ارتبط اسم وحضور الأغنية الرياضية بالمواعيد الكبرى التي عاشها الفريق الوطني لكرة القدم، أبرزها موعد كأس العالم بإسبانيا سنة 1982، التي تحوّلت إلى ملحمة وطنية حرّكت الشعور العام للمجتمع الجزائري، لم يسلم معها حتى أهل الفن، الذين انخرطوا هم أيضا في هذه الأجواء المفعمة بالروح الوطنية، أبرزها فرقة البحارة للفنان صادق جمعاوي وأغنية "جيبوها يا لولاد" التي ظلّت راسخة في الذاكرة الوطنية وكل من عاش ملحمة خيخون. تحوّلت الأغنية الرياضية في السنوات الأخيرة وبالضبط منذ سنة 2010 تاريخ تأهل المنتخب الوطني لكأس العالم بجنوب إفريقيا، إلى ما يشبه الظاهرة الفنية التي دفعت بالكثير من الفنانين إلى ركوب هذه الموجة وتقديم ألبومات وفيديوهات لأغاني رياضية تمجّد انتصارات الفريق الوطني وتتغنّى بنجومه، الذين ساهموا في إدخال الفرحة إلى بيوت كل الجزائريين، لكن بمستوى وأداء يستحق التوقف والتمعن. فهل فعلا هذا النوع من الغناء نابع من حب عميق لرياضة كرة القدم والفريق الوطني؟ أم تسيطر عليه الأبعاد التجارية بهدف الربح السريع واستغلال الفرص على حساب الجودة والأداء الراقي، خاصة في ظل وجود جمهور رياضي كبير قد يغوي الكثير من الفنانين الذين أصبحوا يقدمون إنتاجا حسب الطلب والحاجة وبسرعة فائقة على شكل الوجبات السريعة، دون مجهود يذكر ودون اعتبار لمستوى هذه الأغاني، التي هي عبارة عن هجين بين عدة لغات ولهجات يصعب معها تمرير الرسالة الفنية خارج الحدود وتشريف الفن الجزائري؟ وبمعنى آخر هل الأغنية الرياضية حالة صحية أم مرضية في مسار الفن الجزائري؟ وهي التساؤلات التي نحاول توجيهها في هذا الموضوع لأهل الاختصاص من الأسرة الفنية بولاية بومرداس لتشخيص الظاهرة ومعرفة حقيقتها وأبعادها.
الفنان محمد راوي "نتمنّى الارتقاء بالأغنية الرياضية"
وصف الفنان والملحن محمد راوي في حديثه ل "الشعب"، ظاهرة الأغنية الرياضية التي تهيمن على الشارع الجزائري بالحالة الصحية، أنّها انعكاس لما يحس به الجمهور، وما يطلبه أيضا من أغاني في مثل هذا الظرف الذي سطع فيه نجم الفريق الوطني لكرة القدم وصنع أفراح الجزائريين على عكس الكثير من الفعاليات والقطاعات الأخرى، التي ملأت قلوب الجمهور بالإخفاقات والهموم اليومية. وقال إنّ الأغنية الرياضية هي عبارة عن انعكاس لواقع يعيشه الجمهور العريض، كما تعتبر بمثابة المحفّز والمشجّع الأول للاعبين فوق الميدان، على غرار ما كان يقوم به الفنانون والشعراء إبان الثورة التحريرية، التي كانت تتغنّى بالأمجاد والبطولات، وحتى بعد الثورة وعهد الاستقلال، حيث واكب الفنان مختلف التطورات الحاصلة داخل المجتمع والدولة ككل، وأحسن مثال على ذلك الفنان الكبير رابح درياسة الذي غنّى لكل شيء تقريبا من الفلاح إلى العامل والممرض، إلى الثورة الاشتراكية والشباب. وباختصار فإنّ الفنان يقول محمد راوي هو مرآة للمجتمع. وعن مستوى هذا النوع من الغناء من حيث الكلمات والأداء، قال الفنان محمد راوي: "رغم تشجيعي لهذا النوع من الغناء الذي انغمست فيه سنة 2010 بأغنية "جيبوها جيبوها يا شبان.. جيبوها جيبوها يا شجعان"، فإني أتحفظ على بعض الأغاني بسبب الكلمات، وأخرى أحس أنها تمت بطريقة سريعة وبدون مجهود يذكر، وعليه فإني أدعوا إلى الرقي أكثر بهذه الأغنية وجعلها أكثر شعرية وجمالا حتى تؤدي غرضها وتشرف الفن الجزائري في الخارج
الفنانة فايزة مليكشي «حالة مرضية خطيرة" بدت الفنانة والشاعرة فايزة مليكشي بين نارين خلالها ردّها على سؤالنا المتعلق بطبيعة الأغنية الرياضية في الجزائر، التي هيمنت على الساحة الفنية مؤخرا، خاصة وأنّها كانت بصدد تصوير فيديو كليب من 4 أغاني لتركب هي الأخرى الموجة وتختزل الطريق المؤدي إلى الشهرة عن طريق هذا الجمهور الرياضي الكبير. وكشفت أنّها وعلى عكس مونديال 2010 الذي قدّمت فيه 6 أغنيات للفنان فوزي خضراوي، أرادت هذه المرة أن تكون حاضرة بحنجرته حتى لا تفوتها فرصة الفوز بشرف الغناء للفريق الوطني، وتشجيعه على النجاح خلال المونديال القادم. وعلى الرغم من تأكيدها أنّ هذه الأغنية مهمة كثيرا لأنها لغة الشعب، إلا أنها انتقدت في مقام آخر هذه الأغنية التي اعتبرتها ظاهرة مرضية خطيرة، نتيجة طغيان البعد التجاري وغياب أدنى مجهود في إعداد هذا النوع من الغناء الذي أساء للأغنية الجزائرية أكثر مما نفعها، على عكس ما كانت عليه هذه الأغنية في الماضي، مستشهدة بأغاني الفنان الصادق جمعاوي التي كانت مدروسة من جميع النواحي وليست كلمات هجينة تتألف من عدة لغات. وفي سؤال عن أسباب اقتحامها عالم الأغنية الرياضية، وهل أصابها هي أيضا ما أصاب باقي الفنانين من هذيان الأغنية الرياضية؟ قالت الفنانة فايزة مليكشي: "عادة ما أكتب بإحساس، ونفس الشيء بالنسبة للأغاني التي أحرص أن تكون نابعة من شعور صادق لما يدور حولنا من أحداث، ولا أرغب أن تكون عبثية فقط".