منفذوها كانت لهم خلفيات سياسية وأهداف استراتيجية سلط المؤرخ دحو جربال الضوء على محطة تاريخية مهمة في مسيرة الجزائر، والتي يجهلها البعض وهي الذكرى ال57 لعمليات موريبان. وتتمثل في فتح الجبهة الثانية بفرنسا للتنفيس عن الثورة، وإرغام الاستعمار على تسريع المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني الممثل الشرعي للشعب الجزائري، مؤكدا أن هذه العملية هي الوحيدة في القرن ال20 ولم تشهد مثيلاتها في الثورات التي قام بها الفيتناميون والصينيون والأفارقة، وهي عملية تشرف كل الجزائريين، لكنه تأسف عن تشويه بعض الحقائق التاريخية. تطرق جربال في محاضرته القيمة، أمس، التي نظمتها جمعية مشعل الشهيد بالتنسيق مع المكتب الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين بالمركز الثقافي العربي بن مهيدي بالعاصمة، والتي أماطت اللثام عن كثير من الحقائق إلى الذكرى ال57 ليوم 25 أوت 1958 أي فتح الجبهة الثانية وتحويلها إلى التراب الفرنسي، واصفا العملية بالملحمة التي تشرف كل الجزائريين ورثة هؤلاء المناضلين والمناضلات. وأوضح المؤرخ أن العملية قام بها مجموعة من المناضلين بالمهجر في قلب فرنسا، وهي الوحيدة في القرن ال20 يقوم فيها شعب مستعمر بعمليات مسلحة لفتح جبهة قتال على أرض المستعمر. وهي عملية سياسية على أعلى مستوى لمناضلين تكونوا في حضن نجم شمال إفريقيا، وحزب الشعب الجزائري، حركة انتصار الحريات الديمقراطية، وفيما بعد جبهة وجيش التحرير الوطنيين، من أجل فتح آفاق نحو استقلال الجزائر. وفي هذا الصدد، أعاب جربال عن بعض المخرجين السينمائيين الذين يتحدثون عن مقاومة الجزائريين على أرض فرنسا بطريقة بعيدة عن الحقيقة التاريخية، مثل فيلم “خارجون عن القانون” الذي حسبه تجرد وتقلل من قيمة الحدث التاريخي، وتصور عملية موريبان على أنها قتال بين كتل مسلحة أي بين جبهة التحرير ضد المصاليين وضد فرنسا، وكأن المناضلين لم تكن لديهم خلفيات سياسية وأهداف استيراتيجية. طلبة يجهلون الكثير من الحقائق وتأسف المحاضر أيضا على أن طلبة الجامعات الجزائرية يجهلون عددا كبيرا من الوقائع التاريخية من مقاومات شعبية وتضحيات الشهداء قائلا: «أنه يوميا يصطدم بجهل الطلبة لتاريخ الثورة، وتشويه لبعض الوقائع، معتبرا ذلك بالأمر الخطير»، مضيفا بأنه لهذا السبب قام بإصدار كتاب بعنوان “المنظمة الخاصة لفيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا”، والذي ترجم للغة العربية لتستفيد به الجامعات والمدارس، وهو مرتكزا في بحثه على شهادات حية ممن كان مسؤولا أو فاعلا مباشرا في تلك العمليات، وانطلاقا من أرشيف مطبوع سواء من طرف جبهة التحرير أو المصالح الأمنية الفرنسية. وأشار المحاضر في هذا الإطار، إلى أن فتح الجبهة الثانية على التراب الفرنسي والمسؤول عنها سعيد بوعزيز ومجيد آيت مختار كانت لها أهداف استيراتيجية وهي دفع العدو الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع «الآفلان»، وتأكيد وجود أمة جزائرية، كما أنها جاءت للتنفيس عن الثورة، حيث كان لهذه العملية التي استهدفت المواقع الاقتصادية والعسكرية وليس المدنيين، انعكاسات كبيرة على الاقتصاد الفرنسي، مما دفع الشركات المتعددة الجنسيات للضغط على الحكومة الفرنسية لحماية مصالحها، كما قام العدو باستقدام الحركى وضباط اليد الحمراء. وأشاد المحاضر في هذا السياق، بشجاعة الشعب الجزائري الذي كان له دورا كبيرا في دعم الثورة واحتضان مجاهديها، مما جعله مستهدفا من طرف الاحتلال من خلال المجازر التي ارتكبت في حقه كالثامن ماي 1945، 20 أوت 1955 و17 أكتوبر 1961، وفي هذه النقطة أكد جربال أن هذه المحطات التاريخية المؤلمة لها رابط مشترك وهو أن الشعب الجزائري هو المستهدف الأول. وأضاف الأستاذ أن تاريخ 13 ماي 1958 هو بداية حرب الجزائر بمجيء الجنرال شارل ديغول وليس في الفاتح نوفمبر 1954، مشيرا إلى أن المنظمة الخاصة أنشأت لتنظيم الكفاح المسلح بفرنسا، داعيا إلى قراءة التاريخ قراءة جيدة بعيدا عن القراءات المدرسة الكولونيالية.