تحويل الملف إلى جريمة دولة سيدعم مسار المطالبة بحقوق الضحايا تؤكد آراء المختصين والخبراء المكلفين بملف التجارب النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية، ممن استطلعت “الشعب” آراءهم، أن القضية تسير بخطى متثاقلة لتصنيف الجريمة إلى جريمة دولة، رغم المعاناة اليومية للضحايا المقدرين بالآلاف وعددهم مرشح للارتفاع مستقبلا، مؤكدين بعد مرور 56 سنة على أن الجريمة المقترفة، ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، في الوقت الذي تعرف فيه المواقف السياسية بين البلدين تقدما إيجابيا، ويبقى الأرشيف هو مفتاح القضية الوحيد. اللواء المتقاعد عليوة العربي: مفاوضات متعثرة لكنها في الطريق الصحيح قال رئيس اللجنة السرية المكلفة بالبحث في ملف ضحايا التجارب النووية سابقا، اللواء عليوة العربي، ل«الشعب”، أن ملف المفاوضات يسير بخطى متعثرة، رغم أنها سجلت تقدما إيجابيا مقارنة بسنوات ماضية، قائلا أنه مهما طال الزمن أو قصر فإن الوصول إلى نتيجة أمر حتمي. ووصف عليوة الطريقة التي يسير بها الملف حاليا بالصحيحة، رغم العثرات التي تحدث أحيانا، وهناك توقف وتعطل ولكن الملف يسير بوتيرة بطيئة، ولكن الهدف لابد من الوصول إليه اليوم أو مستقبلا. ويشير اللواء إلى أن عمله سابقا ضمن لجان مختصة أقيمت للتفاوض والبحث حول التجارب المنفذة في كل من منطقة رڤان بأدرار وتمنراست وعين أيكر، وفرت معلومات ضرورية تم تقديمها إلى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان يتابع الملف شخصيا. وفي هذا الإطار، أكد اللواء أن جمعيات المجتمع المدني تلعب دورا هاما في تحريك الملف لتعويض الضحايا ودفع فرنسا على الاعتراف بالجريمة الاستعمارية، التي تبقى راسخة في أذهان الضحايا وتأثيراتها المستمرة إلى غاية اليوم، وهو ما يعتبر جريمة صامتة لابد من التحرك الجماعي للوصول إلى نتيجة نهائية. ويعكف القائمون على الملف، حسب اللواء عليوة، على توفير المعلومات الدقيقة والحجج التي لازالت ناقصة لدعم الملف من الجانب الجزائري، في الوقت الذي ترفض فرنسا الافصاح عن الأرشيف المتعلق بالجريمة، حيث أوضح المتحدث أن المعلومات متوفرة على مستوى عال للجانب الجزائري للمضي قدما في المفاوضات. ونوّه اللواء عليوة بأهمية المعلومات والأدلة في تسريع وتيرة التفاوض، حتى لا نكون في نقطة ضعف أمام فرنسا، لأن المعلومات هي الفيصل النهائي لتجريم التجارب النووية في الصحراء الجزائرية والوصول إلى نتيجة نهائية. بن براهم: لابد من تصنيف الملف إلى جريمة دولة وليس أشخاص تؤكد المحامية والحقوقية فاطمة الزهراء بن براهم، أن النداء المتواصل لمحاكمة مجرمي التجارب النووية في الصحراء الجزائرية، غير منطقي من الناحية القانونية، لأن مرتكبي الجرائم في عداد الموتى، إلا أن الهدف حاليا ينصب حول تصنيف الجريمة إلى جريمة دولة وليست أشخاص. وتوضح بن براهم ل«الشعب”، أن الرأي العام لابد أن يعرف أن المتابعة القانونية تسقط بمجرد وفاة المجرم، وتقصد بذلك جنرالات فرنسا الذين خططوا وقاموا بالجريمة النكراء على المواطنين الجزائريين شتاء فيفري من سنة 1960، مؤكدة أن الملف يعرف تطورا إيجابيا لاسيما بعد الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين في الآونة الأخيرة. وترى المحامية بن براهم، أن ما يخيف فرنسا حاليا هو استمرار تداعيات الجريمة غير المرتبطة بزمن محدد، حيث يبقى ملف التفاوض مستمرا إلى غاية الاعتراف وهو ما جعلها ترفض الإفصاح عن الأرشيف المتعلق بالخرائط، التي توضح مكان ردم العتاد المستخدم في التجارب النووية الأربع، التي خلفت آلاف الضحايا ولا زالت تداعياتها مستمرة. وتأسفت بن براهم، على تقاعس الجانب الجزائري من خلال عدم تحديد قائمة رئيسية تضم أسماء الضحايا أو العمل على تحديدها، مقدرة عددهم بحوالي 42 ألف ضحية، إلا أن العدد سيصل إلى آلاف الضحايا في السنوات المستقبلة، كون التأثيرات الإشعاعية لازالت تصيب المولودين الجدد وتتسبب في أمراض جد خطيرة لساكنة منطقة التجارب النووية حاليا. محمودي: مأساة حقيقية يعيشها الضحايا جراء الأمراض الخطيرة يقول المنسق الوطني لضحايا التجارب النووية، محمد محمودي، أنه رغم مرور 56 سنة على التجارب النووية بصحراء رڤان وتنمراست وعين ايكر لم تعترف بالضحايا، الذين يعانون الأمرين جراء تفاقم أوضاعهم الصحية نتيجة الإشعاعات النووية الخطيرة، وتأسف المتحدث عن تعنت فرنسا المجرمة التي تدعي الإنسانية. ويشير عليوي إلى تفاقم الوضع الصحي للضحايا نتيجة المواد المشعة الخطيرة التي أصابتهم وتسببت في تشوهات خلقية وعاهات خطيرة متنوعة، وتتصدر الأمراض الجلدية قائمة المصابين، لاسيما حديثي الولادة، حيث أشار المتحدث إلى تشوه مئات الأطفال حديثي الولادة بمنطقة رڤان خاصة البدو الرحل نتيجة استنشاقهم للهواء بالمنطقة. وتراوح الدعوى القضائية التي رفعتها تنسيقية ضحايا التجارب النووية مكانها منذ 13 جوان 2006، ولم تستجب السلطات الفرنسية للدعوى، بل قامت بتحويل الملف إلى وزارة الصحة بعدما كانت وزارة الدفاع هي المسؤول الأول، باعتبار التجارب قام بها عسكريون أثناء الاستعمار. وبخصوص تحويل الملف، أوضح المتحدث أن ذلك بكان حجة التعويض وتهربا من المسؤولية انطلاقا من العلة المسببة وهي مرض في ظل عدم وجود دليل يثبت صحة ادعاء الضحايا بتعرضهم لإشعاعات نووية أثناء التجارب التي شهدتها الصحراء الجزائرية. وعن الإجراءات الحديثة التي تقوم بها التنسيقية للضغط على فرنسا، أكد أن التنسيقية طلبت من وزارة المجاهدين الجزائرية تقديم طلب رسمي لتعويض الضحايا، بحجة أن فرنسا لا تستجيب للدعاوى القضائية المرفوعة. وأشار محمودي إلى تفاقم معاناة الضحايا يوميا بسبب الأمراض الخطيرة التي تزامنهم في حياتهم، حيث يعاني الضحايا من سرطان الجلد والغدد، بالإضافة إلى سرطان الأعصاب، الذي يعد من أخطر فئات السرطان فتكا بالإنسان، حسب تقديرات الخبراء، مشيرا إلى أن الأمراض مصنفة ضمن الأمراض الأكثر فتكا بالإنسان. منصوري: ضرورة تحضير ملفات علمية وطبية للأمراض والآثار المستقبلية ألح الدكتور عمار منصور، الخبير في الهندسة النووية، على ضرورة تحضير ملفات علمية وطبية حول الأمراض الموجودة والمنتشرة حاليا في أماكن التجارب النووية الفرنسية، مشيرا إلى أن الملف أخذ وقتا طويلا بعد مرور 56 سنة على الجريمة. وقال منصوري، أن فرنسا تستخدم حيلا متعددة للهروب نحو الأمام، ومنها استخدام الوقت كورقة هروب لتنسي الأجيال القادمة بالملف نهائيا، مؤكدا أن الأدلة موجودة على اقتراف الجرم وفقا للقانون الدولي الذي يحمي الضحايا، متسائلا عن الأدلة التي تبقى في طي النسيان لإجبار فرنسا على الاعتراف والضغط لاسترجاع الأرشيف المتعلق بالتجارب. ويرى الخبير في الهندسة النووية، أن الأجدر بمطالبة فرنسا بالاعتراف بتجاربها النووية هي منظمة الصحة العالمية، لأن الضحايا تعرضوا لجريمة إنسانية بشعة مست صحة الإنسان بالدرجة الأولى، مؤكدا أن الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن تعرقل مسار المفاوضات بطريقة غير مباشرة. وقال الخبير، أن جريمة فرنسا هي جريمة مزدوجة ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وآثارها لازالت قائمة إلى اليوم، مؤكدا استمرار آثار القنبلة النووية بالمناطق التي شهدت التفجير بكل من رڤان وتمنراست وعين أيكر إلى آلاف السنين حسب التشوهات المدروسة، وفي هذا الصدد، قال الخبير أن الآثار الناجمة تدل على استخدام فرنسا لمادة البلوتنيوم الأكثر فتكا بالإنسان والحيوان ويقدر الخبراء استمرار آثارها إلى 24 ألف سنة قادمة، سيما وأن التجارب التي قامت بها فرنسا شملت مستويين تحت الأرض وفي السطح. ويتسبب العتاد المستخدم في التجارب إلى غاية اليوم في انتقال هواء باطني غير مراي ينقل جزيئات خطيرة إلى أماكن محاذية تضر الإنسان والحيوان، حيث أكد الخبير منصوري أن دراسات سابقة أثبتت بشاعة تفجيرات اليربوع الأزرق في تاريخ التجارب النووية وهي تفوق في شناعتها قنبلتي هيروشيما وناكزاكي. بيطام: شهادات حية يحتفظ بها المتحف تثبت ارتكاب الجريمة أفاد مدير المتحف الوطني للمجاهد مصطفى بيطام، أن شهادات حية لضحايا التجارب النووية ومجاهدين من منطقة الصحراء الجزائرية تثبت بالدليل القاطع ارتكاب الجريمة الإنسانية، مؤكدا وجود وثائق خاصة بالجريمة تحوي معلومات دقيقة تجرم الفعل، وشهادات مادية حية تثبت الجريمة. وأوضح بيطام، أن الشهادات الموجودة ستسغل في إدراج ملف كامل حول الجريمة بعد مرور 56 سنة من وقوعها، منوها بأهمية الوثائق كدليل مادي على التجارب النووية، وأشار المتحدث أن وزارة المجاهدين قامت بالعمل على جمع الدلائل المادية منذ سنوات لإثبات كل جرائم فرنسا المقترفة أثناء فترة الاستعمار.