«بدل أن نسأل الآخرين، نسأل أنفسنا حول مستقبل الإنسان بشكل عام والإنسان الغربي بشكل خاص، لأنّه هو من يُهيمن على العالم المادي، هذا الغرب مريض بذكائه، إستطاع أن يكون عالما وعجز عن التوصّل إلى حقيقة أساسية هي مدى تعطشه للغزو والسلطة، أعماه وهم قوته، قدّس المال أكثر من الله... (...)». الأمير عبد القادر في «كتاب المواقف». راهبات معلولة طليقات أخيرا!.. لا يسعنا إلا أن نكون سعداء، كون تلكم الراهبات تحصلن على حريتهن وعدن سالمات بعد احتجازهن من قبل عناصر تنظيم «النصرة»، الذين يقاتلون النظام السوري. ولكننا وجدنا أنفسنا أمام فضيحة المعايير. يتعلق الأمر بأشخاص يدافع عنهم الغرب الذي يجب أن نذكّر أنه مصدر مأساة السوريين والسوريات الذين سقطوا بالآلاف في نزاع يتجاوزهم. هذه الإلتفاتة المشبوهة تجاه مسيحيي الشرق، لا يجب أن تنسينا أن تلكم الراهبات منقسمات بين عالمين، عالم الثقافة والعِرق وعالم الدين، شكَّلاَ دائما متغيّرات تعديل منذ القرن (XIX) إذا هنّأنا أنفسنا على تحريرهن خلال حوالي 100 يوم، لأن الحكومة السورية قبلت بإطلاق سراح 150 شخص، بالمقابل (أقل من عشرة) فإنه لا يمكن إعتبار ذلك رأفة إستثنائية حصلت في التاريخ. الإنقاذ السابق لمسيحيي الشرق التصعيد الأخير للأزمة السورية، في منعرج الصيف الماضي، ألقى الضوء على الكراهية التي يغذيها المعسكر الغربي ضد التيار الوطني العربي: في حين أن القليل من الكتّاب ذكّروا بدور عائلة الأسد في الحفاظ على الطابع العقائدي المتعدّد للأمة السورية في الشرق الأوسط، في حين أن الأطلنطية الزائدة للإدارة الفرنسية كادت أن تؤدّي إلى انفجار، الذي تم تفاديه بفضل الدبلوماسية الروسية، من المعكّرات أن نجد أحد أكبر الوجوه التاريخية للوطنية الجزائرية ارتبط تاريخه بفرنساودمشق. الأمير عبد القادر، رجل الدين المتصوّف، عمل لصالح الحوار الإسلامي المسيحي في العاصمة الحالية لسوريا.(1) نتذكّر من خلال التاريخ، أن الأمير عبد القادر، أنقذ الآلاف من المسيحيين من موت محقّق خلال المواجهات التي شهدتها دمشق، حين لم تتوقف قوى الشّر في الماضي بريطانياوفرنسا عن مهاجمة «الامبراطورية العثمانية» (رجل أوربا المريض): نلاحظ أن في ذلك الوقت كانت تركيا جزءًا من أوربا، وفي القرن 21 بالنسبة للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، تركيا ليست جزءًا من أوربا. ومن هذا المنطلق يمنع عليها الإنضمام إلى القلعة الأوربية. نتائج السباق، فرنسا ذهبت للدفاع عن المسيحيين تحت عنوان وعد قطعه سان لويس سنة 1270 على الأسقف الماروني يقضي بحمايته. وبطريقة مخجلة عملت فرنسا كل ما في وسعها من أجل إثارة النعرات بين العرب المسيحيين والمسلمين لإثارة الأحقاد الدينية، وبهذا زيادة حقد الآخرين على الامبراطورية العثمانية في بلاد الشام. الأمير عبد القادر الذي استقر بدمشق خلال منفاه، وحسب ديستايور شانتورين، كان يخرج من منزله على رأس حرسه ليجوب شوارع دمشق ويصطحب إلى منزله الآلاف من المسيحيين ليؤمّنهم ويأويهم، يطعمهم ويعالجهم، وهذا لما يقارب الشهر حتى انطفأت تلك الأحداث.(2). هل كان في رأس الأمير عبد القادر، ما كان يدور في رأس السياسيين في تلك الفترة، أي المساومة من أجل الحصول على الغنائم، الذين كانوا يجنون أموالا طائلة عند نجدة المسيحيين العرب؟ لا وألف لا! نعرف هذا الجندي الرجل القيّم الذي حارب وحشية جيش إفريقيا لحوالي 15 سنة. نعرف الرجل الوفيّ للعهد والصداقة، وهنا نكتشف بعدا آخرا في شخصية الأمير: البعد الروحي لهذا المولوع بابن عربي إلى درجة أنه أوصى بأن يُدفن إلى جانبه. بالاضافة إلى هذه السابقة الفريدة نجدة مسيحيي لبنان والتي بدت استثنائية بالنسبة لقوى تلك الفترة إلى درجة أن كل البابويات أرسلوا هدايا ونياشين إلى الأمير. نتذكّر جيدا! نحن في أوجّ حرب الأمير ضدّ عصابات بيغو، رجل دين فرنسي يتصل بالأمير عبد القادر ويطلب منه تسليمه عسكري يعتقد أنه أسيرا لدى الأمير، نقرأ في مساهمة مونسينيور تيسيي والسيد بوطالب، في ندوة مشتركة في مدينة ليون: «السيد ديبيش الذي كتب في البداية إلى الأمير مايلي: «لو كان بمقدوري أن أمتطي الحصان على الفور، لما أخافني لا الظلام الدامس ولا زئير العاصفة، سأنطلق، سأقف عند عتبة خيمتك وأقول لك كلمات لا يمكنك مقاومتها، إن لم أخطئ في حقّك أعطني ردّ عليَّ أحد إخواني الذي سقط أسيرا بين يديك المحاربتين.. ولكنني لا يمكنني المجيء بنفسي، ولهذا، دعني أرسل إليك على جناح السرعة واحدا من خدمي أرجوك من خلال هذه الرسالة المكتوبة على شغف للوفاء بالعهد الذي باركته السماء، لأنني أرجوك من أعماق القلب، «سعداء هم الرُّحماء، لأنهم في يوم ما سيرحمون أنفسهم».(3) ردّ الأمير عبد القادر، كان بسيطا وعميقا في نفس الوقت، يطالعنا الكتاب بمايلي: ردّ عبد القادر على الأسقف بالرسالة التالية: «لقد اطلعت على رسالتك التي لم تفاجأني لما بلغني عن قداسة طبعك... ورغم ذلك دعني استرعي انتباهك إلى كونك تحمل لقبين خادم الرّب وصديق الرجال، إخوانك، كان عليك أن لا تطلب إطلاق سراح واحد منهم فقط، ولكن كل المسيحيين الذين وقعوا أسرى منذ عودة المواجهات، وبهذا ألا تستحق مرتين نيل شرف هذه المهمة التي تحدثني عنها، وإذا لم يكن يرضيك إسداء هذا المعروف لمئتين أو ثلاثة مائة من المسيحيين، حاول أن توسّع هذا المعروف ليشمل عددا يضاهيه من المسلمين يقبعون في سجونكم. كتب: «عاملوا الآخرين بالطريقة نفسها التي تحبون أن يعاملوكم بها!». نلاحظ هنا أن الأمير إستعمل هنا كمبرر جملة مأخوذة من الوصيّة الجديدة من الإنجيل».(3) المناورات القديمة للغرب لكي يسود من خلال التفرقة القوات في تلك الفترة، إنتصرت على الامبراطورية العثمانية الفارقة في الديون والفاقدة للسيطرة على الأقاليم، في ضرورة تعيين محافظ (متصرّف) مسيحي الذي كان على عاتقه تسيير شؤون المسيحيين. تجزئة بلاد الشام أفرزت الميلاد التدريجي لإقليم آخر، وهنا نكتشف أن لبنان صنيعة أوربية، خاصة بعد إتفاقيات «سايكس بيكو» المفضوحة والمأساوية، التي قسّمت الامبراطورية العثمانية قبل نهاية الحرب العالمية الأولى. حقيقة الأحداث واصطدام وسائل الإعلام بالأوامر حوار مع الراهبة السورية، الأم أغنيس مريم، نشر في جريدة «لاكروا» الأربعاء 18 ديسمبر 2013، سمح بتنوير القرّاء، حول مناورات الصحافة الغربية التي توصف ب»الحُرّة». «كتب الكاتب الذي أجرى الحوار مع الراهبة وجدنا أنفسنا أمام مفاجأة عند التحضير لهذا الحوار وشهادات هذه الشخصية التي لم تلق أي اهتمام من قبل الصحافيين. وبصفة عامة، هذا شأن كل الشخصيات المسيحية السورية الذين يفضحون بقوّة وفي الغالب بكلمات قبيحة الإفتراءات اليومية والمتكررة في وسائل إعلام منطقة «الناتو». كما تمكّنا من الإطلاع أن هناك تعليمات أعطيت من قبل مديريات كبرى وسائل الإعلام لمنع نشر روايتها عن الأحداث، بالإضافة إلى تقديم رواية مغايرة لما يحدث في عين المكان، الأم ماري أغنيس أدانت المعاملة الإعلامية الأحادية الجانب، المنحازة والموجّهة للأحداث السورية، الأم ماري أغنيس عادت في هذا الحوار إلى مصرع الصحفي «جيل جاكيي» شهر جانفي 2012، حادث أين بعض وسائل الإعلام الفرنسية (لومغازين مبعوث خاص على سبيل المثال)، اقترحت أن تقع المسؤولية على عاتقه»(4). «وحول سؤال عن الوضع في سوريا صرّحت الأم ماري أغنيس: «يجب أن أقول لكم أن النظام المتواجد في السلطة في سوريا (حزب البعث)، نظام يساري يقوم أساسا على الإشتراكية المشوبة بالستالينية، إنه حزب وحيد، كثيرا ما كان غير واع بالحريات الشخصية، المدنية، ولم يطبقها (...) لهذا السبب وعندما اندلعت الأحداث تعاطفنا مع المواطنين في المطالبة بالمزيد من الحرية والديمقراطية (...) في البداية رفضت... ولكن كان إصرار بسيط وقرّرت القيام بتحقيق. أنا إمرأة منهجية، لا أحبّذ الكلام دون معرفة الأسباب. وقمت بتحقيقات كذلك على الأنترنات، وفي الأخير أنجزت دراسة من 12 صفحة أرسلتها إلى هذه المنظمة غير الحكومية عنوان هذه الدراسة: «بعد غربلة الأخبار الموجهة عن الوضع في سوريا»، شهر أفريل 2011، وقد رحبت هذه المنظمة بالدراسة ووضعتها على شبكتها، ولكن كانت هناك إنتقادات من كنائس رفضت وجهة نظري وأحسست حينها بوجود طابوهات، بمعنى آخر، أن الربيع العربي قد تمت مباركته من قبل».(4). يجب أن نكون صادقين، أعتقد أن هناك حقيقة أن الصحافة تأتمر بأوامر الأقوياء (وسائل الإعلام التجارية الجماهيرية، (نفس المرجع)، ليست حرّة بالشكل الذي تدّعيه (...) أعلم أنني سأصيب الكثيرين بصدمة، أولئك الذين يشعرون بفخر الإنتماء إلى «العالم الحرّ الديمقراطي». لكن هذا العالم الحر والديمقراطي، في تراجع، وعليه فالطريقة التي تغطى بها الأحداث في سوريا لا تمت بصلة إلى الإحترافية الصحفية الواردة في ميثاق ميونيخ. وعند تحقيقي لدى الصليب الأحمر، تحصّلت على القوائم الفعلية للموتى، التي تبيّن أن ربعهم كان من عناصر الأمن في حين أن هذا لم نطلع عليه في وسائل الإعلام (...) أولئك الصحفيين الذين جاؤوا إلى سوريا لم ينجزوا عملهم وفق مبادئ ميونيخ»(...)، (4) مأساة مسيحيي الشرق في الأخير ماذا عن مسيحيي الشرق الذين يهتم لهم الغرب؟ كيف ينظر إلى هذه المحاولات المتكررة للتدخل الممنهج على مدار قرنين في الشؤون العربية؟(5). بطريقتها الخاصة عربيان مسيحيان يجيبان على ذلك: حياة الهويك عطية، صحفية لبنانية من الطائفة المارونية، سألت البابا خلال زيارته لإسرائيل: «كنيسة الشرق ترفض جرّها إلى مسار التهويد للغرب المسيحي (...)، نحن مسيحيو الشرق لا نرغب في هذه المسيحية الجديدة يهودي مسيحي ونرفض أن يستعمل الغرب المسيحي نفوذه الروحي الغربي للكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية ليغرس في الشرق وفي العالم العربي المسيحي على وجه الخصوص فكرة أو نفوذ التهويد. قداسة البابا أعلم أنني مسيحية عربية! (...) وبالمحصّلة، فإن ذلك لا يمنعني أن أذكرك بإنتمائي إلى هذه الأرض العربية، هذه الأرض هي مهد كل الديانات وكل معتقدات التوحيد (...) والسبب الثاني، هو أن الغرب تاريخيا هو مولّد العنصرية والصهيونية مع كل النتائج المعروفة، وخاصة منها التي مارسها الغرب منذ عقود ضدّ العالم العربي للقضاء على الإنسجام المجتمعي والديني في العالم العربي (...)، وبذلك فلتعلم قداستكم أنّنا نحن العرب المسيحيين لسنا أقلية بأي طريقة كانت، لأننا كنا ببساطة عربا مسيحيين قبل الإسلام، وإننا عرب مسيحيون بعد الإسلام. الحماية الوحيدة التي نبحث عنها هي كيف نحمي أنفسنا من المخطط الغربي الذي يستهدف إقتلاعنا من أرضنا ويجعلنا نشحت رغيف خبزنا وشرفنا في أقاليم الغرب».(...)(6) من ناحية كتب الدكتور رفيق خوري، قس فلسطيني من البابوية اللاتينية في القدس: (...) المسيحيون جزء من الأرض والأرض جزء من هويتهم، مع مواطنيهم المسلمين (...) الهوية العربية والفلسطينية لمسيحيي فلسطين مكتسبات تحصلنا عليها مع حليب أمهاتنا، كما يقال بالعربية. العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في الشرق بشكل عام وفي فلسطين على وجه الخصوص، تدخل ضمن تاريخ طويل، يحمل رصيدا عمره ثلاثة عشر قرنا من العيش المشترك أين اقتسمنا «الخبز والملح»، كما نقول بالعربية كذلك»(7). هذا يعني أن مصير المسيحيين لا يهمّ الغرب إلا عندما يتعلق الأمر بتمرير مشاريع أخرى، كالسيطرة على الموارد الطاقوية، وكذا الحصول على سلام غربي الذي لا يكون دون خراب دائم، التدخلات المستمرة تساهم في خلق التوترات الدائمة والتي لم تكن موجودة من قبل يجب أن نشهد ونعلن رفضنا للعنف مهما كان مصدره. أن نترك هذه المجتمعات «العربية المثقلة بالهموم تجد في ديانات الكتب السماوية المنفذ الروحي، هذا الجانب الذي يتناقص أكثر فأكثر في هذه المجتمعات التي يتهددها خطر اللائكية باسم «وحدانية المال» والله وحده يستر في هذه الأوقات الحرجة. هذه الأبيات للأمير عبد القادر تبيّن البعد الكوني لرسالته: «قلبي أصبح يسع الجميع، هو مرعى للغزلان، وكتاب القرآن ألقّن دين الحبّ، أيّ كان المكان، الذي تتجه إليه هذه القوافل، الحبّ هو قانوني وإيماني» آمين. المراجع: 1. http://www.egaliteetreconciliation.fr/L-emir-abd-el-kader-artisan-de-la-reconciliation-a- Damas-21049-html 2. Philipe D'enstailleurChanteraine:L'Emir Magnanime Abd-el-Kader le croyant;1959 3.http:/Lyon.catholique.fr/IMG/teissier Boutaleb L Emir et les chrétiens 071204.rtf 4.http://www.agoravox.fr/actualites/international/article/une-interview-de-la-mere-agnes-145196 5.http://www.mondialisation.ca/la-trag-die-des-chr-tiens-d-orient-la-responsabilit-de-l-occident/21884 6. Hayat al HuwikAtia: Lettre ouverte http://liberation-opprimes.net/ 24 mai 2009 7.RafiqKhoury: Palestine http://www.gric.asso.fr/spip.php?ar... 30.04.2009