في لقاء جمع الأجيال المتعاقبة على جريدة « الشعب» كانت الذكريات والتحديات عنوانها الأول ...، تلك الذكريات التي جعلت من القلم والحرف القوة التي يحسب لها ألف حساب لأنها تدخل العقول والقلوب في سلاسة مطلقة لا يمكن أن ينتبه لها ذاك الذي لا يتقن لغة القلم. لم أشعر بفخر كالذي خالجني وأنا أستمع إلى أولئك الذين صمدوا أمام كل الظروف لنتمكن نحن من ممارسة الكتابة الصحفية في صفحات جريدة وصفها الجميع بأنها عميدة الصحافة الجزائرية التي ولدت في حجرها عناوين الصحف الخاصة الكبيرة ك»الشروق» و»الخبر». الوزير عبد الله غلام الله، الإعلاميون محمد زهاني، محمد بن زغيبة، الهاشمي عثماني، محمد العربي عبد الرحماني، الجامعي مصطفى ماضي وأسماء أخرى اجتمعت كلها في منتدى «الشعب» الذي أصبحت قاعته تحمل إسما لها تاريخ تأسيس الجريدة الغراء ال11 ديسمبر 1962. محمد زهّاني رئيس تحرير سابق لجريدة «الشعب» عكست كلماته التي وضع من خلالها السامع في السياق التاريخي الذي انطلق منه العنوان الصحفي «الشعب» التفاني الذي كان يميز الصحفيين في تلك الفترة من الزمن ، فرغم الظروف القاسية التي عملوا فيها إلا أن عزيمتهم لم تثنها الصعاب لأن الوعي والوطنية وشعور الانتماء الذي كان يسكن صدورهم أقوى من أية عراقيل تقف في طريقهم. عبد الله غلام الله وزير الشؤون الدينية والأوقاف حضر المنتدى ليلتقي زملاءه ممن عمل معهم في جريدة» الشعب» ، كانت له وقفة مع الممارسة الإعلامية في الجريدة على اعتبار أنه كان ممن سيروها في سنوات السبعينات وقد ركز في كلمته على الحرية التي كان الصحفي يمارسها في كل كتاباته آنذاك، لأن وعيه يجعله لا يتخطى الخطوط الحمراء لأنه يعرف جيدا ثقل المهمة التي تقع على عاتقه كصحفي ينقل المعلومة للقارئ. أما محمد بن زغيبة فقد أعطى لتدخله منحى آخر هو التحول من الطباعة بالرصاص إلى الطباعة الضوئية ، والتي عرفت تأخرا كبيرا بسبب غياب المكان المناسب لوضع الآلات التي ستخرج عمال الطباعة بالرصاص من الدهاليز الأرضية، وفي هذا السياق أضاف سعد بوعقبة - رئيس قسم التحقيقات ب»الشعب» في الثمانينيات- وقال أن التحدي كان كبيرا ولكن عمال جريدة «الشعب» في تلك الفترة تحدوا الصعاب وعملوا لمدة 16 ساعة يوميا لأنهم كانوا مجبرين على طباعة نسختين للجريدة واحدة بالرصاص وأخرى نسخة ضوئية ، بسبب الفترة التكوينية على الآلات الجديدة لعمال المطبعة، ولكن الرجال الذين لم تكسر شوكتهم قوة مستعمر غاشم لا يمكن أن تهزمهم الآلات المتطورة في تلك الفترة، وفي لحظة شوق وحنين قال سعد بوعقبة أن «الخبر» ولد في حجر الأم الأولى للصحف المكتوبة باللغة العربية على اعتبار أن عشرة من صحفييها كانوا المؤسسين لها. ....»غمرني الشعور بالفخر الكبير لأنني انتمي إلى الطاقم الصحفي لجريدة «الشعب» لأنها وكما قال المتدخلون سليلة الصحافة المجاهدة وعميدة الصحافة الوطنية» هذه هي الكلمات التي بدأ بها عيسى عجينة تدخله ليتحدث عن مشواره الصحفي كمسير في هذا العنوان المخضرم الذي صنعته أسماء كبيرة من المثقفين والسياسيين والذين وإن شغلوا مناصب أخرى خارج الجريدة بقوا أوفياء لهذا العنوان، وقال أن «الشعب» عنوان اختصر كل الأقلام التي تكتب الحرف العربي فكانت بحق توليفة من مختلف الجنسيات العربية. محمد العربي عبد الرحماني إسم آخر سجل ضمن قائمة الشخصيات التي سيرت الجريدة بعد أن التحق بها في سبتمبر 1969 وقد وصف سنواته الأولى فيها بأنها فترة تعلم الكتابة والتكوين أين تعلم أبجديات الصحافة ولعل أهم ما قاله أن الصحفيين آنذاك كانوا يكتبون بكل حرية بعيدا عن أية ضغوط لأن الوعي كان الرادع الأول لأية تجاوزات، وأكد في تدخله أن «الشعب» اليوم عنوان مرهون بما يقوم به العاملون من صحفيين، إداريين وتقنيين من عمل. أما الدكتور ماضي مصطفى مادي فقد تحدث عن التنوع الذي كان يسود الجريدة والاختلاف الذي خلق الثراء داخلها، وقال أن اللغة التي كان يستعملها الصحفيون آنذاك كانت تتميز بالحداثة واصفا جيله بالمخضرم الذي كان يملك الكثير من الحرية في كتاباته الصحفية. فنيدس بن بلة مدير تحرير جريدة «الشعب» كان مسك الختام الذي ربط بين جيلين كل واحد منهما تَكَوَنَ في ظروف مختلفة عن الآخر، وكان بحق حلقة وصل بين ماض طغت عليه القومية العربية وحاضر التكنولوجيا أكبر تحدياته ،وبكلمات بسيطة قال أن الصحافة ممارسة في كل يوم نتعلم فيها شيئا جديدا يمكننا من كسب ود وثقة الآخر، ولأن المحيط الإعلامي يعرف تنافسا شديدا على القارئ عمدت جريدة « الشعب» إلى الانفتاح حيث تبنت أركان جديدة منها الملفات الأسبوعية ليكون الطاقم الصحفي خير خلف لخير سلف.