في أحدث تصريح له وبمناسبة زيارته الى مدينة غرداية في بحر الاسبوع الماضي، كان الرئيس بوتفليقة مباشرا و صريحا وهو يدلي في عجالة حول تداعيات الأزمة المالية على اقتصاديات العالم عموما والجزائر على وجه الخصوص. مشيرا ضمنيا أن الرخاء المالي المتحصل عليه خلال السنوات الماضية من ارتفاع اسعار النفط سيعرف لا محالة تقلصا ملحوظا، داعيا في السياق ذاته إلى أخذ المزيد من الحيطة والحذر واعتماد المزيد من التقشف في السنوات العجاف القادمة كما جاء على لسان القاضي الأول في البلاد. والواقع أنه ليست المرة الأولى التي يدق فيها رئيس الجمهورية ناقوس الخطر حول تداعيات الأزمة المالية الدولية، حيث سبق له وقبل اسابيع أن أشار في احدى المناسبات الى ما أسماه بالارتداءات الناجمة عن الأزمة. وفي هذا التصريح اشارة واضحة الى احتمالات أكيدة أن تمس الازمة الاقتصاد الوطني، في وقت كانت كل تصريحات وزراء الحكومة تصب في اتجاه واحد الا وهو أن البلاد في منأى عن الأزمة المالية. وعلى الرغم من التدني السريع في اسعار النفط بأكثر من 100 دولار للبرميل، لايزال نفس الوزير يؤكدون على أن الجزائر تبقى بعيدة عن التداعيات السلبية وكأنها تعيش بمعزل عن هذا العالم أو أن اقتصادها مغلق ومتين ولا يتفاعل مع الانعكاسات العالمية السلبية، فضلا عن ذلك فإنه حتى بعض المنابر التي كان ينشطها مختصون في المال والاقتصاد سارت في نفس الاتجاه الى درجة أن احدهم ا عتبر أن انهيار اسعار النفط سوف لن يؤثر على الاقتصاد الوطني، رغم أن هذا الأخير يعتمد بالدرجة الأولى في تمويله على عائدات النفط. بعض الاصوات الخافتة من هؤلاء تجرأت على قول ماكان ينبغي قوله من أن الجزائر كغيرها من الدول الأخرى كان لابد أن تمسها الأزمة على نحو مباشر وغير مباشر من خلال تراجع مداخيل النفط المرشحة للتقلص في غضون العام الجاري أو على الأقل خلال السداسي الأول، حيث من المتوقع أن يتراجع الطلب على الخام، مما يعني مزيدا من الفائض ومزيدا من احتمالات انهيارات أخرى في أسعار النفط. أما التداعيات الأخرى على الاقتصاد الوطني فتكمن في السياسات المالية الغربية التي اتخذتها العديد من الدول المتقدمة في محاولة منها لتحفيز الاستثمار من خلال خفض معدلات الفائدة الى ما يقارب الصفر في اغلب الأحيان، مثل هذا الاجراء قد ينعكس سلبا على عوائد احتياطي الصرف الجزائرية الموجود في البنوك الاجنبية في الخارج ولاسيما الامريكية منها و التي تتعدى 40 مليار دولار. إحدى التداعيات الأخرى المحتملة فإنها ستمس مباشرة ميزانية الدولة والتي تتوقف بالدرجة الأولى على مستوى الاسعار خلال السنة الحالية، فعلى الرغم من توخي الحيطة والحذر في اعداد الميزانيات السابقة خلال السنوات الماضية المقدرة آنذاك على سعر 19 دولار للبرميل، فإن الانتقال من هذا الرقم الأخير الى رقم 37 دولار المعتمد منذ العام الماضي في ميزانية الدولة والممتد لهذه السنة، قد يؤدي الى احداث نوع من الاختلال بين السعر المرجعي والسعر الحقيقي في اسواق النفط، هذا الأخير سبق له في نهاية العام الماضي وأن تراجع الى مستوى 33 دولار للبرميل أي أقل من السعر المرجعي المتوقع لميزانية ,2009 مما يعني أن الخطر لايزال قائما وأنه على الرغم من الارتفاع النسبي في اسعار النفط في بداية العام الجاري والتي انهت تعاملات الجمعة على ارتفاع تجاوز 46 دولار للبرميل بالنسبة لخام البرنت، إلا أنه من المتوقع وبالنظر الى عدة مؤشرات أن تشهد السوق النفطية المزيد من التذبذب في المرحلة القادمة. وتذبذب أسعار النفط قد لا يعني أن مشاريع البرنامج الخماسي قد تتأثر أو قد يعاد النظر فيها، إنما قد تتواصل حتى لو تراجعت الاسعار عن مستوى السعر المرجعي المعتمد في الميزانية لأنه وببساطة في حالة حدوثص اختلال بين النفقات و الموارد، هناك عدة طرق محتملة لسد الثغرة... لكن سد هذه الثغرة لن يكون بدون مقابل أو ثمن، إذ أن الفوائض المالية أو الادخار الميزاني سيشهد في هذه الحالة تراجعا في حجمه وهو ما قد يمكن ادراجه ضمن خانة التداعيات الأخير المباشرة للأزمة المالية العالمية. ومهما يكن من أمر، فإنه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار عدة حقائق، أولها أن الجزائر ليست البلد الوحيد الذي سيتأثر بالأزمة المالية، ولعلها بالنظر إلى العديد من الدول الأخرى، فإنها توجد في موقع أفضل طالما أنها تملك من القدرات التي تمكنها من مواصلة على الأقل انجاز المشاريع الكبرى المدرجة في البرنامج الخماسي. أما الحقيقة الأخرى، فإن فترات الرخاء أو الوفرة الماية لا تعني الاتكالية والتمادي في التبذير وفي المصاريف غير الضرورية، خاصة وأن الانفاق على الواردات يتضاعف تقريبا من سنة الى أخرى خلال السنوات القليلة الماضية. وتبقى الحقيقة الأخرى الأهم وهي أنه مهما كانت الآثار المحتملة من الأزمة، فإنه من الضروري قول الحقيقة كل الحقيقة دون تجريف أو تزييف، أو كما يقول المثل الشعبي »يغطي الشمس بالغربال« وسط هذا الانفتاح الهائل والكلي على العالم الخارجي، لأنه لا يعقل تحت أية مبررات أن تصرح بأن الجزائر في منأى عن الأزمة، في حين أن كل العالم مسته الأزمة، والخطاب المبالغ فيه في التفاؤل كان لابد أن يتغير، لأنه لا بديل عن مصارحة الشعب وشرح الواقع كما هو وبتفاصيله الدقيقة، و العملية ليست صعبة طالما أننا في موقع أفضل بكثير من غيرنا وبالامكان تجاوز هذه المحنة باجراءات تكون عملية عوض سياسة الهروب الى الأمام. ------------------------------------------------------------------------