غياب المختصّين حال دون تحويل روايات إلى أفلام رهان معركة الفنّ السّابع يكسب تكوين إطارات في تقنيات السّمعي البصري يعتقد النّاقد المسرحي والسّينمائي والأستاذ بالمعهد العالي لمهن وفنون السمعي البصري ببرج الكيفان، حبيب بوخليفة، بأنّ إشكالية السّينما ببلادنا أضحت فعلا بحاجة إلى صياغة جديدة، تأخذ في الحسبان جوانب التّكوين المتخصّص في كتابة السّيناريو، وإشراك المبدعين في مختلف مراحل إعداد الإنتاج، من خلال إدراج عناصر الصّراع والحوار والثّقافة السّينمائية الجادة في مختلف الأعمال المقترحة، ورصد الأموال الكافية لتجسيدها على أرض الواقع، مشيرا إلى أنّها بادرة لابدّ منها للخروج من أزمة فقر الإنتاج السّينمائي، وفي حال عدم بروز قفزة نوعية في هذا المجال، فلا يوجد عندنا ما يستحقّ العرض بقاعات السّينما بالشّكل الذي يلفت انتباه المتفرّج الجزائري، الذي أضحى يكتفي بما يكتشفه بمختلف الفضائيات والشّبكة العنكبوتية. هذا ما أكّده النّاقد حبيب بوخليفة في حوار مع "الشعب". ❊ الشعب: بداية كيف يمكن عرض إشكالية السينما في الجزائر حاليا، هل هي مرتبطة بضعف الرّوايات المنتجة أم بقلّة السّيناريوهات المقترحة؟ ❊❊ حبيب بوخليفة: ما يمكن تأكيده في الواقع هو وجود ركود رهيب في مسألة الإنتاج السينمائي عندنا، بشهادة العديد من الاختصاصيين في الميدان، مثل الناقد أحمد بجاوي، الذي أشار إلى ذلك من خلال مداخلاته بعدة يوميات وطنية، والأمر نفسه بالنسبة لأحمد شنيقي. وأنا أعتقد ذلك أيضا وبقناعة كبيرة، فنحن نعيش فترة ركود وتخلّف سينمائي كبير. ❊ ما هي الأسباب الرّئيسية التي ساهمت في تكريس هذا الواقع؟ ❊❊ الأسباب عديدة، ولكن السبب الجوهري يكمن في عدم توافق السياسات الثقافية المتعاقبة في تسيير القطاع السينمائي، إضافة إلى علاقة الإنتاج السينمائي بمؤسسات الدولة. السينما والفن عموما لا يعقل بأن يكونا خاضعان للقرارات المركزية، والإبداع يقع على عاتق أهل الاختصاص قبل كل شيء، كما أنّ تنظيم الإنتاج السينمائي يجب أن يعتمد على مسألة فتح سوق السينما، كما هو الأمر بالنسبة لجميع المجتمعات المتقدّمة التي تراعي هذا الجانب. والنقطة الثالثة تتعلّق بالمحيط، حيث أن الثّقافة السّينمائية التي يحوز عليها المجتمع، هي التي تدفع إلى بروز الإنتاج، بمعنى أن حاجيات المجتمع في هذا الشأن تساهم إلى حدّ بعيد في التّأسيس لإنتاج سينمائي معتبر، ولكن المشكلة المطروحة حاليا تكمن في كون القطاع العمومي هو الذي يؤطّر الإنتاج السينمائي، في إطار تنظيم هو أقرب إلى التّسيير البيروقراطي منه إلى غير ذلك، وفقا لما عشناه خلال سنوات سابقة، وما نعيشه حاليا هو نتيجة حتمية لترسبات السنوات الماضية، حين ظلّت القرارات المتعلّقة بالإنتاج السّينمائي تتّخذ على مستوى المكاتب الإدارية، وبعيدا عن تصورات المبدعين، وحتى صندوق ضبط الإبداع كان يموّل أفلاما لم ترق إلى المستوى المطلوب، وهي أفلام لا يمكن إقناع المتفرج الجزائري بمتابعتها بقاعات العرض، بالنظر إلى عدم تميّزها عن تلك التي تعرض بالفضائيات ومواقع الأنترنيت، وكل هذه العناصر أدّت إلى تخلّف وفقر الإنتاج السينمائي ببلادنا على مدار عدّة سنوات خلت. ❊ ولماذا لم يمسك المبدعون بزمام المبادرة لإنقاذ الموقف؟ ❊❊ المبدع لا يمكنه أن يتصرّف في ظل وجود مركز القرارات المتعلقة بالإنتاج السينمائي، وحتى في حال تحرّك بعض المبدعين لتفعيل سيرورة الإنتاج، من خلال طلب الدعم من صندوق دعم الإبداع، فإنّ ذلك لا يخل دائما من عرقلة الانتهازيين، الذين عكفوا على مدار عقود من الزمن على تسطير مسار خريطة الإنتاج الفني. وما يعاب على القائمين على هذا الصندوق، تخلّفهم على اقتراح إنتاج أفلام ذات قيمة تاريخية، خلال البحبوحة المالية التي شهدتها الجزائر طيلة أكثر من عقد من الزمن، كفيلم عن مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر مثلا، وهذا يبرز للعيان كون طريقة تسيير القطاع لم تكن تخدم السينما الجزائرية. ❊ وفي حال توفّر الأموال للإنتاج السّينمائي، هل تفي الرّوايات المكتوبة هذا الغرض؟ ❊❊ أنا أتعجّب أحيانا حينما تعود بي الذاكرة إلى سنوات ما بعد الاستقلال، حين كانت بلادنا سائرة في خط كتابة سيناريوهات مقبولة وإنتاج أفلام جيّدة، في إطار تجسيد ثقافة سينمائية واعدة من طرف نخبة الفاعلين في الميدان، والذين تكوّن معظمهم في مدارس عليا في ميدان الإخراج والتصوير خاصة دون إيلاء عناية كبيرة لمسألة تسيير الإنتاج أو كتابة السيناريوهات، ممّا أفرز واقعا صعُب فيه تحويل الرواية إلى فيلم ناطق، من خلال كتابة سيناريو وفقا للتّقنيات العالمية. كثير من الكتّاب الجزائريّين اجتهدوا في تأليف روايات بالجملة في مواضيع مختلفة، إلاّ أنّ غياب المختصّين في كتابة السيناريو، حال دون التمكن من تحويل ذات الروايات إلى أفلام، لاسيما وأنّ الإخراج وحده لا يكفي لتحقيق هذا المبتغى. المخرج يجب أن يعتمد على السيناريو في عمله، والسيناريو يجب أن يكتبه مختص بتقنيات عالية، وليس كل من هبّ ودبّ يمكنه التدخل في هذا الشأن، لأنّ كتابة السّيناريو تقتضي الإلمام بعدّة نقاط مهمّة، تتعلّق بعضها بتاريخ السّينما وطرق الكتابة والتّقطيع واللّغة السّينمائية وغيرها. إنّنا نقف في الكثير من الحالات على سيناريوهات ساذجة، كونها لم تأخذ في الحسبان هذه النّقاط المهمّة، ولكونها تخلو أحيانا من مظاهر الصّراع، ومن ثم فإنّ المشكل في نظري يكمن في قلة المختصّين في كتابة السّيناريو وليس في الرّوايات. ❊ ما هو الحل للخروج من الأزمة؟ ❊❊ ما هو مطلوب بالدرجة الأولى هو التكوين المتخصص، الذي يندرج ضمن سياسة ثقافية واضحة المعالم، لأنّه لا يمكن خوض معركة إنتاج سينمائي بدون تحضير كوادر متخصّصة في التّقنيات المختلفة المرتبطة بالسمعي البصري، وكذا في كتابة السيناريو، مع الإشارة إلى كون المعهد الوطني المتخصّص ببرج الكيفان، كان قد تفطّن إلى دعم الاختصاص في ثقافة كتابة السيناريو، إلاّ أنّ ذلك لا يكفي في حدود نظري، لأنّني أعتقد بأنّه لابد من تسمية مدرسة عليا في السينما وأخرى في الفنون المسرحية في جزائر 2015، أو حتى ربما تعويض ذلك كلّه بأكاديمية الفنون التي تعمل على تدريس مختلف الطّبوع الفنية بتقنيات محترفة وعلمية. ❊ معنى هذا أنّ السّاحة الفنية الجزائرية تفتقد إلى كتّاب سيناريو متمكّنين؟ ❊❊ إنّ كتابة سيناريو للسينما أو المسرح أيضا تقتضي الإلمام بجوانب تقنية عديدة، فليس كل من كتب سيناريو سيناريست بالمفهوم المتعارف عليه، فكثير من الأدباء والشّعراء يلجأون أحيانا إلى كتابة سيناريوهات، إلا أن أعمالهم تبقى دائما بعيدة كل البعد عمّا تقتضيه الثقافة السينمائية، فقلّما تجد كاتبا ملمّا بكيمياء الصّورة المتحرّكة. ❊ بالنّسبة للأعمال السّينمائية التي تمّ تجسيدها عقب الاستقلال، هل تندرج ضمن هذا الإطار أيضا؟ ❊❊ بالنّسبة لمرحلة ما بعد الاستقلال، برزت أفلام سينمائية رائعة على الساحة، كفيلم "معركة الجزائر" الذي يبقى تحفة يقتدى بها، وتمّ تصنيفه ضمن 50 أحسن فيلم تمّ إنتاجه عالميا، ولكن الذي تجب الإشارة إليه هنا يكمن في كون كتابة السيناريو تمّت بطريقة جماعية، تحت إشراف كل من ياسف سعدي ومخرج الفيلم ذي الجنسية الايطالية والذي هو مايسترو في تخصّصه، باعتباره لا يمكنه إخراج سيناريو ضعيف لا يحمل في طياته معالم الثقافة السينمائية، والأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة لأفلام أخرى. ❊ وهل التّكوين فقط هو المخرج لهذه المعضلة؟ أم أنّ الأمر يقتضي إعادة نظر شاملة في السّياسة الثّقافية المنتهجة؟ ❊❊ ما أريد التّأكيد عليه هو أنّ وزيرة الثقافة الحالية نادية لعبيدي تمتاز عن غيرها بثقافة عالية في مجال الإنتاج السينمائي، كما أنّ تكوينها الأكاديمي العالي والذي مكنها من أن تكون أستاذة جامعية ومتخصّصة في الإنتاج الفني، يؤهّلها لأن تبذل جهودا جبّارة في مسألة ترقية الإنتاج السّينمائي، من خلال انتقاء لجنة متخصّصة معرفية تختص في قراءة ونقد السيناريوهات، بشرط التزام الشفافية والصّرامة على حد سواء، بحيث تجب دراسة مختلف السيناريوهات المقدمة لها، والرد عليها بالرفض أو الإيجاب، مع التبرير المقنع وذلك لآجال معدودة، قبل أن يلجأ إلى مرحلة مراقبة الإنتاج، ومسايرته من طرف الوصاية، مع السهر على مطابقة التكاليف المعبّر عنها لمحتوى الإنتاج، تجنّبا لقضية التّلاعب بالمال العام، مع التأكيد أيضا على أنّ كل هذه الخطوات يجب أن ترافقها خطوات أخرى تعنى بالتكوين المتخصّص للكوادر والمبدعين، في خطوة لابد منها لترقية الإنتاج السينمائي كمّا ونوعا. ❊ لماذا لا تشرعون أنتم في كتابة السّيناريوهات حالا في انتظار البديل؟ ❊❊ نعم أنا أستطيع أن أكتب وبجدية كبيرة، ولكني لا أريد أن أمزج بين الأمور لأنّ موقعي كمخرج لا يمنعني من كتابة السيناريو، ولكني لا أودّ فعل ذلك لأنّ المثقّفين الذين يحوزون على رؤية جادة حول الفعل الثقافي، لا يخلطون الأمور ويميزون بين هذا وذاك، ويجب على كلّ واحد أن يقوم بواجبه. ❊ في ظلّ هذا الوضع يبدو أنّه لا طائل من وجود قاعات سينما منتشرة عبر بلديات الوطن؟ ❊❊ طبعا، لقد أصبحت هذه القاعات لا تؤدّي وظيفتها حاليا، لأنّ الأفلام التي تناسب الثقافة الجزائرية، والتي تندرج ضمن حاجيات المتفرّج الجزائري ليست موجودة أصلا، مع الإشارة إلى أنّ الاستعمار الفرنسي ترك لنا سنة 62 أكثر من 480 قاعة منتشرة عبر الوطن، من بينها أكثر من 20 قاعة بالعاصمة وحدها، وأصبحت معظم هذه القاعات اليوم، لا تؤدي وظيفتها السّينمائية، ويقتصر دورها على إحياء الأعراس والتجمعات السياسية، لأنّ المتفرّج الجزائري أضحى يكتفي بما يشاهده في الفضائيات المختلفة وبشبكة الأنترنيت، ولا حاجة له بما يمكن أن تعرضه ذات القاعات لعدم جدية الأفلام المحتمل عرضها. وفي بلادنا لم تتمكّن السّينما من التميّز عن باقي وسائل الاتصال والإعلام، كما هو الشّأن بأوروبا وأمريكا، حيث يتم تجسيد إبداع فني يتجاوز مستواه بكثير ما يعرض بالفضائيات، ممّا يضطر المشاهد الأوروبي للتنقل إلى قاعات السينما لمشاهدة بعض الأفلام، على عكس ما هو قائم عندنا، أين تنتج الأفلام بثقافة وطريقة سطحية لا تتعرّض للقضايا العميقة.