدينة بومباي الهندية وسيطرت على فندقين يرتادهما الأجانب والسواح وعلى المركز اليهودي في المدينة، بالاضافة الى مواقع أخرى.
بعد ثلاثة أيام من المواجهة قضت القوات الهندية الخاصة على المهاجمين وحررت تلك المواقع...
وجاءت الإنفجارات المدوية التي هزت أرجاء مدينة مومباي التي تعد العاصمة التجارية للهند وفي سبع مواقع مختلفة في المدينة مفاجأة غير سارة وغير متوقعة للحكومة الهندية حيث أدت لسقوط نحو 190 قتيل بينهم عدد من الأجانب وإصابة نحو 900 آخرين وكان آخرها ذلك الانفجار الضخم الذي دمر مبنى يقطنه حاخامات إسرائيليون و في ضاحية كلابا جنوبي مومباي، وتثير هذه الاحداث الكثير من علامات الاستفهام حول من يقف وراءها خاصة وانها صاحبها اعتقال رهائن من جنسيات مختلفة إسرائيلية واوربية وامريكية في عدد من الفنادق الكبري داخل المدينة علي يد مسلحين مجهولين، بعض المسؤولين الهنود سارعوا بإلقاء المسؤولية عن تلك الاحداث الدموية علي عاتق باكستان وأشاروا بأصابع الاتهام إلى تورط منظمة ''عسكر طيبة'' الكشميرية التي يتردد انها تتلقي الدعم من اطراف نافذة داخل باكستان مما دفع مسؤولين باكستانيين كبار إلي نفي هذا الاتهام كما نفى تلك المسؤولية المتحدث باسم عسكر طيبة، الجهة الوحيدة التي اعلنت مسؤوليتها عن التفجيرات منظمة تطلق على نفسها اسم ''مجاهدو ديكان'' ، إذ بعثت تلك المنظمة والتي لم تكن معروفة في السابق إلا على نطاق ضيق، برسالة عبر البريد الإلكتروني إلى وكالات الأنباء تعلن فيها مسؤوليتها عن تنفيذ الهجمات وتطالب باطلاق سراح المجاهدين من السجون الهندية ووقف الاعتداءات الهندوسية ضد مسلمي الهند ، ولكن ما طبيعة العلاقات الهندية الباكستانية ؟
الهند وباكستان.. وخلفيات الصراع المستمر
ولدت باكستان من رحم الهند لتعطي المسلمين عنوانا قوميا لوجودهم في شبه القارة، وكأنها جاءت لتصيغ الصراع -الذي أقامه الاستعمار على عوده بين المسلمين والهندوس ما أن أطلت بوادر الاستقلال- صياغة الصراع بين دول،خاصة وأن الصراع الديني شاخص دائما في بنية الكيانين لأن الاستقلال قام على أساسه ولن يحل إلا بإعادة رسم ودية للعلاقة بين المسلمين والهندوس في القارة بأسرها، اضافة الى مصالح الدول الكبرى وتناقض مصالح الدول الإقليمية، التي تقع ضحية له دائما دول العالم الثالث، مع استثناء وفارقة خاصة تميز صراع شبه القارة، أنه يحمل في طياته الفقر والمرض والتخلف، وأن طرفي الصراع ينفقان من قوت شعبهما ليحافظا على وجود كيانهما. وبنفس السياق الديني المنفعل والمهيمن انطبعت بروح الصراع ملامح النخبة من الرؤساء والشخصيات والمفكرين في البلدين، فبورصة البطولة والوطنية والشعبية هبوطا وصعودا مرتبطة بمفرداته، تلك المفردات التي تجسدت كاملة في كشمير. فكشمير ذات الأغلبية المسلمة كان من المفترض أن تكون جزءا من باكستان، دولة مسلمي شبه القارة بحسب قرار التقسيم، وكان من المفترض أن تحظى بحق تقرير المصير بحسب قرارات الأمم المتحدة، ومن المفترض أنها منطقة متنازع عليها بحسب القانون الدولي، مما يحتم على باكستان والهند التفاوض الجاد بشأنها بناء على هذا الأساس أو إحالتها لمحكمة دولية كي تفصل بالأمر. فالأمور لم تجر وفق أي من الخيارات السلمية السالفة الذكر، إلا تلك اللقاءات المحكومة بظروف ومصالح آنية تثقل كاهل القضية بقرارات واتفاقات ووثائق وظفت لمصلحة تعقيد الصراع لا تخفيفه وتحجيمه، وكان وما زال لدى البلدين من الأزمات والمشاكل الداخلية ما يكفي لتعليقها على شماعة الصراع وبالتالي تأجيجه بمبرر وبغير مبرر، وإذا أضفنا إلى ذلك ما تختزنه الذاكرة من حروب اندلعت بين البلدين، التي ما زالت ثاراتها وراياتها حاضرة ورافدا للخيال العسكري الهندي والباكستاني لسباق محموم للتسلح، أقلق العالم وأرعبه لأن أي انعدام في ميزان القوى بينهما ولا سيما في الأسلحة التقليدية منها، سيجعل استخدام الأسلحة النووية أمرا متاحا، مما سيعرض البلدين لا بل العالم بأسره لمخاطر كارثة كونية لا سابقة لها، يشار الى انه بعد الحادي عشر من سبتمبر وتدويل مكافحة الإرهاب حظيت قضية كشمير، التي هي جوهر الصراع ولبه بحظ وافر من الضغط الدولي ولا سيما الأمريكي لاستيعاب الأزمة الأخيرة التي نشبت بين البلدين .
الهند تتملص من الشرعية الدولية بخصوص قضية كشمير
يرى كثير من المحللين أنه لايمكن فهم اسباب حوادث بومباي المؤسفة بدون الرؤية الشاملة للمشهد علي الساحة الهندية والساحة الدولية، ففي الهند يعاني الملايين من المسلمين الذين يمثلون مايقرب من 14% من تعداد السكان البالغ مليار ومائة مليون نسمة من حملات ارهابية متواصلة يشنها الهندوس ضدهم تكتفي فيها الحكومة الهندية بغض الطرف وتوفير الحماية لمن يقومون بها. وقد رصدت المنظمات الحقوقية المحلية والدولية مئات الحوادث التي تعرض فيها الآلاف من المسلمين للقتل وحرق البيوت والاراضي علي يد العصابات الهندوسية ولم تسلم المساجد من هذا العدوان المستمرولعل هدم المسجد( البابري) ذو الاهمية التاريخة الكبيرة للمسلمين ليس ببعيد. ولم تكتف الهند بالسكوت علي المظالم التي يتعرض لها مواطنيها المسلمين علي يد الهندوس من جرائم بشعة بل اخذت تمارس هي نفسها تلك الجرائم علي الشعب الكشميري المسلم في الجزء الذي تحتله الهند في ولاية جامو وكشمير منذ اكثر من ستين عاما، حيث قامت الهند عام 1947 وخلافا لقرار تقسيم شبه القارة الهندية الصادر من الامم المتحدة عقب انسحاب البريطانيين من الهند والذي نص علي ضرورة ضم ولاية جامو وكشمير ذي الاغلبية المسلمة إلي باكستان بارسال قواتها للسيطرة علي الجزء الاكبر من الولاية المسلمة ولازالت تحتله حتي اليوم. وترفض الحكومات الهندية المتعاقبة تنفيذ قرار مجلس الامن الدولي الصادر عام 1948الذي يقضي بضرورة اجراء استفتاء شعبي في كشمير واعطاء الكشميريين الحق في تقرير المصير لانها تعلم أن نتيجة هذا الإستفتاء ستكون لصالح انضمام الكشميرين إلي باكستان المجاورة.
التنكيل والقتل الهندي في كشمير .. على الطريقة الاسرائيلية
خلال الستين عاما الماضية مارست القوات الهندية أشكالا مختلفة من التنكيل والقتل والقهر للشعب الكشميري المسلم الذي اضطر إلي تكوين منظمات مسلحة لتحرير وطنهم من الاحتلال الهندي بعد أن فشلت ووصلت إلى طريق مسدود كل انواع الاحتجاجات السلمية والمفاوضات مع الجانب الهندي، وعلي مدى العقود الماضية رصدت منظمات حقوقية دولية منها هيومان رايتس ووتش مئات الآلاف من حوادث القتل للكشميرين علي يد القوات الهندية المحتلة، واعداد مماثلة من الاغتصاب للنساء داخل المعتقلات الهندية في كشمير إلى جانب حرق وتدمير عشرات الآلاف من المنازل والهكتارات من الاراضي الزراعية والمحلات، وبسبب القضية الكشميرية نشبت ثلاث حروب بين كل من الهند وباكستان حصدت ارواح عشرات الآلاف من الجانبين وكان الجانب الهندي هو الطرف المعتدي بحجة أن باكستان تدعم حركة المجاهدين الكشميرين المطالبين بالاستقلال عن الهند وسحب القوات الهندية المحتلة التي تمارس ابشع انواع الانتهاكات ضد الشعب الكشميري. وقد استعانت الهند في قمعها لحركة التحرير الكشميرية بالخبرات الاسرائيلية التي اكتسبتها في قمع الفلسطينين وكذلك بالمعلومات الإستخباراتية في اطار اتفاقية التعاون الاستراتيجي التي تم توقيعها بين الهند واسرائيل عام 1992 والتي تتضمن إلي جانب ذلك برامج لتطوير الاسلحة والصواريخ والسلاح النووي، وتشير تقارير صحفية اوردتها الصحف التابعة لحركة المجاهدين الكشميرين إلى أن التعاون الامني الهندي الإسرائيلي وصل إلي مستويات غير مسبوقة حيث يجري تنفيذ برامج مشتركة لتطوير الطائرات خاصة المستخدمة في مطاردة الافراد . وكشفت تلك التقارير أن اسرائيل تقدم للجانب الهندي احدث وسائل رصد وكشف تحركات الافراد الليلية واطقم من المحققين للمشاركة في استجواب المجاهدين الكشميرين المعتقلين في السجون الهندية إلي جانب خبراتها في اساليب التعذيب التي تمارسها الاجهزة الامنية الإسرائيلية ضد المعتقلين الفلسطينين في السجون الصهيونية. يشار الى ان المجموعتين الصناعيتين الإسرائيلية ''آي إيه آي''، والهندية ''تاتا'' وقعتا في الماضي القريب اتفاقَ إطار من أجل تصنيع معدات عسكرية في الهند، بحسب ما أفاد بيانٌ صادر عن الشركة الإسرائيلية - نشرته وكالة الأنباء الفرنسية، واشارت المجموعة الاسرائيلية إلي أن اتفاق التعاون هذا يُغَطِّي مجموعة واسعة من التجهيزات الدفاعية، لا سيما الصواريخ والطائرات من دون طيار، والرادارات، والأنظمة الإليكترونية والأمنية البرية وقال البيان: إن اتفاقا لإنشاء شركة مشتركة بين المجموعتين سَيُوَقَّعُ قريبا، وجاء تعليق جريدة هآرتس الاسرائيلية بان هذه الاسلحة والمعدات ستستخدم لمواجهة ما اسمته الإرهاب الكشميري الموجه ضد الوجود الهندي في كشمير المحتلة..
باكستان .. ومحاولات استغلال الوضع داخليا وخارجيا
يرجع بعض الخبراء تلويح باكستان بحشد قواتها من وزيرستان إلى الحدود الهندية الباكستانية وإعلانها الاستعداد لمواجهة أي تصعيد من قبل الهند، إلى سعي الحكومة الباكستانية لتحقيق عدة غايات منها ما هو موجه إلى الداخل الباكستاني الملتهب والساخط على نظام الرئيس زرداري، ومنها ما هو موجه إلى الخارج. داخليا، يعمد الرئيس زرداري إلى محاولة تأليف قلوب الشعب الباكستاني من حوله، وتقليص حدة المعارضة الشعبية المتنامية له والتي تصاعدت خلال الآونة الأخيرة على خلفية استمرار التحالف الباكستاني-الأمريكي في الحرب ضد الإرهاب، وما يشاع عن اتفاق سري أمريكي باكستاني يتيح للقوات الأمريكية توجيه ضربات عسكرية لمناطق قبلية حدودية باكستانية بذريعة مطاردة مقاتلي تنظيم القاعدة وحركة طالبان، وهي الضربات التي ازدادت وتيرتها منذ أوت الماضي وأسفرت عن سقوط مئات القتلى من المدنيين الباكستانيين في تلك المناطق، وأدت إلى تشريد الآلاف، وتسببت في تفجر مشكلة لاجئين في باكستان. ويبدو أن تلك الإستراتيجية قد آتت أكلها؛ حيث أعلن سراج الحق مسؤول الجماعة الإسلامية في إقليم بيشاور أن جماعته، رغم معارضتها سياسة الحكومة، لن تشذ عن أي إجماع وطني من شأنه حماية أمن باكستان واستقرارها، مؤكدا استعدادها للتعاون مع الحكومة من أجل تهدئة الأوضاع في مناطق القبائل، وتخفيف حدة التوتر الداخلي بما يدعم موقف إسلام آباد في أية مفاوضات محتملة مع نيودلهي. وعلى الصعيد الخارجي، يجنح نظام الرئيس الباكستاني آصف زرداري باتجاه استجداء الدعم الأمريكي لبلاده عبر تهديده بتسخين الأجواء مع الهند على نحو ينذر بحرب رابعة بين البلدين؛ حيث تحاول إسلام آباد الضغط على واشنطن عبر التهديد بسحب قواتها من ميدان محاربة الإرهاب في وزيرستان وتوجيهها صوب الهند، وكذا تجميد الدور اللوجستي الباكستاني الحيوي في تلك الحرب عبر قطع خطوط تموين قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان والتي تمر عبر الأراضي الباكستانية، وهو ما لا تقبل به واشنطن التي آلت على نفسها تذليل أية عوائق يمكن أن تعطل المشاركة الباكستانية في الحرب ضد الإرهاب. وتدرك إسلام آباد جيدا أن واشنطن لا يمكن أن تسمح بنشوب مواجهة جديدة بين الهند وباكستان بوسعها أن تجرهما إلى استخدام أسلحة غير تقليدية، تحيد بمسار الإستراتيجية الأمريكية في قارة آسيا عن أحد مقاصدها الأساسية والمتمثل في حماية أمن الطاقة الأمريكي، ومحاربة الإرهاب بمساعدة القوى المتميزة جيوإستراتيجيا كباكستان والهند. وهكذا يمكن القول إن استغلال أحداث بومباي يتيح لرافضي السلام على الجانبين ذريعة لتقويض مساعي بلديهما المترددة والقلقة باتجاه سلام لم تستقر دعائمه بعد برغم وضع لبناته الأولى قبل خمسة أعوام؛ ذلك أن اعتماد أطراف الصراع الهندي الباكستاني لإستراتيجية إدارته بدلا من تسويته قد أفضى إلى تشعبه وتجاوزه حدود المسألة الكشميرية. ولم يعد مسرح هذا الصراع يقتصر فحسب على إقليم كشمير أو حتى بعض الأهداف داخل البلدين، وإنما امتد لينال ساحات إقليمية أخرى كأفغانستان التي ساعدت أوضاعها المهترئة على جعلها ساحة للتنافس وتصفية الحسابات بين البلدين، والتنفيس عن صراعهما المكبوت، واستخدام كل منهما فصائل تابعة لهما داخل أفغانستان، حتى إنه في الوقت الذي ألقت الاستخبارات الأمريكية والهندية باللائمة على نظيرتيهما الباكستانية في حادث تفجير السفارة الهندية بكابول، لم تتورع إسلام آباد عن اتهام نيودلهي بتزويد حركة طالبان الباكستانية وانفصاليين باكستانيين بالسلاح والمال، كما أبدت قلقها إزاء تنامي النفوذ الهندي داخل أفغانستان.
بومباي ..هل تشعل حربا بين الجارتين النوويتين؟
عقب التطرق الى الخلفية التاريخية للعلاقات الهندية الباكستانية التي يشكل فيها الصراع العنوان الاكبرفي علاقات الدولتين الجارتين ، نعود الى أحداث بومباي وامكانية تحولها الى شرارة تنذر باندلاع حرب بين نيودلهي واسلام آباد ، فأحداث بومباي الاخيرة رهنت مساعي التقارب البطيء والحذر بين الهند وباكستان، وقوضت المحاولات على طريق تذويب الجليد المزمن بين الجارتين النوويتين ، فقبل سبعة أعوام خلت كاد حادث إرهابي تعرض له البرلمان الهندي وأوقع عشرات القتلى والمصابين أن يفضي إلى نشوب المواجهة العسكرية الرابعة بين إسلام آباد ونيودلهي، وذلك بعد أن ألقت الأخيرة وقتها باللائمة على الأولى في وقوع ذلك الحادث. وفي عام 2004 تكرر السيناريو ذاته إثر واقعة تفجير قطار هندي، وفي شهر جويلية من العام الجاري توقفت إحدى أهم جولات مباحثات السلام بين الجانبين إثر تفجير مبنى السفارة الهندية في كابول وتوجيه نيودلهي وواشنطن أصابع الاتهام للاستخبارات الباكستانية. واليوم تثور المخاوف مجددا من حرب رابعة بين إسلام آباد ونيودلهي بعد أن شهدت مدينة مومباي، العاصمة المالية للهند، يوم 26 نوفمبر الماضي هجمات مسلحة نالت عددا من المواقع بالمدينة كبورصة مومباي وفندقي تاج محل وأوبروي ومحطة للسكك الحديدية إضافة إلى معبد يهودي؛ ما أودى بحياة مائتي قتيل كان من بينهم ثمانية وعشرون أجنبيا منهم خمسة أمريكيين وتسعة إسرائيليين وفرنسيان وأستراليان وبريطاني وياباني وإيطالي وألماني ومواطن من موريشيوس، ورهينة من سنغافورة وأخرى من تايلاند وثالثة من المكسيك، إلى جانب عشرين من قوات الأمن الهندية، فضلا عن سقوط ما يقرب من ثلاثمائة جريح. وشأنها شأن سابقاتها من الأحداث الإرهابية التي أعاقت التقارب الهندي الباكستاني، اكتست ردود الفعل المتبادلة على الصعيدين الهندي والباكستاني مسحة من النزوع المتشنج نحو تصعيد التوتر، ومن طرف نيودلهي كانت البداية؛ حيث جنحت لتحميل إسلام آباد مسئولية ما جرى واتهامها بالتورط بشكل أو بآخر في الهجمات التي نالت أهدافا هندية،. كما أعلنت حكومة حزب المؤتمر وقف كل صور التقارب أو الحوار مع الجانب الباكستاني بما فيها مباحثات التطبيع الاقتصادي والسياسي بين البلدين بعد أن شهدت زخما ملحوظا منذ شهر أكتوبر الماضي، وكان مقررا استئنافها في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر الجاري في إسلام آباد، وأتبعت الهند ذلك بإعلان رفع درجة تأهبها الأمني إلى مستوى حالة الحرب، فكثفت البحرية الهندية دورياتها في المياه الإقليمية المحاذية لشواطئ باكستان. ولم تكن ردود الفعل الباكستانية هي الأخرى أقل تشنجا، فرغم نفي إسلام آباد أية علاقة بتفجيرات مومباي وإعلان استعدادها التعاون مع نيودلهي في ملاحقة الجناة ومعاقبتهم أيا كانوا، وإجراء الرئيس الباكستاني اتصالا هاتفيا مع رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ أكد خلاله على ضرورة اتخاذ أشد التدابير لاجتثاث الإرهاب والتطرف من المنطقة، وعدم السماح للإرهابيين بتقويض التقارب بين البلدين، ومطالبا بمواصلة مساعي التطبيع بين الجارتين. عدلت إسلام آباد بعد ذلك عن إرسال مدير جهاز مخابراتها إلى الهند للمساهمة في كشف ملابسات الحادث مكتفية بإيفاد ممثل عن الجهاز، كما أبدت استعدادها لمواجهة أي تصعيد محتمل، ولوحت بإمكانية سحب القوات الباكستانية المتمركزة في منطقة وزيرستان الحدودية مع أفغانستان في إطار الحرب ضد الإرهاب وإعادة نشرها على الحدود مع الهند إذا ما واصلت الأخيرة تأزيم الموقف، وهي التطورات التي من شأنها أن تضع مساعي التقارب القلق والمتعثر بين الجارتين النوويتين على المحك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.