أكّد الهاشمي عصاد محافظ مهرجان الفيلم الأمازيغي أن السينما الأمازيغية في تطور مستمر، بدليل الأفلام المميزة التي تشارك سنويا في مهرجان الفيلم الأمازيغي، مشيرا إلى أن المهرجان يسجّل مشاركة قياسية من وجوه وشخصيات سينمائية دولية لها باع طويل ورصيد سينمائي كبير. خلال هذا الحوار الذي أجرته معه "الشعب"، نسلّط الضوء على هذه السينما وما حقّقته بعد 14 سنة من عمر المهرجان، يكشف عنها الهاشمي عصاد.
❊ الشعب: بصفتكم محافظ مهرجان الفيلم الأمازيغي، هل لكم أن تقدّموا لنا لمحة عن بدايات السينما الأمازيغية، وكيف تقيّمون تطورها في الجزائر؟ ❊❊ الهاشمي عصاد: السينما الامازيغية انطلقت منذ الثمانينات وبغض النظر عن الأفلام التي أنجزها شباب هواة مثل أحسن عصماني وطاهر يامي قبل ذلك، إلا أن التطور الحقيقي والاحترافي للسينما الامازيغية في الجزائر ظهر مع المخرج شريف عفون بفيلم "نهاية الجن"، الذي أنجزه في أوت 1990، ومن ثم انطلقت السينما الامازيغية وبدأت تأخذ منعرج ومنعطف الاحترافية. يعدّ فيلم "الربوة المنسية" للمرحوم عبد الرحمان بوقرموح من بين أحد الأفلام الأولى المحترفة، لهذا المخرج الذي يعدّ أب السينما الجزائرية، إلى جانب أسماء أخرى رسّخت ملامح السينما الأمازيغية بقوة. ولقد تزامن إنتاج هذين الفيلمين المذكورين سابقا مع السياق السياسي الجديد بالجزائر أو الانفتاح السياسي، حيث شهدت الجزائر في تلك الحقبة الترخيص بإنشاء الأحزاب والجمعيات الثقافية والجرائد. السينما الأمازيغية ولدت في أحضان ديكور متنوع وأصيل يعبر عن الغنى الثقافي واللغوي، وشخصيا أعتبر أنّ السينما من بين أحد الفنون المدافعة عن الهوية والثقافة الأمازيغية بالرغم من أنّه كان آخر الفنون التي سلكت نهج التغذية الثقافية، الذي ظل على ارتباط وثيق بالمطلب الأمازيغي. لقد سمحت السينما الامازيغية بفتح مجال لمناضلين عن الهوية الامازيغية بالانضمام إلى هذه الشبكة الفنية، وتوسيع العمل بإنجازات ثقافية أخرى ولأول مرة سمعية بصرية، بعدما كان التركيز على الشعر والغناء والمسرح. فليس من باب الصدفة أن يكون أول إنتاج سينمائي أمازيغي أخرجه عبد الرحمان بوقرموح يستمد قوته من رواية "الربوة المنسية" التي تعالج مسألة "قناعة مرتبطة بالهوية"، أي البُعد الأمازيغي المعاش والمعبّر عنه في جبال بلاد القبائل. ❊هل لكم أن تقدّموا لنا نبذة عن مهرجان الفيلم الأمازيغي الذي يحتفي هذا العام بطبعته ال 14، والدور الذي يلعبه في تطوير السينما الأمازيغية؟ ❊❊ في الحقيقة مهرجان الفيلم الأمازيغي هو مكسب لترقية الثقافة واللغة الأمازيغية، وكذلك السينما الوطنية. وما لاحظناه أن السينما الأمازيغية تحسّنت ليس فقط من ناحية المواضيع المعالجة أو اللغة بل من الجانب الفني، السردي والجمالي، وهذا مهم جدا لأنّ هناك عملا جادا يقوم به محترفو السينما. وأكبر دليل على ذلك هو نوعية الأفلام التي تدخل كل سنة المنافسة لنيل الزيتونة الذهبية، ويمكني القول أنّ ذلك راجع إلى أنّ السينما الأمازيغية انطلقت في الجزائر بأعمال سينمائية لمحترفي جيل الاستقلال، الذين كرّسوا أنفسهم ووقتهم لإبراز بعد آخر من أبعاد الفن السابع الجزائري، والمتمثل في البعد الأمازيغي. ومهرجان الفيلم الأمازيغي تأسّس سنة 2005، وهو أول مهرجان سينمائي بالجزائر رسّم من قبل وزارة الثقافة الجزائرية، ليصبح اليوم مكسبا لترقية السينما الوطنية ببعدها الأمازيغي. ومن أهم الأهداف التي يسعى المهرجان لبلوغها، ترقية السينما الجزائرية الناطقة بالأمازيغية، وإعطاء فرصة للمبدعين للتعارف وتبادل الخبرات في هذا المجال. نحن اليوم في الطبعة 14 وعمل سنوات طوال والحمد لله أعطى ثماره وجعل من المهرجان فضاءً سنويا يلتقي فيه المبدعون والمخرجون من محترفين وهواة. اليوم نستعد لإطلاق الدورة ال 14 من المهرجان المرتقب عقدها بولاية تيزي وزو، وقد تداول المهرجان على استضافة عدة بلدان من مختلف قارات العالم من إيران وصولا إلى سويسرا، ما جعله يحوز على تقدير وثناء وإعجاب الوافدين عليه، سيما أنه ولد في مرحلة صعبة من تاريخ الجزائر، غير أنّ إرادة القائمين على التظاهرة كانت أقوى من تلك الظروف رغم صعوبتها وخطورة المهام التي اتّخذها فريق جاد على عاتقه طيلة 14 سنة، وجهد تكلّل بترسيم المهرجان سنة 2005. ولعل الدور الفعّال هو فتح هذه المنافسة التي تعدّ تشجيعا لتطوير السينما، وكذا تنظيم دورات ومحاضرات وبعض الورشات التكوينية وأنشطة لفائدة المخرجين. ❊ تحتضن ولاية تيزي وزو السنة المقبلة الطبعة ال 14 لمهرجان الفيلم الأمازيغي، ما تقييمكم للأفلام والسيناريوهات المودعة لدى محافظتكم؟ ❊❊ لحد الآن لازلنا نستقبل الأفلام للمشاركة في هذه الطبعة، ولم نقم بعد بالتصفية الأولى وببرمجة الأفلام المشاركة، والتي من بينها أفلام طويلة، وقصيرة، وأنا جد متفائل أن تكون هذه السنة وثبة نوعية في الأفلام القصيرة والأفلام ثلاثية الأبعاد، فضلا عن الأفلام المدبلجة، وفتحنا المجال لمشاركة الأفلام المدبلجة الطبعة السابقة، وذلك نتيجة ما وصل إليه هذا الإنتاج السينمائي الذي له مستقبل كبير في السينما الامازيغية، حسب ما نراه في الميدان، ففي السنوات الأخيرة شهدت منطقة القبائل حركية كبيرة وطلب متزايد على الأفلام المدبلجة، إذن أردنا أن نواكب هذه الديناميكية بإعطاء الفرصة لأهل الاختصاص، وممن لديهم اهتمام بالدبلجة للمشاركة أكثر والتزود بمعارف جديدة في هذا الميدان. ❊صرّحتم في عديد المناسبات أنّ السينما الأمازيعية تواجه العديد من المشاكل من بينها نقص التمويل، ما تعليقكم؟ ❊❊ صحيح أن الأفلام الطويلة تتطلب دعما ماليا كبيرا، وفي كل سنة نسجل غياب الأفلام الطويلة، ما جعلنا نفكر في تنظيم مسابقة لأحسن سيناريو في كل طبعة من المهرجان، وذلك بهدف إيداعه لدى وزارة الثقافة لتمويله، وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على أن العمل الجاد بدأ يظهر خاصة في السنوات الأخيرة، لكن حبّذا لو تحدث مفاجأة هذه السنة، كما حدث في الدورة ال 8 التي أقيمت بولاية سطيف، أين تمّ ولأول مرة في تاريخ السينما الجزائرية مشاركة خمسة أفلام طويلة مدعّمة من قبل الدولة، فكانت دورة سطيف من أنجح دورات المهرجان. هذا العام لدينا أمل في استقبال أفلام طويلة، ولكن علينا أن لا نهمل مشاركة الأفلام القصيرة أو ننقص من دورها، لأن هناك أناس مختصون في هذا المجال ومواهب تستحق الدعم والتشجيع، هناك أيضا أفلام الورشات. على فكرة أنا منبهر من أداء وكفاءة الشباب الذين أنجزوا أعمالا قيّمة خلال ورشات الفيلم الأمازيغي في طبعاته السابقة أو في فضاءات أخرى في عديد المهرجانات السينمائية عبر الوطن كتاغيت، بجاية وغيرها من التظاهرات السينمائية التي تقام في مختلف ربوع الوطن، فنحن من واجبنا طبعا أن نعطي أهمية لهؤلاء الشباب خلال أيام المهرجان، التي من شانها أن تطور السينما والإنتاج السينمائي الجزائري والأمازيغي بالأخص. ❊ أصبح للدبلجة باللغة الأمازيغية جمهور عريض، ما هي آفاقها المستقبلية في السينما الأمازيغية؟ ❊❊ تعد الدبلجة نوع من أنواع الإنتاج السينمائي، وكما تطرقنا سابقا إلى مشكل التمويل الذي يواجه المخرجين في إنتاج الأفلام، كونها تحتاج إلى مبالغ مالية ضخمة، ما جعل بعض المنتجون يتطلّعون إلى هذا النوع الذي لا يعد سهلا بحد ذاته نتيجة صعوبة الترجمة وتوافق الأصوات المدبلجة مع حركات الفم للممثلين في الفيلم، إلاّ أنّ المخرجين برزوا في هذا المجال نتيجة التحكم الكبير في تقنيات الدبلجة. ولعل هذا ما جعلنا نستحدث مسابقة أحسن فيلم مدبلج لنيل جائزة "الزيتونة الذهبية" في الطبعة السابقة، ونسعى إلى تشجيع الشباب والمواهب الشابة التي تتفنّن في تغيير أصواتها وتقمص الشخصيات الحقيقية في الفيلم، علما أنّ التمثيل هو أسهل من الدبلجة بالنسبة للممثلين، كونهم يقومون بتقمص الشخصية مباشرة، أما المدبلج فهو مجبر على تقمص شخصية الممثل الحقيقي في الفيلم وهو نوع جد صعب، ولهذا فإن هؤلاء يحتاجون إلى التشجيع، حيث قمنا السنة المنصرمة باستحضار بعض مراكز الإنتاج الخاصة بالدبلجة من كندا، وذلك لنقل خبراتهم للجزائر في تقنيات الدبلجة. وشخصيا أتوقّع لهذا الإنتاج السينمائي الأمازيغي مستقبل كبير، خاصة أنّ العديد من الأفلام في هذا النوع تلقى رواجا كبيرا في الأسواق كونها تعتمد على الفكاهة. ❊ أشرتم في العديد من طبعات المهرجان إلى أنّ تطوير السينما الامازيغية يكمن في التكوين وإعداد شهادة ماستر في الفن السابع، أين وصل هذا المشروع؟ ❊❊ شخصيا أرى أن التطور السينمائي يكون وفقا لقاعدة أساسية وهي تكريس فضاءات التكوين خدمة للفن، وهذا ما نفتقده وما ينقصنا حتى الآن ففي الجزائر حيث لا توجد معاهد تلبي رغبة الشباب السينمائي، وتضمن له تكوينا سينمائيا سليما، عدا معهد فنون العرض والسمعي البصري ببرج الكيفان ومعاهد أخرى قليلة، فتجد هواة السينما بالجزائر يبحثون عن فرص التكوين بعواصم أخرى كتونس، المغرب، وباريس، ففي هذه الحالة يجدر بنا أن نشتغل أكثر على جانب التحسيس لتجسيد هذا المشروع المتمثل في التكوين، وصحيح أنه كانت هذه من بين أهم التوصيات وهي تلقين الفن السابع في الجامعة. تجربة كانت قد بدأت في جامعة الجزائر بتوأمة مع جامعة مونبلييه الفرنسية، وأنا شخصيا استفدت من هذه التجربة وتأطير سينمائيين محترفين من الجزائر وفرنسا، أظن أننا نستطيع إعادتها في كل الأقطاب الجامعية كجامعة تيزي وزو، مستغانم، عنابة وغيرها من الجامعات الجزائرية، فالجانب التكويني لم يأخذ حقه والاهتمام الكامل في الجامعة الجزائرية والتربية الوطنية، فنحن نؤمن بمكانة الصوت والصورة في المدرسة والجامعة وفي قطاع التكوين المهني، وهذا ما نبحث عنه لندعّمه ونسعى للتحسيس بأهميته، بالتعاون مع الشركاء لأن المهمة ليست مسؤولية قطاع الثقافة وحده، فإنعاش السينما يجب أن يكون بإشراك كل الأطراف لكي نعود للواجهة كما كنّا سنوات السبعينيات. ❊ ما يؤمّن نجاح السينما هو إعادة تنشيط النوادي السينمائية، لما لها من دور في إعادة الجمهور لقاعات العرض، أين وصلت الجزائر بهذا المشروع حسبكم؟ ❊❊ استقطاب الجمهور إلى قاعات السينما هو عمل يتطلب تكاثف الجهود، صحيح هي من مهام المهرجان لكن هي في نفس الوقت مهمة مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالمدرسة، دور الشباب والمراكز الثقافية وكذلك دور السينمائيين، فمن جهتنا قمنا بعدة مبادرات لتفعيل نوادي السينما، لأن تفعيل السينما الوطنية يتم في القاعدة من طرف نوادي السينما التي تجلب الجمهور إلى صالات العرض، ولهذا تبنّينا سنة 2009 مبادرة هادفة، أسّسنا خلالها أول ملتقى وطني لنوادي السينما لكل الولايات، ونقوم بمتابعة مستمرة له وكل عام يحضر عدد كبير في إطار المهرجان، وحينها يجري تقييم العمل السنوي فبين 2009 إلى 2012 تمّ تأسيس 24 ناديا سينمائيا فعّالا، يقوم بنشاطات سينمائية في القرى والمدن ومختلف ولايات الوطن. شخصيا أظن أن نوادي السينما هي القاعدة الأساسية لتفعيل المشهد السينمائي واستقطاب الجمهور إلى قاعات السينما. كانت لنا مبادرة في المجال أين نظّمنا في وقت سابق تظاهرة أسبوعية في سينماتيك الجزائر العاصمة وأسميناها "سبت الأفلام"، موعد دوري أسبوعي يلتقي فيه السينمائيون لكن للأسف النشاط دام شهرين ليتوقف بعدها لعدم توفر القاعة بشكل مستمر، لكننا رغم كل ذلك سنضاعف المجهود والنشاط معا، هناك كذلك مجهود مؤسسات الدولة، وزارة الثقافة لترميم الصالات واسترجاع القاعات الغير مستغلة وفي هذه الحالة يمكن الحديث عن دور نوادي السينما في تنشيط وتفعيل صالات العرض، وأسماء أخرى رسّخت ملامح أيام الأمازيغي تأسس سنة 2005 وهو أول مهرجان سينمائي. ❊ في الأخير كيف تتوقّعون مستقبل السينما الأمازيغية؟ ❊❊ مستقبل السينما الأمازيغية يبقى رهن الإسهام المالي الذي يقدم في إطار صندوق الدعم لوزارة الثقافة والهيئات الأخرى، ولتحقيق وثبة لهذا الإبداع السينمائي، نجدّد دعمنا والتزامنا بمشاريع دبلجة لبعض الأفلام الوطنية، علما أنّ الأمر لا يستلزم استثمارات، ورغم بعض النقائص التي سجلتها السينما الامازيغية، يتفق الجميع على الاعتراف بالنجاح الذي حققته في مجال التعبير والتطور والتوسع، إذ إنّها أضحت مبعث اهتمام من خلال ديناميكيتها كبيرة.