السراج يضع قطار السلام الليبي على سكته الصحيحة كان ال30 من مارس الماضي يوما حاسما وفاصلا في ليبيا، حيث تبنّت حكومة الوفاق ورئيسها فايز السراج قرارا تاريخيا بالانتقال الى العاصمة طرابلس لمباشرة مهامها كتشكيلة رسمية تحظى بالشرعية الدولية، وبدء ممارسة التفويض الذي منحه إياها اتفاق السلام الموقع في ديسمبر الماضي تحت إشراف الأممالمتحدة. خطوة فائز السراج التي انتظرها الليبيون ومن ورائهم المجتمع الدولي طويلا، كانت ضرورة حتمية لوضع حدّ لازدواجية السلطة التي ظلّ يتنازعها برلمانان وحكومتان واحدة في طرابلس والثانية في طبرق، فبدلا من متابعة خطوات الحكومتين والبرلمانين، صار للسلطة الجديدة عنوان واحد هو حكومة الوفاق الوطني التي بدأت تمدّ نفوذها وتنتزع الاعتراف تلو الآخر في الداخل قبل الخارج الأمر الذي يبعث على التفاؤل بقرب فكّ خيوط الأزمة الليبية التي ما انفكّت تتعقّد من سنة إلى أخرى حتى تحوّلت إلى معضلة تلقي بظلالها القاتمة على المنطقة بأسرها. والانفراج الذي يلوح في سماء ليبيا اليوم هو نتاج جولات مكوكية صعبة وشاقة من المفاوضات والمباحثات التي سعت إلى إقناع الفرقاء هناك بإيجاد تسوية سياسية تعيد ترتيب البيت الذي غرق في الفوضى وبات مهدّدا بالتصدّع. الحل من غدامس إلى طرابلس شهدت ليبيا منذ إسقاط النظام السابق عام 2011 توترات أمنية وسياسية خلفت قتلى وجرحى ودمارا للبنية التحتية، في حين عبّرت أطراف محلية ودولية عن مخاوفها من أن استمرار التردي الأمني سيفسح المجال لتنظيمات مثل تنظيم الدولة الإرهابية بالدخول على الخط وإرباك المشهد أكثر. وللخروج من هذا المأزق، عقدت أطراف الأزمة الليبية جولات مفاوضات ومحادثات في عدّة أمكنة بينها الجزائر تمخّض الكثير منها عن اتّفاقات قبلها البعض ورفضها البعض الآخر، إلى ان تمّ التوصل في ديسمبر الماضي الى اتفاق سياسي يبدو أنّه سيكون الحلّ. فمع وصول الأزمة في ليبيا إلى الباب المسدود، وبفضل وساطات متعددة ورعاية أممية، انطلقت جولات الحوار الليبي، وكان من أبرز محطاته لقاء غدامس 1 يوم 29 سبتمبر 2014، ثم غدامس 2 في ديسمبر 2014، ولقاءا جنيف الأول يوم 15 جانفي 2015 والثاني في 26 من الشهر نفسه بالمدينة ذاتها. واستمر الحوار بين الفرقاء الليبيين في جولة تاسعة يوم 28 أوت 2015، وجولة عاشرة في العاشر من سبتمبر 2015، ثم جولة رقم 11 في 5 أكتوبر 2015. تلك اللقاءات، أسفرت عن توقيع اتفاقات بينها إعلان تونس في 6 ديسمبر 2015 واتفاق السلام بعد أيام. بداية التوافق وقع ممثلون عن برلمان طبرق وآخرون عن المؤتمر الوطني العام بضاحية قمرت في العاصمة تونس يوم 6 ديسمبر 2015 على إعلان مبادئ ينص على تشكيل لجنتين، إحداهما مكلفة باختيار رئيس حكومة ونائبين له، والثانية مكلفة بتعديل الدستور. وفي17 ديسمبر 2015، وتحت رعاية الأممالمتحدة وقعت أطراف ليبية اتفاق سلام نصّ على تشكيل حكومة وحدة وطنية تقود مرحلة انتقالية من عامين، تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية. حفل التوقيع حضره مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر ووزراء خارجية عرب وأوربيون وممثلون عن هيئات دبلوماسية ودولية، إضافة إلى أعضاء بمجلس النواب المنحل والمؤتمر الوطني الليبي العام. بنود اتفاق السلام نصّ اتفاق السلام الليبي الموقع برعاية الأممالمتحدة في ديسمبر / الماضي على أن تتولى السلطة التنفيذية حكومة وفاق وطني، يقودها رئيس للوزراء إلى جانب مجلس رئاسي لها يضم رئيس الوزراء وأعضاء آخرين. أما في ما يتعلق بالسلطة التشريعية، فينص الاتفاق على أن يتولى هذه السلطة البرلمان المعترف به دوليا في طبرق (شرق)، على أن يتحول البرلمان غير المعترف به في طرابلس إلى هيئة استشارية تحت مسمى «مجلس الدولة». ويفترض أن يتم تعديل الدستور الليبي لتضمينه بنود هذا الاتفاق السياسي. 1 - السلطة التنفيذية حكومة الوفاق الوطني: تكلف ممارسة مهام السلطة التنفيذية وتتكون من مجلس للوزراء برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية نواب رئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء، ويكون مقرها الرئيسي العاصمة طرابلس و»يمكن أن تمارس أعمالها من أي مدينة أخرى». وبحسب الاتفاق فإن مدة ولاية حكومة الوفاق الوطني هي عام واحد يبدأ من تاريخ نيلها ثقة مجلس النواب. وفي حال عدم الانتهاء من إصدار الدستور خلال ولايتها، يتم تجديد تلك الولاية «تلقائيا لعام إضافي فقط». وعرضت تشكيلة حكومة الوفاق على البرلمان المعترف به دوليا والمستقر في طبرق (شرق)، لكنها فشلت عدّة مرّات في نيل الثقة. المجلس الرئاسي : يعرف الاتفاق السياسي المجلس الرئاسي الليبي بأنه مجلس وزاري مصغر يقود الحكومة بالتوافق بين أعضائه. ويوضح الاتفاق أن المجلس الرئاسي «مجلس لرئاسة الوزراء يرأسه رئيس مجلس الوزراء وبعضوية خمسة نواب وثلاثة وزراء أحدهم لشؤون رئاسة مجلس الوزراء والتشريع والثاني لشؤون المجالس المتخصصة والأخير لشؤون المجتمع المدني». ويقوم المجلس باختيار وزراء الحكومة، ويتخذ قراراته في ظل «إجماع رئيس مجلس الوزراء ونوابه». 2 - السلطة التشريعية البرلمان: يتولى البرلمان المعترف به دوليا والمنتخب مباشرة من الشعب في جوان 2014، السلطة التشريعية للدولة خلال المرحلة الانتقالية التي ينص عليها اتفاق السلام والممتدة لعامين. وهذا البرلمان موجود حاليا في الشرق، ويعارض بعض أعضائه اتفاق السلام. ويتولى البرلمان منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني واعتماد الميزانية العامة والرقابة على السلطة التنفيذية وإقرار السياسة العامة التي تعرضها الحكومة. مجلس الدولة: يعرفه الاتفاق السياسي بأنه «أعلى مجلس استشاري للدولة». ويتألف مجلس الدولة من 145 عضوا انتخبوا في انتخابات المؤتمر الوطني العام، البرلمان المنتهية ولايته وغير المعترف به دوليا في طرابلس، بتاريخ 7 جويلية 2012. ويتولى هذا المجلس «إبداء الرأي الملزم لحكومة الوفاق الوطني في المشاريع (القوانين) قبل إحالتها لمجلس النواب» الذي يحق له قبولها أورفضها. السراج والمهمة الصّعبة انتقل فايز السراج الذي ينتمي إلى عائلة طرابلسية ثرية من قطاع الأعمال والمال إلى معترك السياسة والحكم، ليجد نفسه أمام تحدي توحيد ليبيا على رأس حكومة محمّلة بالدعم وبالوعود والآمال بعد سنوات من الخيبات المتتالية. ويجد هذا المهندس المعماري المولود في طرابلس عام 1960 نفسه على رأس السلطة المدعومة من الأممالمتحدة والمجتمع الدولي بعد عامين فقط من انطلاق مسيرته السياسية التي بدأت بانتخابه نائبا عن مدينته. ويحظي السراج وحكومته بتأييد واسع في طرابلس وفي الخارج، الأمر الذي يمنحه دعما وقوة لإنجاح مهمته الصعبة. ويحمل السراج وهو أب لثلاث بنات، شهادة بكالوريوس في الهندسة المعمارية والتخطيط العمراني حاز عليها عام 1982، وشهادة ماجستير في إدارة الأعمال تعود إلى عام 1999. وكان والده مصطفى السراج أحد مؤسسي الدولة الليبية بعد الاستقلال عام 1951. ورغم صعوبة مهمته فإن البداية تبدومشجعة، إذ نجح السراج وأعضاء حكومته قبل أيام في تخطي التحدي الأول المتمثل في القبض على السلطة من دون إراقة دماء، وهو ما تحقق بعد تنحي السلطة المنافسة عن الحكم قبيل وصول السراج إلى طرابلس. ويقيم السراج مع أعضاء حكومته في قاعدة طرابلس البحرية منذ وصولهم إلى المدينة، لكنه قام بجولة سيرا على الأقدام في ساحة الشهداء وسط طرابلس، وأدى الصلاة في مسجد قريب من الساحة. كما استعادت حكومته مقرات عدة وزارات ومؤسسات.